نشرت صحيفة "Greenleft" الأسبوعية الاسترالية مقالا للكاتب والمترجم التركي محسن يورولماز، أكّدَ فيه بأنه وعلى الرغم من فوز الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، الذي يبدأ ولايته الرئاسية الجديدة بعد غد الاثنين بعد أداء اليمين الدستورية، فإنه بالنسبة لأغلبية الأتراك أصبحّ شخصاً مثيراً للجدل وأيامه باتت معدودة.
ويجادل الكاتب بأن شعبية أردوغان تتعرض لاهتزاز كبير رغم انه قد يبدو الأمر للبعض مفاجئاً، فإذا كان أردوغان مكروها للغاية من قبل معظم السكان الأتراك، ويسمح للمعارضة بالترشح فلماذا لا يتم التصويت ضده بكل بساطة؟ ففي نهاية المطاف لا يزال يسمح لائتلاف حزب الشعوب الديمقراطي التقدمي بالممارسة الانتخابية، على الرغم من الاعتقالات وحملات التطهير الجماعي.
الاحتيال الانتخابي
ويعزو الكاتب فوز أردوغان، رغم معارضة الأغلبية الصامتة له، إلى عمليات الاحتيال الانتخابية، بداية من إلقاء أصوات قطاعات كبيرة من المواطنين في سلة المهملات، نتيجة القوانين الانتخابية غير الديمقراطية بشدة، والتي تضع عتبة انتخابية يشترط فوز أي حزب بـ10% من إجمالي الأصوات لكي يتم احتساب الأصوات التي حصل عليها.
ويقارن الكاتب بين الانتخابات التي يتم إظهار نتائجها بشكل دقيق وبطيء في استراليا، وبين قيام حزب العدالة والتنمية بفرز الأصوات بمنتهى السرعة أكثر من أي مكان آخر تجرى فيه انتخابات في العالم. فوكالة الأناضول الإخبارية الرسمية أذاعت تقارير عن وجود أغلبية ساحقة بصورة صادمة لصالح حزب العدالة والتنمية، بصورة جعلتها ليس أكثر من مجرد سلاح في يد حزب العدالة والتنمية التركي في حرب الدعاية والبروباغاندا مع كل أطياف المعارضة.
إن الأشخاص الذين كانوا على اتصال بمسؤولين في المجلس الأعلى للانتخابات التركية راقبوا بدهشة كيف أذاعت وكالة الأناضول انه تم فرز 90% من الأصوات، باعتبارها انتصارا لحزب العدالة والتنمية، بينما لم يكن قد تم عد سوى 40-50% فقط منها، وهو ما دفع مرشح حزب الشعب الجمهوري المعارض محرم إنجه للتشكيك في هذه النتائج المزيفة، وصمم على أنَّ تكون هناك جولة ثانية للانتخابات، ثم صمت.
الشائعات تقول أنه قبل أن يظهر أردوغان على شرفته ليزعم انتصاره "المجيد"، كان "إنجه" وحزبه يتعرضون للتهديدات، سواء كانت تهديدات شخصية، أو ربما تهديد بقيام حرب أهلية؟ من الصعب القول، ولكن تدخل شخص ما لإجبار إنجه على إلقاء بيان اعترافه بالهزيمة، ولكن القصة تم إعادة إنتاجها من خلال الأخبار التي تتحدث عن قبول المعارضة لهزيمتها الانتخابية، و"فوز" أردوغان، بحسب الكاتب.
وأوضح الكاتب انه بعد اخذ كل هذه الكواليس في الاعتبار، تبدو صورة الأحداث مختلفة، فالانتخابات كانت مليئة بالاحتيال.. فمن يميني شعبوي الى ديكتاتور لا يحظى بشعبية "هكذا تبدلت صورتنا الكاريكاتورية عن أردوغان".
الطغمة الحاكمة
إنَّ حقيقة الأمر الآن مختلفة، حيث أنَّ السؤال الأبرز ليس معرفة حجم شعبية أردوغان أو الى مدى وصلت ديكتاتوريته. أردوغان يعتبر زعيم الطغمة الحاكمة، بيد أن الاحتيال بات جزءاً لا يتجزأ من هذه العصبة الحاكمة وقد يطيح بأردوغان.
