أصدرت مبادرة مناهضة الاحتلال وإبادة النساء من أجل الأمن والسلام، بياناً بمناسبة اليوم العالمي للمرأة، دعت فيه المجتمع الدولي ومنظمات حقوق الإنسان بشكل عام والمؤسسات المدافعة عن حقوق المرأة بشكل خاص، لأداء واجباتها والقيام بمسؤولياتها تجاه ما تتعرض لها النساء من جرائم و إبادات ممنهجة.
فيما يلي نص البيان:
تحلّ علينا مناسبة اليوم العالمي للمرأة لهذا العام ونحن ما زلنا على مسافة شاسعة من نيل حرياتنا وحقوقنا الأساسية كنساء، على رغم كل الاتفاقيات والمعاهدات الدولية المعنية بحقوق المرأة، وعلى رغم كل النضالات النسائية الدؤوبة والمتواصلة في مختلف بلدان منطقتنا، منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا.
فالمرحلة الراهنة التي نمر بها، تحمل بين طياتها العديد من المخاطر الجسيمة، نظراً لأننا في معمعان حربٍ تقسيمية عالميةٍ ثالثة، هدفها تصدير الأزمات البنيوية وإطالة عمر النظام الرأسمالي العالمي المتهالك، وذلك من خلال تأجيج الحروب الجنونية الطائشة وافتعال التقلبات الاجتماعية الكبرى في بلداننا، واستهداف النساء واستنزاف طاقاتهن في النزاعات المسلحة التي لا ناقة لشعوبنا فيها. وإضافة إلى ذلك جائحة كوفيد19، والتي تحوَّلت إلى سلاح فتاك بيد كافة السلطات لقمع النساء ولزيادة نسبة العنف بشتى أشكاله وبدرجة غير مسبوقة ضدهنّ، ولطردهنّ من العمل وحصرهنّ بالمنازل.
ففي سوريا، نجد أن الانتهاكات الجسيمة التي تحصل بحق النساء في المدن والمناطق المحتلة من طرف الاحتلال التركي الفاشي ومرتزقته الإرهابيين، أكان في عفرين أو في تل أبيض ورأس العين أو في تل تمر، وعمليات الاختطاف والاحتجاز القسري والقتل والتنكيل باتت على قدَم وساق، هذا عدا عن مخاطر التهجير القسري والتجويع والتغيير الديموغرافي، لاسيما في المناطق الكردية، إضافة إلى عمليات الصهر وتدمير البيئة والآثار التاريخية لمحو تاريخ عريق في تلك المدن.
حيث نشهد في فلسطين، تداعيات الاحتلال الصهيوني وسياساته التمييزية والمُقيِّدة للحريات، وانعكاسها على شكل: تردّي الأوضاع المعيشية وتراجُع الأمن الغذائي وتقلص فرص العمل وازدياد ظاهرة العنف الجسدي والنفسي والتحرش بالنساء والأطفال. هذا عدا عن سياسة الحصار المتَّبَعة تجاه قطاع غزة والقدس والعديد من المناطق الأخرى، وارتفاع معدلات البطالة.
وفي الصحراء الغربية، نجد الحصار البوليسي المتواصل من طرف الاحتلال المغربي لمنزل السلطانة خيا وعائلتها، وتعنيفه وتعذيبه لها بشتى الأساليب، ومنع الزيارات عنها، ومنعها من تلقّي العلاج، هذا عدا عن تعريضها للاغتصاب وحقنها بمادة مجهولة.
كما نرى في تركيا تفشياً غير مسبوق لحالات الاحتجاز القسري والاعتقال التعسفي والقتل العمد كإبادة سياسية ممنهجة للعشرات، بل المئات من الناشطات والرياديات والقياديات الكرديات بصورة خاصة، وإغلاق الكثير من الحركات والمراكز النسائية والفنية والثقافية واللغوية والإعلامية، في حين نجد المجرمين والجُناة ينجون من العقاب، بل وتتم حمايتهم ودعمهم من أجهزة السلطة التركية الفاشية.
