مؤتمر شرم الشيخ: الفساد يجعل النساء أكثر ضعفا ويستبعدهن عن أدوار اتخاذ القرار

ليس غريبا أن "الفساد" مذكر والنزاهة مؤنثة، التقارير الإقليمية والدولية ربطت الفساد بالرجال في أغلب نواحيه، بل وأكدت على أن النساء أكثر من يتأثر بالفساد إذ يجعلهن ذلك أكثر ضعفًا بل ويستبعدهن عن أدوار اتخاذ القرار.

خط المصري القديم منذ قديم الأزل دستور الحياة الذي لم يترك فيه صغيرة ولا كبيرة إلا وتطرق إليها وتناولها بما في ذلك الأخلاق وترتيب أوضاع المجتمع وسياسات المنح والعقاب.. لم يترك ذلك المصري القديم فقط تاريخ تليد يُبهر العالم بمعالم أثرية لاتزال محط إعجاز لدى صانعي التكنولوجيا والحداثة، بل قدم فكرًا سابقًا لعصره على كافة المستويات.

من هذا المنطلق جاءت العدالة التي مثلتها "ماعت" آلهة الحق والعدالة تلك التي سترافق عدالتها في الأرض وحتى بعد الوفاة إذ أن ريشتها التي تزن بها قلب المرء في ميزان عدالتها هي التي ستحدد حتى مسيرة المصري القديم في رحلته نحو الخلود الأبدي بعد الموت، فإما نعيم أبدي أو جحيم ممتد إلى ما لا نهاية.  

وبالتحول من حالة مصر القديمة قبل ما يزيد على خمسة آلاف سنة إلى مصر في الألفية، وقبل إغلاق العام 2021 أوراقه، تشهد مدينة شرم الشيخ شيء من ملامح ماعت بجناحيها المفرودين وريشة رأسها التي تعبر عن العدالة في أزهى صورها.. فالمدينة القابعة في قلب سيناء، أرض الفيروز، التي تجلى فيها الخالق لسيدنا موسى، تحتضن هذه الأيام الدورة التاسعة لمؤتمر الدول الأطراف في اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الفساد، والذي ترأسها مصر، ومن ماعت اتخذ شعار المؤتمر لما يمثل بذلك من دلالات رمزية واسعة وأهمها رسالة بأن هذا البلد الأمين كان أول من أرسى قواعد العدل، وواجه صور الفساد المختلفة منذ فجر التاريخ.

كانت المرأة في هذا التاريخ أيضا سيدة قرارها بل وشريكة زوجها في الحكم والملك وإدارة الأسرة التي تعد نواة المجتمع الأولى ذات القدسية الواسعة، بل إنها كانت صاحبة ملكية وشخصية مالية مستقلة بما لم يكن له مثال في عصره.

الجنس وعلاقته بالفساد

بالمقابل اليوم، فإن التقارير الدولية التي تتحدث عن الفساد، وتؤكد إضراره بالناس من جميع الأجناس، لافتة إلى أن الفساد يؤثر على النساء والرجال بطرق مختلفة، لكن غالبًا ما تجعل نتائج الفساد المرأة أكثر ضعفاً، مما يجعلها مستبعدة عن أدوار اتخاذ القرار ويحدّ من فرصها في التقدم على الصعيدين التربوي والاقتصادي.

ووفقا للتقارير فيمكن يمكن أن تكون النساء أكثر عرضةً من الرجال لأنواٍع معينة من الفساد، من خلال استخدامهنّ للخدمات العامة. عندما يؤدي الفساد إلى تراجع كفاءة الخدمات العامة أو التقليل من قاعدة الدخل الضريبي للدولة، وينتج عن ذلك تخفيضات في الخدمات العامة مثل الرعاية الصحية أو التعليم أو الخدمات الاجتماعية، فمن المرجّح أن يؤثر ذلك على النساء والأطفال أكثر من الرجال.

ذلك الحديث ربما لا يكون غريبا معه أن "الفساد" مذكر (لغويا) والنزاهة مؤنثة، التقارير الإقليمية والدولية ربطت الفساد بالرجال في أغلب نواحيه، وأشارت إلى أن الذكور يطغون على شبكات الفساد. وفي البلدان التي ينتشر فيها الفساد، غالبًا ما يتمّ استبعاد النساء عن هذه الشبكات المترابطة التي يهيمن عليها الذكور والتي يستفيد منها المطّلعين من خلال أعمال الفساد أو السيطرة على عمليات التوظيف. وبالتالي، تتضاءل احتمالية حصول المرأة على مناصب سياسية أو غيرها من أدوار صنع القرار.

ووفقا للبيانات غير الرسمية فإنه نظرًا لتعميق عدم المساواة بين النساء بسبب الآثار السلبية للفساد، قد تكون النساء أكثر تحفيزًا من الرجال لمكافحة الفساد لأنه يعيق طموحاتهنّ المهنية واستقلاليتهنّ. ومع ذلك، فإنّ النساء بشكلٍ عام أكثر خشيةً من الرجال للإبلاغ عن حالات الفساد بسبب الخوف من الإنتقام أو غير ذلك من المساوئ.

