أصيبت بالشلل منذ صغرها، حُرمت من الدراسة بوقت مبكر نتيجة العقلية السائدة في المجتمع، تعلمت حياكة الصوف كي تمضي وقتها، ومع بدء ثورة روج آفا تغير مجرى حياتها بعد أن بدأت تتعلم اللغة الكردية، وكسرت حاجز الإعاقة وباتت معلمة للأجيال.
الشابة خزنه عبد القدوس علي، ولدت في قرية رتكو التابعة لمدينة عامودا عام 1984 وبعد ولادتها بـ 3 سنوات انتقلت عائلتها إلى قرية هيمو القريبة من مدينة قامشلو، هذه القرية الغنية بثقافات مكوناتها فيعيش فيها الكردي والعربي والسرياني جنباً إلى جنب.
أصيبت بالشلل نتيجة خطأ من الطبيب
وخزنة التي تحتل المرتبة الثانية في العائلة المؤلفة من شقيقتين وستة أشقاء إضافة للأب والأم، تعاني من الشلل الدائم الآن، فهي عندما كانت بعمر سنة ونصف كانت تعاني من ارتفاع حرارة جسدها، ولدى تشخيصها عند أحد الأطباء قام الطبيب بإعطائها إبرة عن طريق الخطأ، مما أدى إلى حالتها التي هي عليه الآن، حيث أصيبت بشلل في كلا قدميها وأصبحت عاجزة عن المشي.
وبالرغم من محاولات العائلة لعلاجها وعرضها على عدد من الأطباء المختصين في مدينة قامشلو وخارجها إلا أنهم لم يحصلوا على نتائج متفائلة حول شفائها، لذا قررت العائلة عرضها على الأطباء في حلب ودمشق، إلا أن الأوضاع المعيشية المتردية التي عاشتها العائلة منعتها من متابعة علاج ابنتهم خزنة التي كانت حينها بعمر 6 سنوات، فبقيت خزنة عاجزة عن الحركة.
ومع بلوغ خزنة سن الدراسة، قررت العائلة إرسالها إلى مدرسة القرية واستطاعت خزنة متابعة الدراسة حتى صف الرابع الابتدائي، فشقيقتها الكبرى ووالدها ووالدتها كانوا يساعدانها في الدراسة والتقدم للامتحانات، إلا أنه ونتيجة المعايير التي وضعتها أنظمة التعليم لدى الحكومة السورية والتي لا تسمح بضم ذوي الإعاقة إلى المدارس، قرر مدير المدرسة آنذاك فصل خزنة من المدرسة وعدم قبولها ضمن المدرسة على الرغم من اجتهادها.
محيطها كان يشعرها بالإعاقة والنقص
والتزمت خزنة المنزل بعد فصلها من المدرسة وباتت تساعد والدتها في انجاز بعض الأعمال المنزلية التي بمقدورها فعلها، وذلك بالزحف على ركبتيها، وحاولت بأن تعيش وضعها الطبيعي مع أفراد عائلتها ومحيطها وأصدقائها وتعوض عن حرمانها من الدراسة بالالتفاف الاجتماعي. إلا أنها كانت تعاني البعد من أصدقاءها الذين كانوا يشعرونها بنقصها وإعاقتها، وبذلك وقعت تحت تأثير المحيط وأصبحت عاجزة عن تطوير ذاتها.
مواجهة الحياة
ومع تقدمها بالسنوات واجهت المجتمع وعدم تقبله لها وفق أسس تستند على الشكل الخارجي دون التعمق بالقدرات الكامنة لديها، لذا لجأت إلى الكتابة في دفتر مذكراتها رغم ضعف الكتابة لديها، حيث كانت تكتب عالمها الخاص بها وتعبر عن أحاسيسها من خلالها وبمساعدة من والدتها وأختها التي تكبرها بسنتين تمكنت من التمسك بالحياة وأصبحت أكثر قوة وثقة بنفسها.
