مظاهرات في السودان دعماً للمعتقلين .. وللمرّة الثانية البشير يلوم "القوانين"

تجددت الاحتجاجات السودانية بعد أن شارك مئات من السودانيين، اليوم الخميس، في مسيرات في وسط الخرطوم دعماً للمتظاهرين المعتقلين، في الوقت الذي كرر فيه الرئيس السوداني إلقاء اللوم على القوانين والأنظمة الداخلية.

تجددت الاحتجاجات في السودان غداة تصديق الرئيس السوداني عمر حسن البشير على قانون النظام العام المثير للجدل، وجاءت المظاهرات التي شهدت الخرطوم اليوم الخميس، للتعبير عن التضامن مع مئات من المتظاهرين المعتقلين منذ اندلاع التظاهرات في كانون الأول/ديسمبر الماضي، على الرغم من قرار جهاز الأمن والمخابرات الوطني السوداني بإطلاق سراح جميع الموقوفين على خلفية الاحتجاجات.

وتمكن المتظاهرون السودانيون من الدخول إلى وسط المدينة، بعد نحو أسبوعين من المنع والتضييق الأمني الذي منعهم من الوصول إلى قلب العاصمة السودانية الخرطوم، وردد المتظاهرون شعارات "حرية سلام عدالة"، و"رص العساكر رص الليلة تسقط بس"، و"سلمية سلمية ضد الحرامية". بحسب شهود عيان، وواجهت قوات مكافحة الشغب المتظاهرين بإلقاء الغاز المسيل للدموع واعتقال أعداد من المشاركين في المظاهرات.

وبعد أيام من اتهامه للمصارف والبنوك والنظام المالي والمصرفي في بلاده بالتسبب في الأزمة الراهنة مع المعارضة والشعب الذي خرج ضده، عاد الرئيس عمر البشير، لإلقاء اللوم على قانون النظام العام والوضع الاقتصادي المتدهور في البلاد باعتبارهما السبب في إثارة غضب الشباب والفتيات الذين خرجوا في تظاهرات تطالب بتنحيه عن السلطة. ويستهدف القانون بالدّرجة الأولى النساء المتهمون بـ"ارتداء ملابس غير لائقة وبسلوك غير أخلاقي".

وأصدر الرئيس السوداني قرارا بإطلاق سراح جميع الصحفيين الذين اعتُقلوا خلال الحملة الأمنية الأخيرة المرتبطة بالاحتجاجات.

وفي أواخر كانون الثاني/يناير، أعلن مدير جهاز الأمن والمخابرات السوداني الفريق أول صلاح قوش قرار إطلاق سراح جميع المعتقلين خلال المظاهرات التي طالبت بتنحي البشير عن السلطة التي يمسك بزمامها منذ 1989، وذلك بعد اسابيع من الاحتجاجات التي بدأت نتيجة لأزمة الخبز وارتفاع الاسعار.

وتبدو مواقف دول الجوار والمواقف الإقليمية والدولية مع دعم اجراءات النظام السوداني لاستعادة الاستقرار في البلاد، وسيما مع دخول النظام السوداني في خطوات دعم السلام في أفريقيا واتجاهه لتطبيع العلاقات مع واشنطن والدول الغربية، بعد تقدم كبير في مباحثات تجري بين الخرطوم وواشنطن بهدف رفع اسم السودان من قائمة الدول الراعية للإرهاب.

لماذا لا تدعم القاهرة مطالب التغيير في السودان؟

تحسنت العلاقات المصرية السودانية خلال الشهور الأخيرة بصورة كبيرة بعد اتفاق البلدين على تسوية الملفات الخلافية واتفاقهما على النظر للأمن والمصالح السياسية للبلدين كوحدة واحدة، بما يعني كف كلا الطرفين عن دعم أي نشاط يساند المعارضة لدى الطرف الآخر، وخلال الاحتجاجات عقدت اجتماع محدد سلفا، استضافته الخرطوم وشارك فيه وزيري الخارجية ورئيسي جهاز الأمن بالبلدين، وزار البشير مصر خلال الاحتجاجات الشهر الماضي، وأمس أعلنت وزارة الصناعة والتجارة في السودان تطبيق قرار رفع الحظر عن السلع والمنتجات المصرية رسميا، وكانت وزارة التجارة السودانية أوقفت في أيلول/ سبتمبر من العام 2016 استيراد الخضر والفاكهة والأسماك من مصر.