من أثار الفساد التي يتم تحديدها هو أن النساء هن الأكثر عرضةً لخطر استخدام أجسادهنّ كعملةٍ للفساد. عندما يتمّ استخدام الخدمات الجنسية كشكلٍ من أشكال إساءة استعمال السلطة أو التواطؤ أو المحسوبية، عندئذٍ يعتبر الفساد جنسانيًا. التعرّض لهذا النوع من الفساد يعرّض النساء لخطرٍ حقيقي ويمكن أن يكون له آثار جسدية ونفسية واجتماعية واقتصادية مدمّرة طويلة الأجل على النساء والفتيات. أظهرت الدراسات أنّه غالباً ما لا تفهم الضحية أنّ طلب خدماتٍ جنسية هو شكل من أشكال الفساد، وأنّه يمكن استخدام الجنس لإساءة استعمال السلطة، كعملةٍ أو رشوة.

تعليم النساء والفساد

يعدّ التعليم أداةً حاسمة للنهوض بالمساواة بين الجنسين والتمكين الاقتصادي للمرأة، وكلاهما أساسي لمعالجة الأبعاد الجنسانية للفساد، ومن ثم فإن فتح الأبواب المهنية أمام النساء له تأثير حاسم على أنماط الفساد والشفافية والمساءلة العامة.

جائحة كورونا والمرأة 

وأفادت التقارير الأممية أن  جائحة كورونا قوّضت المكاسب التي تحققت في مجال تمكين المرأة من خلال عكس عجلة التقدم المحرز وتعميق أوجه عدم المساواة القائمة بين الجنسين. كما تؤثر الجائحة أيضًا على الأبعاد الجنسانية للفساد في التعليم والرعاية الصحية والقطاع الخاص في العديد من البلدان حول العالم.

تسبب الوباء في حالة طوارئ عالميةٍ ممتدة عرّضت العاملين في القطاع الصحي لمخاطر أكبر بشكلٍ عام. يمكن القول إنّ ذلك كان له تأثير غير متناسب على مقدّمي الرعاية من النساء كون العديد منهن يعملن في الخطوط الأمامية للاستجابة لـجائحة كوفيد-19 أو كمقدمات رعاية للأسرة.

ويؤكد التقرير أن الفساد لناحية إنفاق حزم الإغاثة والمساعدات الخاصة بجائحة كوفيد 19، والاحتيال وعدم تسديد رواتب العاملين في مجال الرعاية الصحية الحرجة، يقوّض فعالية خدمات الرعاية الصحية ممّا يؤثّر بشدّة على النساء. لذلك، تعتبر أنظمة الإبلاغ عن المخالفات والحماية التي تراعي الفوارق بين الجنسين أساسيةً في مكافحة الفساد. لا يمكن معالجة الانتهاكات إلا عندما تشعر المرأة بالأمان للإبلاغ عن الحوادث دون خوف من الانتقام أو فقدان الحماية أو السرية.

النوع الاجتماعي والفساد وأهداف التنمية المستدامة

وفي إطار ذلك فإن مؤتمر شرم الشيخ، تناول ذلك في عدد من الفعاليات والأحداث الجانبية ضمن أعمال المؤتمر الذي انطلقت فعالياته يو 13 ديسمبر، وتستمر حتى يوم غد الجمعة 17 ديسمبر، والتي تتعلق بالنساء وتأثرهن بالفساد وكذلك دورهن في المواجهة.

وأقيمت أمس جلسة ضمن أعمال المؤتمر بعنوان "ترسيخ النوع الاجتماعي في عملية مؤتمر الدول الأطراف في اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الفساد"، نظمته ألمانيا بالاشتراك مع السويد ونيجيريا، وقدم خلال أعماله مكتب الأمم المتحدة المعني بالمخدرات والجريمة تضمن خلاصة الدراسات التي تم الإشارة إليها سابقا.

وفي عام 2020، نشر مكتب الأمم المتحدة المعني بالمخدرات والجريمة تقريرًا بعنوان "حان الوقت الآن: معالجة الأبعاد الجنسانية للفساد"، يستكشف الترابط بين النوع الاجتماعي والفساد. يغطّي المنشور كيف يمكن لجهود المساواة بين الجنسين أن تتصدى للفساد والعكس صحيح، والإطار الدولي والاستجابات الوطنية للالتزامات الدولية، ويحتوي على دراسات حالة عملية عن البرازيل وغانا وإندونيسيا. يسعى إلى توفير مادةٍ للفكر لمجتمع مكافحة الفساد بشكلٍ عام عبر ترجمة الأفكار إلى مبادرات برنامجية.

ويستند التقرير إلى المناقشات التي جرت خلال اجتماع فريقٍ من الخبراء في بانكوك في عام 2018. وضمّ الاجتماع 26 مشاركًا من وكالات الأمم المتحدة والمنظمات الدولية الأخرى، وسلطات مكافحة الفساد وأخصائيين وطنيين ممارسين في مجال العدالة الجنائية، فضلاً عن المجتمع المدني والأوساط الأكاديمية من أجل مناقشة الأبعاد الجنسانية للفساد وتحديد الممارسات الجيدة. ومع ذلك، فإنّ تقرير "حان الوقت الآن" يتجاوز النتائج الأصلية بالتوصيات القابلة للتنفيذ الناتجة عن الاجتماع والمنسوجة في كافة أنحاء المنشور.

تتمثّل إحدى نتائج التقرير في كيف يمكن لجهود مكافحة الفساد والمساواة بين الجنسين أن تعزّز بعضها البعض وكيف يمكن لأوجه التآزر بين الاثنين أن تعزّز قرارات السياسة والأطر القانونية.

وسيكون هناك فريق رفيع المستوى حول "القيادات النسائية في النزاهة: اعتبارات من أجل التعافي الشامل" مع المديرة التنفيذية لمكتب الأمم المتحدة المعني بالمخدرات والجريمة، غادة والي.