لا تزال حقوق النساء في مجتمعاتنا تحتاج الكثير من المجهود، وهو ما يوجد خلفه العديد من المدافعات عن حقوق المرأة، وتعد من أبرزهن الكاتبة والمفكرة دينا أنور، والتي خاضت العديد من الصراعات والمعارك من أجل حقوق المرأة، ولذلك حاورت "وكالة فرات" الكاتبة دينا أنور، عن أحوال المرأة في الشرق الأوسط وعن تجربتها في الدفاع عن حقوق المرأة، وإلى نص الحوار:
1-كيف ترين أوضاع المرأة العربية والمصرية بشكل خاص؟
المرأة في دول العالم الثالث بشكل عام ما زالت تعاني من النظام الأبوي والذكوري والعادات والتقاليد والأعراف البالية التي تريد حصر دورها في الزواج و الأمومة والإنجاب بكل ما يترتب عليهم من مسؤوليات غير مدفوعة الأجر و معاناة مجانية بدون أي ضمانات مستقبلية، و في نفس الوقت يثقلون كاهلها بالأعباء الاقتصادية و الحياتية و يطالبونها بالعمل و الكسب و الأنفاق مثل الرجل أو مع الرجل و أحياناً بدلاً من الرجل، مع الإصرار على بقاء كل القوانين والأعراف التي تميز الرجل عنها مادياً و مجتمعياً و في مجالات العمل، لذلك أرى أن وضع المرأة كارثي، لأنه حدث تقدم ظاهري و لكنه في الحقيقة عبارة عن مزيد من الأعباء و مزيد من الضغوط عليها لصالح الذكور مع عدم تمتعها بأي امتيازات إضافية، أي أن الذكور يحتفظون بنفس امتيازاتهم مع تخفيف اعبائهم و القائها على المرأة التي تقوم بأدوارها مجاناً بدون حقوق إضافية.
2- ما هي العوائق التي تحول ضد المرأة المصرية والعربية من الحصول على حقوقها؟
عدم وجود رؤية حداثية تنويرية قانونية منصفة للنساء، والتطبيع المجتمعي مع قهر النساء و ظلمهم و سلب حقوقهم، لدرجة أنني أشعر أحياناً أن كلمة دين وعادات وتقاليد لا تذكر إلا إذا تعلق الموضوع بالنساء، وكأن الجميع يراقب التطبيق على المرأة فقط والذكور خارج المعادلة، بالإضافة إلى الذكورية اللعينة التي تحميها الكثيرات من النساء و تدافع عنها ضد بنات جنسهن خوفاً من الطلاق وتشريد الأبناء أو تأخر الزواج أو عدم الزواج، في مجتمعاتنا نجحت أن تزرع في وجدان كل فتاة أن كل انجازاتها في الحياة من علم وعمل و دراسات عليا وإنجازات مجتمعية لن تصنع لها القيمة التي يصنعها الزواج، بالإضافة إلى عدم وجود مؤسسات نسائية حقيقية .. في غالبيتهم يعتمدون على المظاهر السطحية دون اهتمام حقيقي بالقضية.
3- دشنت حملة "البسي فستانك" ما هو هدف الحملة وكيف ترين تأثيرها؟
هدف الحملة كان العودة للأنوثة باعتبارها من وجهة نظري السلاح الأقوى للمرأة في مواجهة الذكورية، فالمرأة وقعت فريسة بين الرجعيين و المتشددين الذين يريدونها مجرد أداة متعة و وسيلة إنجاب و خدمة منزلية، وبين النسويين المتطرفين الذين ألقوا عليها المزيد من الأعباء و جردوها من أنوثتها وجعلوها مجرد مسخ لتخفيف أعباء الرجال تحت وهم المساواة، والفستان كان في نظري هو الرمز الغائب الذي افتقدناه جميعاً في مظهر الأنثى الذي غلب عليه السواد أو الاسترجال، وقد نجحت الحملة نجاحاً شاسعاً وأحدثت دوياً عالمياً واستجابت له العديد من النساء والفتيات من كافة الأعمار، كذلك لاقت ترحيباً كبيراً في صفوف الرجال المنفتحين المتحضرين، ولكنها أيضاً حوربت بشدة من قبل الظلاميين والمتطرفين والرجعيين.
4- كيف ترين تجربتك مع كتاب "خالعات الحجاب والنقاب" والنقد الذي تم توجيهه لك بسبب هذا الكتاب؟
كانت تجربة للتاريخ أثبتت فيها للجميع أن مجتمعات إرهابية الفكر تدّعي حرية النساء ولكن بمجرد أن تستخدم النساء حقاً واحداً طبيعياً من حقوقها لن تُقابل إلا بالتهديد والوعيد والسب والقذف ومحاولات القتل والإقصاء المجتمعي والاضطهاد الفكري والعنف الاقتصادي، وعن النقد لا يشغلني كثيراً لأنه دليل على تأثير فكرة الكتاب وفزع المجتمع الذكوري الرجعي مما سيحدث الكتاب من تغيير وإلقاء الضوء على حقائق وقصص واقعية، ولكنني دفعت ثمناً باهظاً جداً لدرجة أنني هربت من منزلي لمدة أربعة أشهر وغيرت محل إقامتي وتقدمت بالعديد من البلاغات ضد من هددوني بالقتل، بالإضافة إلى تعرضي للعنف الاقتصادي والاستيلاء على ميراثي وأموالي و محاربتي في حضانة أبنائي بحجة أفكاري الغريبة عن المجتمع، وهو المجتمع الذي لا يجد مشكلة أن تضرب المرأة أو تهان أو تخان أو تظلم، ولكنه يجد مشكلة كبيرة في أن تفكر.
