"سهواج" .. إحدى قرى مركز أشمون بالمنوفية - إحدى محافظات مصر شمال العاصمة القاهرة- لن تسمع عنها إلا في الأماكن الراقية بأرض المحروسة أو في القرى السياحية بمدن شرم الشيخ والغردقة وطابا ودهب وخلافه، حيث تزرع أهم وأرقى سلعة من الممكن أن يستخدمها أصحاب الذوق الراقي وهي "الوورد".. ورغم كونها صغيرة الحجم إلا أنها ليس من بينها مسئول أو نائب يحصل على خدمات ومرافق لمواطنيها تعينهم على متاعب الحياة، ما أثار حالة من الاستياء الشديد يعانيها الاهالي جراء الإهمال الذى تعيشه القرية.
إذا قدر لك وزرت القرية تجد مشاتل الورود على مساحة 8 أفدنة على ضفاف نهر النيل المطلة عليه القرية، متناثرة على جانبي طريق "القناطر الخيرية – ساقية أبو شعرة" والتي يقصدها مسئولي المنتجعات السياحية والفنادق بالقاهرة وشرم الشيخ والغردقة لجودتها العالية وأسعارها المنخفضة، فضلا عن قاعات الزفاف ورجال الأعمال، بالإضافة إلى التصدير للدول الأوروبية والعربية مثل ليبيا والكويت.
رغم ذلك إلا أن الدولة ممثلة في وزارة المالية، قضت على أحلام عشرين ألف شاب وفتاة يعملون في ذلك المشروع العملاق، وذلك عبر رفع قيمة الضرائب العقارية من جنيه إلى 10 جنيه في المتر الواحد مما يكلف الشباب فوق طاقتهم واضطرهم إلى إغلاق مشاتلهم ووأد أحلامهم البسيطة، وتحولوا إلى مهن أخرى بعدما أنفقوا مبالغ طائلة حتى تنجح الفكرة..
فضلا عن مشاكل أخرى حرصت وكالة "فرات نيوز" على رصدها من أرض الواقع في القرية التي أخبرنا الأهالي أن سبب تسميتها جاء لأن أول من سكن فيها كان مواطن من محافظة سوهاج هاجر إلى تلك المنطقة الخالية من البشر، وأطلق عليها إسم مسقط رأسه "سوهاج" ومع الوقت تم تحريف الإسم إلى سهواج.
في البداية أكد أحمد نصر "من شباب القرية"، أنه قام باستئجار قطعة أرض "منافع" في حرم نهر النيل، من واضع اليد عليها بقرار من هيئة المساحة التابعة لوزارة الري، وأنفق عليها قرابة 20 ألف جنيه، وكان كل أمله أن يؤسس مشروعًا صغيرًا يعود عليه بالنفع ويكفيه شر السؤال أو البحث عن وظيفة، إلا أنه تعرض لصدمة عندما صدر قرار مصلحة الضرائب العقارية بوزارة المالية برفع القيمة الضريبية التي تحصَل سنويًا من جنيه واحد إلى 10 جنيه عن المتر الواحد في المشاتل، وهو ما دمر أحلامه خصوصًا وأنه لا يتحصل من تلك المهنة على الكثير، حيث ينفق أموال في شراء أواني الزرع وشتلات الورود فضلا عن العمالة وأدوات الري والأسمدة والمتابعة من المهندس الزراعي، بخلاف تكلفة النقل والتسويق.
وأضاف أنه في النهاية لم يجد ما يسد به متطلبات منزله وأولاده، لذا فقد قرر إغلاق المشتل وترك تلك المهنة، مطالبًا الرئيس عبد الفتاح السيسي بضرورة الالتفات إلى أمال وأحلام شباب بسطاء معظمهم من حملة المؤهلات العليا، قرروا اللجوء إلى مهنة شريفة تدعم الاقتصاد المصري وتعينهم على أعباء الحياة، مشيرًا إلى أن ذلك أمر من شأنه أن يدخل الإحباط في نفوسهم ويدفعهم للاتجاه إلى الانحراف.
وأشار عبد العزيز الفقي "موجه لغة عربية"، إلى أن قرية سهواج تحمل هموم ومشاكل لا تتناسب مع كونها تحوي عدد كبير من حفظة القرآن الكريم وخريجي الجامعات والمعاهد الأزهرية، حيث أن بها 8 كتاتيب لتحفيظ القرآن الكريم، ونسبة المتعلمين فيها مرتفعة ، ورغم ذلك تعاني من عدم وجود مشروع للصرف الصحي، حيث تسبب ارتفاع منسوب المياه الجوفية في تشقق وتهدم الكثير من المنازل في حين أنهم لا يقدرون على تحمل نفقات ترميمها أو إزالتها ثم بنائها مرة أخرى.
وأضاف أن الدخول الضعيفة لأهالي القرية من زراعة الزهور لا تتناسب مع ذلك، بسبب ضعف الطلب على الورد وانعدام التسويق مع انخفاض مؤشرات الحركة السياحية في مصر، لافتًا إلى أن الشباب العاملين في زراعة الزهور اضطروا للذهاب إلى القاهرة والعمل في شركات النظافة ووظائف متدنية رغم أنهم من حملة المؤهلات العليا.
