ردود فعل عالمية: نظام أردوغان أعلن وفاة الديمقراطية التركية بإلغائه نتائج بلدية أسطنبول

أطاح قرار السلطات التركية بإعادة الانتخابات في مدينة اسطنبول بثقة الملايين من الأتراك في العملية الانتخابية ومصداقية الديمقراطية في الجمهورية التركية، التي حولها نظام حزب العدالة والتنمية إلى الاستبداد.

دخلت الجمهورية التركية منحدرا سحيقا نحو الاستبداد، مع قرار الغاء نتائج الانتخابات المحلية في بلدية أسطنبول، اكبر المدن التركية، المعروفة تقليديا بكونها مركز ثقل حزب العدالة والتنمية، والتي يُقال عنها "من يحكم اسطنبول فإنه يحكم تركيا"، فقد أظهرت نتيجة الانتخابات التي هزم فيها حزب العدالة والتنمية هزيمة منكرة بحد وصف المعارضة، ولكنها لم تكن غريبة أو غير متوقعة في ظل تلك الانتخابات التي كانت بمثابة استفتاء على شعبية الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، الذي وصل نجم حكمه إلى مرحلة الأفول، وسيما بدخول الاقتصاد التركي في الموجة الأولى من الركود والتضخم وانهيار العملة بعد ان استغل معدلات النمو للبقاء في السلطة والفوز بالانتخابات تلو الأخرى.

"الغاء نتائج الانتخابات التي فازت فيها المعارضة يعني مصداقية كل الانتقادات الدولية والداخلية التي تعرض لها النظام خلال الشهور الماضية"، هكذا علّق الباحث في الشؤون التركية كرم سعيد على قرار اللجنة العليا للانتخابات التركية بإعادة الانتخابات في أسطنبول.

وفي تقرير لـ"المونيتور" حول الغاء نتائج الانتخابات واعادتها، قال الموقع الأمريكي أن قرار إلغاء نتائج الانتخابات المحلية وإعادتها، بعد شهر من تعرض حزب العدالة والتنمية لهزيمة تاريخية، يمثل لحظة فاصلة بالنسبة للجمهورية التركية من خلال هز ثقة ملايين من الناخبين في العملية الانتخابية.. "لقد اتهم النقاد المحليون والدوليون منذ فترة طويلة أردوغان بتقويض المؤسسات الديمقراطية في البلاد، قائلين إنه وحزب العدالة والتنمية ينحدر بثبات إلى الاستبداد".

التخلي عن الالتزام بالانتقال السلمي للسلطة

وتابع تقرير المونيتور: " لقد رفض أردوغان هذه الاتهامات منذ فترة طويلة عن طريق زعمه مساواة الديمقراطية بالانتخابات، التي سيطر عليها حزب العدالة والتنمية منذ تأسيسه في عام 2001. ومع رفضه لنتائج اسطنبول بشأن مزاعم تزوير غير مثبتة، تبدد الأمل المتبقي للمعارضة المحاصرة في العملية الديمقراطية بينما تم تأجيج المخاوف من أن أردوغان وحزب العدالة والتنمية قد تخليا عن أي شكل من أشكال الالتزام بالانتقال السلمي للسلطة من خلال الانتخابات". وأعتبر الخبير المتخصص في الشؤون التركية كرم سعيد في تصريح لوكالة فرات للأنباء ANF، أن ما روج له نظام حزب العدالة والتنمية حول النموذج الديمقراطي المزعوم، قد تعرض لأفول تام، متمثلا في "انهيار النموذج عبر تكريس أردوغان لحكم الفرد، والإصرار على الإقصاء والإمساك بكل مفاصل الدولة التركية، ومصادرة إرادة الناخب التركي".

 

فقدان الثقة في العملية الانتخابية

من شأن الاطاحة بالنتائج الديمقراطية اهدار ملايين من اصوات الناخبين، فضلا عن دفع الاحزاب السياسية الى مقاطعة تلك العملية التي لا تتسلم بالجدية، وقال كرم سعيد أن المقاطعة وتصعيد نشاط المعارضة سيكون الرد الأمثل على سلوك حزب العدالة والتنمية وتحالفه الاستبدادي مع حزب الحركة القومية.

وقال أحمد سيك، وهو عضو في البرلمان عن حزب الشعوب الديمقراطي الموالي للكرد: "أولئك الذين سيخوضون الانتخابات لن يخوضوا الانتخابات"، مرددًا شعور الملايين من الأشخاص الذين صوتوا لصالح مرشح المعارضة إكرم إمام أوغلو من حزب الشعب الجمهوري، رئيسا لبلدية اسطنبول، بحسب المونيتور.