عندما تم مراجعة النتائج، لوحظت العديد من المخالفات، ليس اقلها ما عرضه حزب الشعوب الديمقراطية، الذي يمثل تحالفا بين حركة التحرر الكردية، واليسار المركسي، والعديد من القطاعات التقدمية الأخرى، مثل الحركات النسائية والايكولوجية (أنصار البيئة)، لكن العنصر الأقوى والأكبر هو بدون شك حركة التحرر الكردية، ومعقل حزب الشعوب الديمقراطية هو كردستان التركية.
ومع ذلك، فإن النتائج تروي قصة مختلفة: فهم يروون قصة حصول "الحزب الديمقراطي" على السلطة في غرب تركيا، بينما يفقد السلطة في كردستان التركية. والأكثر من ذلك، يبدو أن الأصوات التي خسرها حزب الشعوب الديمقراطي، لم تكن لحزب العدالة والتنمية، ولكن لحزب الحركة القومية اليميني المتطرف.
يرث حزب العدالة والتنمية الإسلام السياسي التركي، وفي السنوات الأولى من حكمه، حظي الحزب بدعم كبير بين الكرد المحافظين الذين كانوا يأملون في أن الهوية "الإسلامية" يمكن أن تخفف من التوترات السياسية حول هويتهم الوطنية في بلد كان يحكمه منذ عقود القوميون الأتراك المتعصبون.
في بداية عهده، وعد حزب العدالة والتنمية بليبرالية إسلامية جذبت الكثير من الكرد، والذين انتهى بهم المطاف بعد عدم الوفاء بتلك الوعود، الى حزب الشعوب الديمقراطية، بعد أن أنهى الحزب عملية السلام مع حركة التحرير الكردية، ولجأ لصراع عسكري بتكلفة عالية من أرواح الكرد.
ويمضي الكاتب: "دعونا نفترض في هذا السباق، أنَّ الشعب الكردي شعر انه إذا صوت ضد حزب الشعب الديمقراطي، فإنه سيحصل على سلام غير أخلاقي، أو لنفترض أن ديكتاتورية أردوغان ستسرق أصوات الشعوب الديمقراطية من اجل مكاسبه الخاصة.. ففي كلتا الحالتين، يجب أن نتوقع عودة كبيرة لحزب العدالة والتنمية في معاقل حزب الشعوب الديمقراطية.. ولكن هذا ليس ما شهدناه".
ويوضح الكاتب انه بدلا من ذلك، وصلت أعداد كبيرة من الأصوات الكردية الى حزب الحركة القومية المتطرف، فهذه المجموعة الفاشية من بقايا الحرب الباردة، ويعود الكاتب ليتساءل لماذا حصل الحزب الأكثر معارضة للكرد في ائتلاف مع حكومة حزب العدالة والتنمية على أصوات الكرد؟ وبدلا من ذلك، لماذا يدلي أردوغان بأصواته لشريك في الائتلاف لا يخضع لسيطرته عندما يستطيع تسليمها بشكل أكثر موثوقية لنفسه؟
الإجابة بحسب الكاتب تتلخص في أنّ أردوغان لم يرتكب مثل هذا الاحتيال، لقاء جاء أردوغان ومضى في التاريخ التركي، ولكن الديكتاتورية الفاشية دائما تعيد تشكيل نفسها في القمة، سواء من خلال الانتخابات أو الانقلابات أو كما هو الحال الآن، من خلال الأحكام العرفية، التي وعد أردوغان برفعها بعد الانتخابات، ولكنها لا تزال قائمة.
ويختتم الكاتب مقاله قائلا: "في هذه الانتخابات المسروقة، لم نرى دكتاتورية أردوغان الشخصية، نحن نرى المفاوضات المتوترة بين مختلف قطاعات العاصمة التركية التي استغلت الفقراء والبيئة، والذين اضطهدوا النساء، والمثليين، والأقليات الأخرى، وقبل كل شيء الشعب الكردي الذين تعرضوا للاضطهاد منذ تأسيس الجمهورية التركية.... سوف يفقد أردوغان السلطة بوسيلة أو أخرى. ومع ذلك، فمن المرجح ألا يكون اليوم الذي يترك فيه المنصب يوم ثورة ديمقراطية أو اشتراكية في تركيا".