5- ما هي أصعب ما واجهته خلال رحلة دفاعك عن المرأة؟
أصعب ما واجهته هو أنني دفعت أثماناً باهظة في حياتي الشخصية وخسرت كثيراً في أموري المادية ومواريثي من أبي وتعرضت للتهديد بالقتل والعنف الأسري والاقتصادي وتم هدم حياتي ومحاربتي في حقوق أبنائي وعشت حياة صاخبة جداً رغم أنني كنت فقط كاتبة قويّة أحمل قلماً ومتحدثة قويّة أحمل أفكاراً تنويرية للتغيير، لم أحمل سلاحاً أو أدعو إلى أعمال عنف، والغريب أن من يحملون السلاح ويقومون بأعمال العنف يجدون من يبرر لهم جرائمهم بل ومن يعتبرهم أبطالاً، بينما أصحاب الفكر دائماً مضطهدون.
6- كيف ترين نضال المرأة الكردية في محاربة داعش في شمال وشرق سوريا؟
نضال المرأة الكردية ضد الدواعش بشمال وشرق سوريا هو وسام فخر لكل النساء المعنفات و المقهورات على مستوى العالم، ورسالة قوية لكل نساء الأرض مفادها أن الحرية تبدأ بالإرادة و المقاومة، خاصةً أن الدواعش و أمثالهم يفعلون كل جرائمهم للسيطرة على المرأة والفوز بالمرأة والاستمتاع بها وهي مهانة ذليلة خاضعة، فلا شرف أكبر من دك عروشهم بأيدي النساء المقاتلات المحاربات اللواتي يرفضن الانصياع و الحياة كجواري و ملكات يمين لحفنة من الإرهابيين القتلة المفسدين.
7- هل ترين أن المرأة المصرية القديمة في العصر الفرعوني أفضل حالاً من المرأة حالياً؟
المرأة المصرية القديمة كانت ملكة ونساء العالم تباع و تشترى، لأن حضارتنا المصرية القديمة كانت من أعظم وأهم حضارات العالم التي قدمت النساء في صورة الآلهة المقدسة والأم البتول وحامية الملوك وسيدة الحكمة والمعرفة والطب والفن والثقافة والعدالة والجمال، وكانت تماثيل عظام الملوك بجوارها تماثيل الملكات بكامل زينتهن، وهو ما يدل على قيمة المرأة التي كانت تشارك في كل شيء، شتان ما بين وضع المرأة المصرية القديمة التي حكمت وعُبدت وتقدّست، وبين وضع المرأة حالياً التي يصر المجتمع الرجعي على اعتبارها ناقصة وتابعة للرجل.
8- رسالة توجهينها للمرأة في الشرق الأوسط ورسالة توجهيها للمرأة المصرية؟
الرسالة التي أوجهها لكل امرأة نفسك ثم نفسك ثم نفسك، لأن دراستك وعلمك وعملك ومالك الخاص أهم ما في الحياة بأسرها، قاومي وحاربي وارفضي كل ما لا يعجبك، انتزعي حقوقك لا تستجديها، لا تثق سوى في نفسك، لا تخوضي أي تجربة عاطفية أو زوجية إلا و أنت قويّة ومؤمنّة مادياً و قانونياً، تكيفي مع الوحدة لأن تكيفك معها سيحميك من الكثير من القرارات الكارثية، لا تنشغلي بأن تعجبي الرجال لأنك لن تعجبيهم حقاً إلا عندما يسقطون من قائمة أهدافك في الحياة، لا تخافين تقدم العمر لأن قيمتك في الحياة ستستمر في كل الأعمار و لا تخشى الكِبر إلا من كانت مجرد وعاء انجاب، واخيراً من يحبك حقاً سيحبك كما انتِ، لأنك لستِ في حاجة أن تغيري من نفسك لإرضاء أحد.
9- رسالة توجهيها للمجتمع الذكوري والعقلية الذكورية المتحكمة في مجتمعاتنا؟
الرسالة التي أوجهها للمجتمع الذكوري أن صياحكم طرب، علو موجة الهجوم على النسوية و النسويات يؤكد نجاحهن في تغيير وعي النساء و رفع استحقاقهن ورفضهن لتحمل المشقة والأعباء مثل الماضي، والنساء لم تعد تخشى الوحدة أو تأخر الزواج مثل الماضي لأنهن يرفضن الزواج ممن لا يستحق بكامل إرادتهن، والنساء لم تعد تترك الدراسة أو العمل من أجل الزواج لأنهن تعلمن من تجارب السابقات أن النساء بدون مال وعمل مجرد جواري، والنساء هنّ اللواتي يطلبن الطلاق والخلع ويتركن الحياة الزوجية التي لا تسعدهم و لم يعدن يتحملن القهر خوفاً من الطلاق، ولذلك مهما استمر الذكوريين في الهجوم ومهما صاحوا وصرخوا من جحيم الرفض و ندرة النساء ستظل النساء تتقدم و تتطور و تبحث عن الأفضل، وحينها لن يسع الذكوريين سوى أن يتطوروا بالإجبار، وإلا فجحيم التيستوستيرون و لعنة الرفض ستطاردهم مدى الحياة، فالحياة لا قيمة لها بدون بهجة النساء، ولا يمكن أن يتحقق الرخاء والسعادة والاستقرار في مجتمع نساؤه لسن سعيدات، والمقياس الوحيد لتقدم البلدان ورقي الشعوب وتحضر الأمم هو وضع النساء.