بعد عامين من انطلاقها.. ماذا حققت ثورة "المرأة، الحياة، الحرية"
لم تعد ثورة "المرأة، الحياة، الحرية" مجرد احتجاجات ضد النظام الإيراني، ولكن تلك الثورة التي بدأت كثورة نسائية، تحولت مع مرور الوقت إلى ثورة اجتماعية، ثم أيقونة عالمية لنضال النساء.
لم تعد ثورة "المرأة، الحياة، الحرية" مجرد احتجاجات ضد النظام الإيراني، ولكن تلك الثورة التي بدأت كثورة نسائية، تحولت مع مرور الوقت إلى ثورة اجتماعية، ثم أيقونة عالمية لنضال النساء.
يحتفل العالم بالذكرى الثانية لثورة "المرأة، الحياة، الحرية"، وسط زخم دولي وإقليمي، وهي الثورة التي اندلعت بعد وفاة الشابة الكردية جينا أميني على يد شرطة الأخلاق الإيرانية، مما يثير التساؤلات حول نتائج تلك الثورة بعد عامين من اندلاعها.
وكانت أبرز المشاركات الدولية البيان المشترك لوزراء خارجية كل من الولايات المتحدة الأمريكية وأستراليا وكندا ونيوزيلندا والمملكة المتحدة حول الذكرى الثانية.
كما وجهت نرجس محمدي المعتقلة الحائزة على جائزة نوبل من قبل السلطات الإيرانية، رسالة دعت فيها إلى خوض النضال في جميع أنحاء العالم، واضربت 25 معتقلة في سجن إيفين عن الطعام و خلعن حجابهن إحياءً للذكرى.
ثورة "المرأة، الحياة، الحرية"
وفي سوريا دعت وحدات حماية المرأة الجميع إلى الالتفاف حول فلسفة "المرأة، الحياة، الحرية" بالإضافة لمنظماتٌ وتنسيقياتٌ نسائيةٌ في شمال وشرق سوريا، استذكرت الذكرى الثانيةَ لمقتل جينا أميني، مُنددةً بسياسات السلطات الإيرانية، كما احتفت عدد من المنظمات الكردية بالذكرى مثل المؤتمر الوطني الكردستاني وتنسيقية كردستان وتحالف ندى.
وفي هذا الصدد، يقول موسى أفشار عضو لجنة الشؤون الخارجية في مجلس النواب الوطني للمقاومة الإيرانية في تصريح خاص لوكالة فرات(ANF)، إن ثورة المرأة في إيران تعتبر واحدة من أبرز الحركات الاجتماعية التي شهدتها البلاد في السنوات الأخيرة، حيث بدأت هذه الثورة في خريف عام 2022، بعد اغتيال الشابة جينا أميني، التي أثارت وفاتها احتجاجات واسعة النطاق ضد نظام الملالي، على الرغم من مرور عامين على هذه الأحداث، لا تزال آثار الثورة متواصلة.
وأضاف، أنه في عام 2022، برزت النساء في إيران كقوة رائدة في وحدات الانتفاضة، حيث لعبن دوراً محورياً في قيادة التظاهرات ضد النظام. عقب وفاة مهسا أميني، وخرجت النساء إلى الشوارع بشكل ملحوظ، متحديات القمع والتمييز الذي يفرضه النظام.
وأشار إفشار، إلى أن دور النساء في مراكز الانتفاضة في إيران كان بارزاً وتأثيره عميقاً، منذ بداية الاحتجاجات، كانت النساء في الصفوف الأمامية، حيث أظهرن شجاعة وإرادة قوية ليصبحن رموزاً للمقاومة، لم يقتصر دورهن على المشاركة الفعالة في تنظيم المظاهرات، بل استخدمن وسائل التواصل الاجتماعي لنقل أصواتهن إلى العالم، موثقات انتهاكات النظام، واستطاعت النساء الإيرانيات، من خلال إبداعهن وابتكارهن، خلق مساحات جديدة للتعبير عن مطالبهن، مما جعل الحركة النسائية محورية في النضال ضد الظلم والتمييز، وهذه الجهود لم تسهم فقط في تحدي النظام الحاكم، بل ألهمت أيضاً الآخرين، مما حول حركة النساء في إيران إلى حركة اجتماعية قوية ومستدامة.