وفسر الكاتب الروسي يفغيني ساتانوفسكي، في مقال "كوريير" موقف مصر الداعم لاستقرار النظام الحالي في السودان بوجود ما وصفه بـ"صفقة" بين الخرطوم والقاهرة، واضاف: "في أواخر يناير، زار الرئيس السوداني القاهرة، علما بأن مصر تتمتع تقليديا بمواقع قوية لدى المعارضة السودانية.. وقد جاء البشير إلى مصر لضمان حيادية القاهرة تجاه عدد من الجماعات، وخاصة أتباع الصادق المهدي الذي عاش طويلا كمهاجر في مصر... القاهرة، على الرغم من علاقاتها المعقدة مع الخرطوم، لن تقوم بدعم المعارضة، لأن المصريين على بينة من احتمالات الفوضى السياسية في السودان بعد الإطاحة بالنظام." وتابع الكاتب: "موقف جمهورية مصر العربية وشريكها الرئيس في المنطقة، أي الإمارات العربية المتحدة، فيما يتعلق بالسودان واحد: الحفاظ على الوضع وترشح البشير لفترة رئاسية جديدة، رغم أنهما يحثانه على تقاسم الصلاحيات مع المعارضة المنظمة"، حسبما ذكرت قناة "روسيا اليوم" الاخبارية.

وقال الباحث في الأمن الإقليمي والمتخصص في الشؤون الأفريقية أحمد أبوزيد لوكالة فرات للأنباء ANF، أن مصر وقعت بالفعل على وثيقة للتعاون الاستراتيجي والشراكة مع السودان منذ خريف 2016، وقامت الدولتان بترقية اللجان العليا المشتركة بينهما إلى المستوى الرئاسي، وعليه اصبح هناك تكثيف للتعاون السياسي والأمني، والذي تعكسه دورية اجتماعات 2+2 أي اجتماعات وزيري الخارجية ومديري جهاز المخابرات في البلدين وكان آخرهما اجتماع وأكد الجانب المصري في البيان المشترك الصادر عن الاجتماع في كانون الأول/ ديسمبر الماضي، دعمه الكامل لأمن واستقرار السودان الشقيق، والذى يعد جزءا لا يتجزأ من الأمن القومي المصري، وأكد أبوزيد أن سياسة مصر تقوم على دعم تماسك الدول الوطنية، مؤكدا ان مصر لم تبدي موقفا منحازا للنظام، ولكنها في نفس الوقت لم تتدخل في الشأن الداخلي السوداني بإبداء موقف تجاه التحرك الشعبي، مؤكدا ان مصر تعمل على مساعدة السودان على تلبية تطلعات شعبه من منطلق المصالح المشتركة وتأثر مصر بصورة مباشرة بتدهور الاوضاع في السودان او انتشار الفوضى او احتمالات الاقتتال الداخلي.

ومن جانبها، اعتبرت الكاتبة المصرية اسماء الحسيني المتخصصة في الشؤون السودانية ان الانتفاضة السودانية التي تكمل شهرها الثاني مستمرة وهناك تصميم كبير عليها من قبل كل المجتمع السوداني وانضم لها ليس فقط القوى السياسية المعارضة والاحزاب فقط، ولكن قطاع كبير ايضا من الاسلاميين والمواطنين العاديين وربات البيوت وغيرهم، وأشارت إلى أن انضمام الاسلاميين له دلالة خاصة ضد النظام ذو الطابع الاسلامي.

وقالت الحسيني لوكالة فرات للأنباء ANF أن الصمت الاقليمي والدولي تجاه الاحتجاجات يرجع إلى أن هناك مخاوف من التغيير عبر الشعوب نظرا لتجارب الثورات التي مرت بالمنطقة، والخوف من عدم وجود بديل وسقوط السودان ايضا في الفوضى، ولكن الوضع الحالي استمراره مضر بالمنطقة والنظام الدولي، وخاصة ان الشعب السوداني بات ينظر لنظام البشير كمرحلة منتهية.