وقال تقرير المونيتور بعنوان "كيف حطمت تركيا للتو ثقة ملايين الناخبين في ديمقراطيتهم": "في ظل القرار بأن انتخابات الاعادة ستتم في 23 حزيران/ يونيو الآن باتت كل الأنظار على حزب الشعب الجمهوري، الذي عقد اجتماعًا طارئًا فور إعلان الإلغاء اليوم. يدعو مئات مستخدمي وسائل التواصل الاجتماعي في تركيا إلى مقاطعة الانتخابات، وهي علامة أخرى واضحة على كيف فقد الناس ثقتهم في العملية الانتخابية في تركيا.. (إن) ضعف الليرة التركية بعد هذا الإعلان، وتراجع إلى أدنى مستوى له في أشهر. من المرجح أن يستمر التراجع في الأيام المقبلة حيث تنذر الانتخابات الجديدة بمزيد من الإنفاق الحكومي وعدم الاستقرار للاقتصاد التركي".

 

ورحب الرئيس التركي رجب طيب أردوغان بقرار إلغاء نتائج الانتخابات التي جرت في إسطنبول، معتبرا أنّ خطوة إعادة الانتخابات "مهمة نحو تعزيز الديمقراطية"، وذلك خلال كلمة له أمام أعضاء الكتلة البرلمانية لحزبه اليوم الثلاثاء.

ونظمت احتجاجات في المدينة عقب إعلان إعادة الانتخابات في 23 يونيو، وتجمع المئات من سكان إسطنبول في عدد كبير من أحياء المدينة يقرعون الأواني ويرددون هتافات ضد الحكومة، وأثار القرار انتقادات دولية عديدة، وذكر البرلمان الأوروبي أنّ قرار إعادة الانتخابات البلدية في إسطنبول يقضي على مصداقية الانتخابات الديمقراطية في تركيا، وبحسب تقرير لهيئة الإذاعة البريطانية بي بي سي.

تركيا لم تعد شريكا لأوروبا

ووصفت ألمانيا اليوم الثلاثاء قرار السلطات التركية القاضي بإعادة انتخابات بلدية إسطنبول، بعد أنّ خسرها الحزب الحاكم بـ"غير المفهوم"، وقالت شبكة "دويتش فيله" الألمانية أن العديد من الساسة الألمان انتقدوا قرار إلغاء نتائج انتخابات إسطنبول، وقالت رئيسة قائمة الحزب الليبرالي للانتخابات الأوروبية إلى أنّ "تركيا لم تعد شريكا للاتحاد الأوروبي"، فيما أعربت كلاوديا روت، نائبة رئيس البرلمان الألماني "البوندستاغ"، وعدد من الساسة الألمان من أحزاب المعارضة عن غضبهم حيال قرار لجنة الانتخابات التركية بإلغاء نتيجة انتخابات بلدية إسطنبول وإعادتها في الشهر المقبل. وقالت المرشحة الرئيسية للحزب الديمقراطي الحر "الليبرالي" للانتخابات الأوروبية، نيكولا بير، انتقادات لقرار لجنة الانتخابات، وكتبت بير على "تويتر": "أردوغان لا يقبل بالهزيمة، وبالتالي فإنّ تركيا لم تعد شريكا للاتحاد الأوروبي".

نكسة للمعارضة.. ومحاولة من أردوغان لإبطال هزيمته

وتناولت صحيفة "نيويورك تايمز" الأمريكية قرار إعادة الانتخابات في اسطنول على أنه يمثل نكسة للمعارضة، بعد نحو عقدين من الزمان من حكم أردوغان الذي اتجه نحو الاستبداد، ولفت تقرير الصحيفة الأمريكية اليوم الثلاثاء، إلى أن حزب المعارضة أدان على الفور قرار المجلس الأعلى للانتخابات باعتباره استسلامًا لأردوغان وضربة للأسس الديمقراطية في البلاد، والتي اقتربت أكثر من الاستبداد في عهده الذي استمر 18 عامًا في السلطة.

وبعنوان: "تركيا تأمر بانتخابات جديدة لرئيس بلدية اسطنبول، في نكسة للمعارضة"،  قالت الصحيفة الأمريكية أن أردوغان قام بسجن الصحفيين وخصومه وقام بعمليات تطهير جماعي للشرطة والجيش والمحاكم، وعزز سلطاته بموجب الدستور. والآن، يقول المعارضون إن السيد أردوغان قد نجح في إبطال ما كان يمثل هزيمة مذلة لحزبه في إسطنبول، أكبر مدينة في البلاد، العاصمة التجارية - ومدينة الرئيس، في إشارة إلى بداية مشواره السياسي كرئيس لتلك البلدية.

وتابع التقرير: "على الرغم من أن أردوغان حصل على فترة ولاية أخرى مدتها خمس سنوات كرئيس يتمتع بسلطات جديدة كاسحة في انتخابات العام الماضي، إلا أنه أصبح ضعيفًا بشكل مفاجئ بسبب الأداء السيئ لحزبه في الانتخابات التي جرت في 31 آذار/ مارس، والتي حدثت مع بدء تعثر الاقتصاد".