ولم يغفل إفشار دور المقاومة المنظمة، المتمثلة في مجاهدي خلق والمجلس الوطني للمقاومة الإيرانية، التي لعبت دوراً حيوياً في دعم حقوق المرأة وتعزيز مكانتها في المجتمع الإيراني، حيث كان "مجاهدي خلق" من أول المنظمات التي دعت إلى لحقوق المرأة في إيران ووضعت قضايا النساء في صميم أجندتها، ومنذ تأسيسها، كانت المنظمة تسعى لتحقيق المساواة بين الجنسين وتحرير النساء من قيود النظام، مشيراً إلى أن مريم رجوي، الرئيسة المنتخبة للمجلس الوطني للمقاومة، كانت دائماً صوتاً للنساء الإيرانيات، ودعت إلى ضرورة مشاركتهن الفعالة في جميع جوانب الحياة السياسية والاجتماعية، وتحت قيادتها، تم تطوير خطط واضحة لتحسين حقوق المرأة، مثل "خطة حريات وحقوق النساء في إيران الغد الحرة".
بينما تقول آفين جمعة الحقوقية الكردية والإدارية لمنظمة حقوق الانسان لإقليم الجزيرة السوري في تصريح خاص لوكالة فرات للأنباء (ANF)، إن جينا أميني اصبحت نموذج يحتذى به لرفض تشيئ المرأة وتغليف جسدها وعقلها بسواد الأفكار المتطرفة التي لا ترى في المرأة سوى جسد يجب تغليفه و فصله عن حقيقة المرأة و وجودها و استغلال الدين لفرض هذه الافكار و الهاء المرأة عن قدراتها ودورها الحقيقي في بناء وإدارة المجتمع وتوجهاته.
دور المرأة في مراكز الانتفاضة
شهدت ثورة المرأة الحياة الحرية تحول كبير في دور المرأة في إيران حتى تحولت لصوت احتجاجي يمثل النساء مقهورات في العالم، حيث تكررت مأساة جينا أميني مع كل من حديث نجفي ونيجين عبد المالكي ونيكا شكرمي، وخلعت بعض البطلات الرياضيات حجابهن عقب وفاة أميني مثل بطلة التسلق إلناز ركابي وبطلة الشطرنج سارة الخادم التي حصلت على الجنسية الإسبانية عقب مخاوف عودتها إلى طهران، وفنانات مثل المخرجة موجان إيلانو.
ويستعرض أفشار دور المرأة في الثورة، مبيناً أنه لطالما كانت المرأة الإيرانية في صميم النضال من أجل حقوقها، حيث واجهت منذ عقود من الزمن تمييزاً قانونياً واجتماعياً. بعد الثورة ضد نظام الملكي عام 1979، تفاقمت الأوضاع بالنسبة للنساء، حيث تم فرض قوانين قمعية مثل الحجاب الإجباري والتميز في مجالات التعليم والعمل. ومع ذلك، لم تتوقف المرأة عن الكفاح من أجل حقوقها، مما ساهم في تشكيل حركة نسائية قوية.
وأوضح السياسي الإيراني، أن المرأة تعتبر من العناصر الأساسية في مراكز الانتفاضة الإيرانية، حيث لعبت دوراً محورياً في تنظيم وقيادة الاحتجاجات. لقد أظهرت النساء الإيرانية شجاعة استثنائية في مواجهة القمع، وبرزت كرموز للنضال من أجل الحرية والمساواة، مبيناً أن أحد أبرز نتائج ثورة المرأة هو زيادة الوعي العالمي حول قضايا حقوق المرأة في إيران، حيث أصبحت صور النساء الإيرانيات اللاتي يشاركن في الاحتجاجات رموزاً للنضال من أجل الحرية، وتم تسليط الضوء على قضاياها في وسائل الإعلام العالمية، مما أدى إلى تضامن دولي مع الحركة.
وبيّن أفشار، أنه أصبحت وسائل التواصل الاجتماعي أداة قوية في يد النساء، حيث استخدمتها لتوثيق الانتهاكات، ونشر صور ومقاطع فيديو للاحتجاجات. هذا ساهم في نقل صوتهن إلى الساحة الدولية وجذب انتباه وسائل الإعلام، حيث شهدت السنوات الأخيرة زيادة ملحوظة في النشاط النسائي. النساء الإيرانيات شاركن في تنظيم احتجاجات، وعقد مؤتمرات، وكتابة مقالات تهدف إلى توعية المجتمع الدولي بحياتهن اليومية، وهذه الأنشطة لم تقتصر على الداخل الإيراني فقط، بل شملت أيضاً الإيرانيات في المهجر، مما ساعد على بناء شبكة دعم عالمية.
بينما أشارت آفين جمعة، إلى أن ثورة المرأة الحياة الحرية هي نتيجة نضال وثورة المرأة على الفكر المتسلط بحق المرأة ونظام تسليع المرأة وكبت قدراتها في إحداث تغيير في المجتمع وقيادته نحو السلام والتطور والحرية، ثورة المرأة ليست مجرد شعار بل هي حركة نسوية أصبحت عالمية تعتبر حماية حقوق المرأة ومساعدتها على إثبات وجودها وتفعيل دورها ورفض عملية تسليعها أساس بناء شخصية المرأة والوقوف إلى جانب المرأة ودعم ارادتها بحياة حرة مستقلة.