وفي العراق، نجد تفشي حالات الانتحار وجرائم الشرف والإتجار بالنساء، في ظل استمرار انتهاك حقوق النساء في العديد من القوانين التي تعزز هيمنة الرجل، والتي لعل من أهمها، الفقرة أ من قانون العقوبات العراقي رقم 111، والمعني بحق الزوج في تأديب زوجته!
حيث نلحظ في لبنان، ازدياد عدد ضحايا العنف الأُسَري، وازدياد حالات الاغتصاب والاعتداء الجنسي، بل وتبرئة المغتصِب في حال زواجه من ضحيته! وما تزال قضية حرمان الأم من حقها في منح جنسيتها لأولادها حديثَ الساعة لدى العديد من المنظمات والمؤسسات النسوية اللبنانية.
كما نرى استمرار النزاعات المسلحة في اليمن، وتسبُّبها في انعدام الأمن الاجتماعي والاقتصادي، وانتشار الفقر والجوع المدقع، والاعتماد على المساعدات المعيشية، وإضافة على ذلك تدهور سيادة القانون، والتشرد الداخلي الجماعي، واستبعاد المرأة بشكل ممنهج من مفاوضات السلام الرسمية.
وفي ليبيا تنعكس ظاهرة النزاع المسلح والتدخل الخارجي على النساء والفتيات على شكل قتل وتنكيل واختطاف، هذا عدا عن تفشي الجوع والفقر والبطالة بشكل ملحوظ.
حيث ما تزال النساء الأفغانيات يعانين الأمرَّين، بعد استلام حركة طالبان الحكمَ إثر الانسحاب الأمريكي، وماتزال الانتهاكات بحقهنّ مستمرةً على قدم وساق، بدءاً من استلابهنّ حرياتهنّ وحقوقهنّ، وحتى حالات القتل والاختطاف والاعتقال.
وفي إيران، ما تزال ظاهرة إعدام الناشطات والحقوقيات دائرةً، لاسيما بحق النساء الكرديات، وذلك بحجج واهية لا أصل لها.
لاشك أنه يمكن الاستمرار في ذكر الأمثلة من كل بلد، فما ذُكِرَ أعلاه هو غيض من فيض مما تتعرض له النساء بصورة دائمة، ولكن نسبة هذه الظواهر ازدادت في العام المنصرم بنحو ملحوظ وغير مسبوق، وسط صمت عالمي مُخزٍ إزاء كل هذه الانتهاكات والاحتلالات والاغتيالات والإبادات الممنهجة، ووسط شلل ملحوظ للمنظمات والمؤسسات الدولية المعنية بحقوق الإنسان.
وعليه، فإننا، وباسم "مبادرة مناهضة الاحتلال وإبادة النساء، من أجل الأمن والسلام"، نرى أن كل هذه الظواهر المذكورة ليس سوى دافعاً قوياً لنا نحن النساء من أجل رص صفوفنا وتنظيم أنفسنا وتصعيد نضالنا في وجه المنظومة الأبوية السلطوية الربحية. ونؤكد على أن إرثنا النضالي النسائي الموجود في تاريخ منطقتنا يشكل دعامةً وطيدةً لنا في مسيرتنا الشاقة الطويلة.
كما ونطالب المنظمات الدولية المعنية بحقوق الإنسان عموماً وبحقوق المرأة خصوصاً أن تؤدي دورها المنوط بها، بغية تشكيل قوة ردع حقيقية وفاعلة في وجه كل المسؤولين عن الانتهاكات والجرائم المرتكبة ضد النساء، ومعاقبتهم على جرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية التي يرتكبونها في بلادنا؛ وبغية حماية النساء وتمكينهن من انتزاع حقوقهن الأساسية واسترداد حرياتهن المسلوبة؛ وبغية تعبيد الطريق لأجل المشاركة السياسية للنساء في مراكز صنع القرار في أوقات الحرب والسلم على السواء؛ كخطوات لا بد منها في سبيل وقف الحروب وسد الطريق أمام كافة أشكال التطرف والعنف والإبادة.
مبادرة مناهضة الاحتلال وإبادة النساء، من أجل الأمن والسلام
5 آذار 2022