واعتبر مبعوث الرئيس الأمريكي السابق لدى التحالف الدولي, بريت ماكغورك أنّ طلب الرئيس دونالد ترامب وضع خطّة للانسحاب من سوريا "حماقة" في ظلّ عدم وجود "تقييمات دقيقة للمخاطر" التي ستنجم عن سحب القوّات الأمريكيّة من سوريا, بالإضافة إلى دراسة وضع كلّ من تركيا وتنظيم داعش.
وأوضح ماكغورك أنّ قوّات التحالف الدولي حقّقت مكاسب "هامّة" في الحرب ضدّ داعش, وأنّ هذه المكاسب تحقّقت ب"شقّ الأنقس" وجاءت بالتعاون مع شركاء واشنطن على الأرض و"تضحيات قوّات سوريا الديمقراطيّة والجيش العراقي ومقاتلي البيشمركة" كلّ أولئك الذين "دفعوا ثمناً باهظاً من دمائهم".
وشدّد على أنّ "مفتاح" الانتصارات التي تمّت على التنظيم الإرهابي كان "الوجود العسكريّ الصغير والفعّال في سوريا" مشيراً إلى أنّ هذا الوجود بدأ في العام 2015 والذي "ساعد على شلّ قدرة داعش على التخطيط وشنّ الهجمات من سوريا أو العودة مرّة أخرى إلى العراق".
وأشاد المبعوث الأمريكي بقوّات سوريا الديمقراطيّة قائلاً: "وهي مجموعة متنوّعة تضمّ ما يقارب 60 ألف مقاتل من الكرد, العرب والسريان, حاربت لاستعادة المدن والبلدات السوريّة من تنظيم داعش, وقدّمت في سبيل ذلك الآلاف من الضحايا".
وأضاف ماكغورك بالقول: "في شهر كانون الأوّل الماضي, اتّصل بي بومبيو (وزير الخارجيّة الأمريكي) وأخبرني عن تغيير الرئيس للخطط, حيث سيعلن الانتصار على داعش وسيوجّه القوّات الأمريكية نحو الانسحاب من سوريا. عدت على الفور إلى واشنطن للمساعدة في تخفيف الآثار المترتّبة على هذا القرار, خاصّة بين شركائنا في التحالف".
وأشار ماكغورك إلى أنّهم "أكّدوا -بناءً على تعليمات من البيت الأبيض- لا يعتزمون مغادرة سوريا في الوقت القريب", منوّهاً إلى تصريح مستشار الأمن القومي, جون بولتون الذي أفاد فيه أنّ القوّات الأمريكيّة ستبقى في سوريا "طالما استمرّ الخطر الإيراني في جميع أنحاء الشرق الأوسط", فيما اجتمع وزير الدفاع جيم ماتيس "مع شركائنا في التحالف لتأكيد الالتزامات حتّى العام 2020".
ونوّه ماكغورك إلى "الذهول" الذي أصاب شركاء واشنطن في التحالف الدولي حيث عبّرت قوّات سوريا الديمقراطيّة عن "صدمتها" من قرار الانسحاب المفاجئ, وذلك خلال زيارة قام بها إلى سوريا, كما عبّرت تلك القوّات عن "أملها" بتغيير ترامب لقراره, متعهّدة ب"مواصلة قتال تنظيم داعش" وكان مقاتليهم "يتقدّمون في ذلك الوقت نحو معاقل الإرهابيّين في سوريا".
وأكّد على أنّ الرئيس الأمريكي اتّخذ قراره "دون مداولات أو مشاورات من الكونغرس والحلفاء", مضيفاً "على الفور استنتجت أنّني لم اتمكّن من التأثير على التعليمات الجديدة, لذا قدّمت استقالتي في 22 كانون الأوّل الماضي".