وأضافت، أن المبادئ السابقة كانت هي الأساس الذي دفع النساء حول العالم للالتفاف حول هذه الحركة الثورية التي تعتمد على تكاتف النساء والتعاون لدعم المرأة أيا كان جنسها او لونها او عرقها او ديانتها وبعيداً عن أي شكل من اشكال التمييز.
تأثير الانتفاضة على المرأة
ذكر تقرير لخبراء الأمم المتحدة أن إيران جهودها الرامية لقمع الحقوق الأساسية للنساء والفتيات، وسحق ما تبقَّى من مبادرات النشاط النسائي، عبر "خطة نور"، التي تشجع على انتهاك حقوق النساء والفتيات اللاتي بخرقن قواعد وضع الحجاب بما في ذلك الضرب والركل وصفع النساء والفتيات الغير ملتزمات بالقواعد، ومراقبة الامتثال بقواعد وضع الحجاب، بما في ذلك في الأماكن الخاصة، مثل المركبات، وبواسطة مجموعة من الوسائل؛ بما فيها المسيرات.
ولا يقتصر الأمر على ذلك، حيث يتم إعداد مشروع قانون "الحجاب والعفة" الجديد، على تشديد العقوبات على النساء اللاتي لا يرتدين الحجاب، بما في ذلك عبر فرض غرامات كبيرة، وإصدار أحكام بالسجن لفترات طويلة، وحظر السفر.
بينما أوردت منظمة العفو الدولية، أنه شمل هذا التصعيد استخدام عقوبة الإعدام ضد النساء استناداً إلى تهم نابعة من دوافع سياسية، مثل المدافعة عن حقوق الإنسان شريفة محمدي وناشطة المجتمع المدني الكردية بخشان عزيزي بـتهمة “التمرد المسلح ضد الدولة”، وحكمت عليهما محاكم الثورة بالإعدام.
ولكن على الجانب الآخر عبر وسائل التواصل الاجتماعي، وثقت مقاطع فيديو لأشخاص يصورون شوارع الأحياء النساء والفتيات يسيرن بشعرهن الطويل فوق أكتافهن، وكانت أهم وعود الحملة الانتخابية للرئيس الإصلاحي مسعود بزشكيان هي وقف مضايقات النساء من جانب شرطة الأخلاق.
كما أصدر المدعي العام الإيراني محمد موحدي آزاد، تحذير إلى قوات الأمن من البدء في مواجهات جسدية بسبب الحجاب، بل أوردت صحيفة "هام ميهان" الإصلاحية استطلاع أجرته وزارة الثقافة والإرشاد الإسلامي الإيرانية وجد أن الحجاب أصبح أحد أهم القضايا في إيران.
حول تلك النقطة يقول إفشار، إن النساء عبر مشاركتهن الفعالة، ساهمت النساء في تعزيز الهوية النسائية في الحركة الاحتجاجية، مما جعل قضايا حقوق المرأة جزءاً لا يتجزأ من النقاشات العامة، لقد أظهرن أن النضال من أجل حقوق الإنسان لا يمكن أن يكتمل دون تحقيق المساواة بين الجنسين.
ويرى السياسي الإيراني، أن النضال المتواصل أدى إلى تغيير في الخطاب الاجتماعي حول حقوق المرأة، بدأت المجتمعات الإيرانية تتحدث بشكل أكثر صراحة عن قضايا مثل العنف ضد المرأة، والتمييز، وحقوق الإنجاب. هذا النوع من النقاش يُعتبر خطوة مهمة نحو تحقيق تغييرات ملموسة.
وتطرق "إفشار" إلى التحديات التي تواجه المرأة، مبيناً أنه رغم أن الثورة أثارت نقاشاً حول حقوق المرأة، إلا أن قوانين نظام ولایة الفقیه في إيران لا يزال يتسم بالتمييز، مثل القوانين المتعلقة بالزواج، والطلاق، والميراث لا تزال تميز ضد النساء، على سبيل المثال، لا يمكن للنساء الحصول على الطلاق بنفس السهولة التي يحصل عليها الرجال، كما أن حقوق الميراث لا تُعطى للنساء بشكل متساو، كما لا يزال العنف ضد المرأة مشكلة كبيرة في إيران، وفقاً للتقارير، هناك زيادة في حالات العنف الأسري والاعتداءات الجنسية. ومع ذلك، فقد بدأت بعض منظمات حقوق الإنسان في توثيق هذه الحالات ورفع الوعي حولها، وهو ما يُعتبر خطوة إيجابية.