وأشار إلى أن شباب القرية عرضة للانحراف والانجراف وراء الأفكار الهدامة والمتطرفة، وأنهم يحتاجون إلى توعية دينية، وتواصل بين الأئمة والشباب بشكل مباشر، خصوصًا وأن الخطباء على المنابر في صلاة الجمعة يلتزمون بالخطبة المكتوبة وتجديد الخطاب الديني بالنسبة لهم مقتصر على ارتداء "العمة والقفطان" فقط.
وطالب محمد شاهين "صاحب مشتل زهور" بضرورة الانتهاء من مشروع الصرف الصحي، الذي بدأ منذ فترة ثم توقف بدون أسباب، مشيرًا إلى أن المشروع يشوبه شبهات مريبة، خصوصًا وأن المقاول المسئول عن تنفيذ المشروع يتحجج بعدم وجود مخصصات مالية لإنهاء المشروع ويقوم بحفر جزء بسيط من شوارع القرية كل فترة كبيرة.
وأشار إلى أن القرية محرومة من وجود وحدة صحية تخدم الأهالي البسطاء، مؤكدًا أن أقرب وحدة محلية في قرية قورص على بعد 7 كلم، وتخدم قرابة 5 قرى مما يقلل من حظوظ أبناء القرية في الحصول على التطعيمات الدورية ضد الأمراض الوبائية، مما يحملهم أعباء أخرى خصوصًا وأن الأهالي يضطرون إلى الذهاب إلى هناك من خلال 3 مواصلات على الأقل .
وقال محمد عبد الفتاح "صاحب مشتل زهور" إن أهالي القرية لا يملكون الحق في الحصول على كوب ماء نظيف للشرب، مؤكدًا أن اللون الأسود هو اللون السائد على مياه الشرب القادمة من محطة مياه في إحدى القرى المجاورة.
وأضاف أن الطريق الواصل بين جسر النيل والمقابر على مسافة 200 متر فقط لأنه طريق ترابي، وفي فصل الشتاء لا يستطيعون دفن موتاهم حيث لا تستطيع السيارات الدخول إلى المقابر وسط الوحل.
ولفت إلى أن القرية محرومة من خدمات الدفاع المدني، حيث أن المنازل تتعرض للحريق في فصل الشتاء بسبب أعواد الذرة الجافة على أسطح المنازل التي تكون قابلة للاشتعال، في حين أن وحدة الدفاع المدني موجودة على قرابة 7 كلم في قرية ساقية أبو شعرة، مضيفًا أن كبار السن من الأهالي لا يستطيعون صرف المعاشات الخاصة بهم بسبب بعد مكتب البريد عن القرية.
وأضاف زينهم كمال أنه لا يوجد رقابة على منافذ السلع التموينية في القرية، مشيرًا إلى أن القرية لا يوجد بها نقطة شرطة أو أحد يمر من مديرية التموين على أصحاب المحلات التي توزع السلع التموينية، مما جعل التجار يرفعون سعر زجاجة الزيت "كيلو إلا ربع" إلى 20 جنيه، وسعر كيلو السكر وصل إلى 20 جنيه أيضًا بعدما يتظاهر البقال بأنه ليس لديه سكر، مطالبًا بضرورة تفعيل الرقابة على أهم شئ يمس حياة المواطن في وصول الدعم الحكومي إليه.
وقال إن رغيف الخبز الآدمي محرم على أهالي القرية، مشيرًا إلى أن القرية موجود بها مخبزين ينتجان خبز لا يصلح إلا للمواشي، في حين أن أقرب مخبز على بعد 6 كلم في قرية سنتريس، مؤكدًا انه لا يوجد رقابة من إدارة التموين على المخابز .
وأكد صابر غنيم أن القرية محرومة من وجود مدرسة في المرحلة الإعدادية، مما يضطر الأهالي للسير بأبنائهم مسافة 4 كلم للذهاب إلى المدرسة الإعدادية في قرية النعناعية وهو ما يكلفهم فوق طاقتهم، فضلا عن أن المدارس المجاورة ترفض قبول أوراق أبنائهم، مضيفًا أنهم تبرعوا بقطعة أرض مساحتها 15 قيراط بالجهود الذاتية لإنشاء مدرسة إعدادي ووحدة صحية ومكتب بريد وباقي الخدمات التي تحتاجها القرية ولكن لا حياة لمن تنادي!!.
وأضاف حسن علي حسن "طالب بالإعدادية"، أن شباب القرية محرومون من ممارسة الرياضة بسبب وجود مركز شباب أو ملعب كرة القدم، خصوصًا وأن أقرب مركز شباب في قرية النعناعية ، مشيرًا إلى أن الشباب يضطرون إلى استئجار الملاعب الخاصة بالنجيل الصناعي مقابل 100 جنيه في الساعة الواحدة مما يرهقهم ماديًا.