ولفت ماكغورك إلى أنّ "الأسوأ ما في الأمر, أنّ ترامب اتّخذ هذا القرار المفاجئ بعد اتّصال أجراه مع الرئيس التركي رجب طيّب أردوغان. حيث أخذ اقتراح أردوغان بمحاربة داعش داخل سوريا على محمل الجد" مشدّداً على أنّ تركيا "لا تستطيع أن تعمل على بعد مئات الأميال من حدودها في أرض معادية بدون دعم عسكري أمريكي كبير. والعديد من جماعات المعارضة السورية المدعومة من تركيا تشمل المتطرّفين الذين أعلنوا صراحة نيّتهم في محاربة الكرد وليس داعش".
وفيما يتعلّق باقتراح إنشاء منطقة آمنة بعمق 32 كم داخل الأراضي السوريّة, قال ماكغورك إنّ ترامب أصدر هذا الاقتراح عبر تغريدة على "تويتر", موضحاً أنّه "يبدو أنّه اقتراح جرى بدون أيّ إدراك أو تحليل" حيث يقول أردوغان إنّ تركيا "ستدير" المنطقة الآمنة, وهذه المنطقة تشمل جميع المناطق الكردية في شرق سوريا. لا توجد قوّة جاهزة لتولّي المسؤولية, بينما تستعدّ القوّات الأمريكيّة للمغادرة. ومن المرجّح أن يؤدّي دخول قوّات مدعومة من تركيا إلى تهجير الآلاف من الكرد, فضلاً عن تهديد المجتمعات المسيحيّة الضعيفة التي تتخلّلها هذه المناطق".
وتابع ماكغورك بالقول: "بدأت النتائج الاستراتيجيّة لقرار ترامب بالظهور, إذ كلّما زادت تركيا من توسّعها في سوريا, سارع شركاؤنا العرب في المنطقة إلى التقرّب من دمشق. ليس صدفةً أن تعيد كلّ من الإمارات والبحرين فتح سفارتيهما مجدّداً. بعد وقت قصير من القرار. إلى جنب تصريحات للسعوديّة, مصر والأردن تفيد بأنّ الانفتاح على دمشق سيخفّف من التأثير الروسي والإيراني والتركي في سوريا. كما سارعت قوّات سوريا الديمقراطيّة, التي تدرك بأنّها ستكون محاطة بقوّات معادية في وقت قريب, إلى تسريع محادثاتها مع نظام الأسد, وأرسلت موفدين عنها إلى روسيا لإجراء محادثات. فضلاً عن إسرائيل, وهي أقرب حلفائنا في المنطقة, التي تصوّرت أنّها في مواجهة واقع جديد مع خروج القوّات الأمريكيّة من سوريا.
فقط روسيا وإيران أشادتا بقرار ترامب, ومهما كانت العقوبات الاقتصاديّة التي نتعامل بها مع هذه الجانبين, فإنّها تقلّصت حالما قال ترامب إنّنا سنغادر!".
وختم ماكغورك مقاله بالتشديد على ضرورة "عدم تضييق الأهداف الاستراتيجيّة للولايات المتّحدة في سوريا" لعدم منح داعش إمكانية العودة من جديد, مضيفاً بالقول "من الأفضل تحقيق الهدف الأساسي, من خلال ضمان بقاء قوّات سوريا الديمقراطيّة سليمة, وضمان الوصول المستمرّ إلى المجال الجوّي من خلال تجنّب الاحتكاك بروسيا, ويمكن تحقيق هذا الأمر الأخير من خلال دعم إسرائيل فيما اعترفت به مؤخراً بأنها حملة جوّية دقيقة ضدّ التهديدات الإيرانيّة في سوريا".
تجدر الإشارة إلى أنّ بريت ماكغورك عمل مبعوثاُ للرئيس الأمريكي لدى التحالف الدولي منذ كان باراك أوباما رئيساً في البيت الأبيض, حيث تابع مهامه في عهد دونالد ترامب, وكان يمتلك علاقات "متينة" مع قوّات سوريا الديمقراطيّة, شركاء واشنطن في التحالف ضدّ داعش, وقدّم استقالته في 22 من شهر كانون الأوّل الماضي, عقب قرار ترامب بالانسحاب من سوريا.