وأردف، أنه على الرغم من التحديات، فإن النساء الإيرانيات يواصلون السعي للحصول على تعليم أفضل والمشاركة في سوق العمل. هناك زيادة في عدد النساء اللاتي يتخرجن من الجامعات، وهو ما يدل على رغبة النساء في تحسين أوضاعهن، ومع ذلك، لا يزال الوصول إلى فرص العمل العادلة يمثل تحدياً كبيراً.
من جينا أميني إلى العالمية
تحولت ثورة المرأة الحياة الحرية إلى العالمية، وذلك عبر العديد من الوسائل والتي كان منها قص الشعر للتضامن مع الثورة، حيث قصت النائبة السويدية في البرلمان الأوروبي عبير السهلاني، شعرها خلال كلمة أمام مجلس الاتحاد الأوروبي، وهو ما فعلته وزيرة الخارجية البلجيكية حجة لحبيب أمام البرلمان البلجيكي، وتبعتهن سياسيات مثل النائبة البلجيكية ذات الأصول الكردية داريا صفاي، والنائبة البلجيكية جويديل ليكنز.
كما قامت العديد من الممثلات والمغنيات الفرنسيات من بينهن أيقونات السينما الفرنسية، جولييت بينوش، وإيزابيل هوبرت وماريون كوتيار وإيزابيل أدجاني، بقص خصلات من شعرهن تعبيرا عن تضامنهن مع التحركات الاحتجاجية للنساء الإيرانيات، ومن خارج فرنسا البلجيكية أنجيل والبريطانيتان الناطقتان بالفرنسية شارلوت رامبلينغ وجاين بيركين.
كما أوردت لجنة المرأة في المؤتمر الوطني الكردستاني في بيانها عن الذكرى السنوية الثانية لثورة "المرأة، الحياة، الحرية" أنه التفت واجتمعت نساء العالم حول شعار "المرأة، الحياة، الحرية" الذي أصبح نهراً عالمياً ووضع بصمته على صفحات التاريخ، مشيرة إلى أنه تناضل وتقاوم النساء اليوم في كافة أنحاء العالم ضد سياسات القمع، والاضطهاد وعدم المساواة، وترفع النساء أصواتهن في سياق حقيقة فلسفة "المرأة، الحياة، الحرية".
وترى آفين جمعة، أن هذه الثورة أصبحت اعصار يلتف حوله جميع النساء الأحرار في العالم لنبذ العبودية والاستغلال وتهميش دور المرأة ودعم أي حركة تحررية أو أي حدث يقف بوجه ظلم المرأة والانتهاكات بحقها لوضع حد لمحاولات القوى المتسلطة لكسر المرأة واستمرار المجتمع بفرض دور الخنوع والاستسلام على المرأة واحاطتها بأغلفة مزيفة بعيدة كل البعد عن حقيقتها تستروا وراء ظلال أو بأدوار لا تمثل واقعها ولا قدراتها وتستغلها اسوأ استغلال سواء لمحو دورها أو الحصول على أفضل النتائج والانتاج وبأبخس الأجور والأثمان.
وشددت الحقوقية الكردية في ختام تصريحاتها لوكالة فرات للأنباء، أن انطلاقة ثورة المرأة الحياة الحرية لاقت صداها في العالم أجمع وأصبح أيقونة لحرية المرأة، حيث تلتفت حولها النساء حول العالم كشعلة تنير وتجمع جهودهم التواقة لإثبات الذات والوجود.
ويشير "إفشار" إلى أن واحدة من نتائج الانتفاضة كانت تعزيز الوحدة بين النساء. حيث بدأت النساء من مختلف الفئات الاجتماعية والثقافية في التعاون معاً لتحقيق أهداف مشتركة، مما أدى إلى تشكيل حركة نسائية متكاملة وقوية، مبيناً أنه رد نظام الملالي على الاحتجاجات كان قاسياً، حيث استخدم القوة المفرطة لقمع المتظاهرين، ولكن في الوقت نفسه، بدأت بعض الأصوات داخل النظام تتحدث عن ضرورة الإصلاحات الاجتماعية، مما يدل على تأثير الضغط الخارجي والداخلي.
وأكد القيادي في المقاومة الإيرانية، ان ثورة المرأة في إيران كانت لها تأثيرات عميقة على المجتمع الإيراني وعلى حقوق المرأة بشكل خاص. بينما حققت الثورة بعض التقدم في زيادة الوعي وتعزيز النشاط النسائي، إلا أن الطريق لا يزال طويلاً، مبيناً أن الأمر يتطلب استمرار النضال والتضامن بين النساء، وأيضاً دعم المجتمع الدولي، لتحقيق حقوق حقيقية وملموسة للمرأة في إيران، إن النساء الإيرانيات مستمرات في الكفاح، وهن رمز الأمل والتغيير في مواجهة الظلم.