كما لجأت إلى البرامج التلفزيونية وتعلمت قراءة القرآن الكريم سماعياً لتستطيع بذلك تقوية لغتها العربية،، كما أنها لم تنقطع عن أداء فروض الصلاة بالطريقة التي تسمح لها حالتها، فضلاً عن قضاء باقي وقتها بحياكة الصوف الذي تعلمته بحكم التزامها المنزل.
انطلاقة الثورة بداية لتغيير نمط الحياة
ومع انطلاقة الثورة في روج آفا بداية عام 2011، قررت خزنة أن تتابع تعلمها الذي حُرمت منه، ولكن هذه المرة بلغتها الأم الكردية، حيث بدأت بتعلم اللغة الكردية ضمن أول مجموعة في قريتها بداية الثورة، وتقول خزنة في ذلك “عندما بدأنا بتعلم اللغة الكرية كنا 6 متدربات. كنا نتلقى الدروس في أحد منازل القرية بشكل سري، وبعد انتهاءنا من التدريب خضعنا للامتحانات في مدرسة اللغة الكردية بمدينة قامشلو”.
وبعد اجتياز خزنة للمرحلة الأولى من اللغة الكردية بدأت بمتابعة تعلمها للغة الكردية كما بدأت بإعطاء دروس اللغة الكردية لأبناء قريتها وذلك بعد نهاية الدوام المدرسي، حيث كان عدد الطلبة في ذلك الوقت يبلغ 600 طالب وطالبة موزعين على 6 مدرسات واستمرت لمدة عامين بتدريس الطلبة اللغة الكردية للمرحلة الأولى.
وبعد إعلان الإدارة الذاتية الديمقراطية وتحويل اللغة الكردية إلى لغة رسمية في روج آفا، وبدء التدريس في المدارس الرسمية باللغة الكردية، أصبحت خزنة مدرسة لطلبة الصف الأول في مدرستها، وتخلصت من الإعاقة التي عاشت معها طيلة 31 عاماً، وفي هذا السياق تقول خزنة “في ظل الإدارة الذاتية وثورة روج آفا كل واحد منا يستطيع التعبير عن طاقاته الكامنة مهما كانت حالته الصحية، فإعاقتي لم تضع الحواجز مع الإداريين في مؤسسة اللغة الكردية وتلقيت التشجيع من قبلهم وأنا الآن سعيدة وحققت حلمي”.
ابن قرية خزنة عبد القدوس، أحمد محمد تحدث عن إرادتها القوية قائلاً “خزنة ورغم إعاقتها إلا أنها تحب المقاومة، فهي ناضلت وكافحت لتكسر حاجز الإعاقة لديها وتغير نظرة المجتمع لها، وبالإضافة إلى أنها امرأة ترفض الاستسلام وتسعى بكل جهدها لتعليم الأطفال اللغة الكردية وتنسى الصعوبات التي تواجهها أثناء توجهها إلى المدرسة لتعلم أطفال قريتها وتنمي من ثقافة المجتمع وتبني جيلاً واعياً ومثقفاً”.
وتتحرك خزنة بواسطة مقعد خاص مصنوع يدوياً، يشبه الدراجة الهوائية من حيث مبدأ الحركة، فهو عبارة عن كرسي مركب على 3 دواليب، يتم تحريكها عبر الطاقة العضلية، حيث تستخدم خزنة يديها في تحريك مسنن ينقل الحركة عبر سلسلة “جنزير” إلى مسنن مركب على الدولاب الأمامي للمقعد وبالتالي يساعد في تقدم الدراجة للأمام.
وتتوجه خزنة يومياً بدراجتها إلى المدرسة من يوم الأحد وحتى يوم الخميس وتدرس طلبة المدرسة، أما في يومي الجمعة والسبت فهي تتوجه إلى معهد فيان أمارا كي تتلقى الدروس في المعهد.
خزنة صاحبة الإرادة القوية، ناشدت جميع من يشابهونها في حالتها من ذوي الاحتياجات الخاصة من تقوية عزيمتهم وعدم الشعور بالنقص في المجتمع، وقالت مختتمة “إعاقة البدن ليست إعاقة، إنما الإعاقة الحقيقية هي الإعاقة في العقل”.
...