خبراء ومسؤولون: مصر سوق واعدة للاستثمار في الربط الكهربائي وتسعى لتكون محوراً إقليمياً للطاقة

تسعى دولٌ عدّة في الفترة الأخيرة إلى التوسع في الربط الكهربائي البيني، بما تتيحه من مميزات تحاول الدول اجتذابها والاستفادة منها، لاسيما وأنها تعد الوسيلة الأسرع لمواجهة المشكلات الطارئة والأزمات غير المتوقعة التي تصاب بها دولة ما في قطاع الكهرباء.

يعد قطاع الكهرباء من القطاعات الحيوية في كثير من بلدان العالم، ذلك أنه يرتبط بالتنمية، ارتباطًا وثيقًا، فقد يتسبب حال وجود أعطال في توقف عجلة الإنتاج، لذا بدت الحاجة ملحة لمزيد من الأساليب الحديثة في إنتاج الطاقة الكهربائية.

ومصر من بين الدول التي اتخذت خطوات متقدمة في هذا الشأن، لاسيما في الأعوام الأربعة الماضية، رغم أنها قبيل تلك الفترة كانت تعاني أزمة الانقطاع المتكرر في الكهرباء، ما تسبب في شحن حالة من الغضب بين المواطنين وكذلك المصنعين الذين توقفت مصانعهم عن الإنتاج.

لكن رئيس البلاد وقتها، الرئيس عبدالفتاح السيسي، الذي أدى اليمين الدستورية قبيل أيام لولاية رئاسية ثانية، وكان حديث العهد بالحكم وقتها، وعد ألا تتكرر تلك الأزمات في غضون عام. واستطاع قطاع الكهرباء المصري أن يخرج من تلك الأزمة منتصرًا، وحوَّل العجز إلى فائض، واتجه إلى التنوع في مصادر الطاقة الكهربائية خلال تلك الفترة، ما بين طاقة نووية بُعيد الإتفاق المصري الروسي على تدشين محطة الضبعة النووية، وتدشين محطة "بنبان" الذي يعد أكبر مجمع للطاقة الشمسية في العالم، وكذلك الطاقة الكهرومائية والكهروذرية.

وضخت مصر استثمارات ضخمة في هذا القطاع، الأمر الذي أهلها للوصول إلى فائض تجاوز نحو 14400 ميجا وات، بعد التوسع في المحطات الكهربائية، وتستهدف الوصول بنحو 58 مليار جنيه مصري "نحو 3 مليارات دولار" كاستثمارات خلال عام 2018، بحسب المهندس "جابر الدسوقي"، رئيس الشركة القابضة لكهرباء مصر.

وفي خضم هذا التطور في قطاع الكهرباء، نجحت مصر في توقيع عدد من الاتفاقيات خلال الفترة الماضية مع عدد من الدول لاكمال مشروعات الربط الكهربائي، لعل أبرزها أوروبيًا "اليونان وقبرص"، وعربيًا "السعودية والسودان وليبيا والأردن"، كما تسعى لتحقيق ربط كهربائي مع عدد من الدول الإفريقية في مقدمتها "إثيوبيا".

وأسهم الموقع الجغرافي لمصر الواقع عند ملتقى القارات الثلاث "أفريقيا وآسيا وأوروبا"، في أنها تعد قبلة لعدد من الدول المجاورة التي تسعى لتحقيق الربط الكهربائي معها، وأضحت مصر تستهدف أن تكون محوراً إقيلمياً للطاقة في المنطقة.

واعتنى الرئيس المصري "عبد الفتاح السيسي"، بهذا الملف وحث على ضرورة ترسيخ دور مصر كمركز إقليمي للطاقة في منطقة شرق المتوسط في ضوء ما تملكه من إمكانات في هذا الصدد، ما دفع بتعزيز الدخول فى حزمة الربط العالمى، ولتحقيق المستهدف من هذا الأمر وقعت مصر مذكرة تفاهم مع المنظمة العالمية للربط الكهربائى، بهدف الترويج لمفهوم الربط الكهربائي العالمي وتحقيق التكامل في الشبكات الذكية، وتنمية موارد مصر من مشروعات الطاقة الجديدة والمتجددة.

وفي يونيو لعام 2013، كانت باكورة الاتفاقات بين مصر والسعودية للربط الكهربائي، والتي بموجبها فتحت الطريق أمام مزيد من الاتفاقات مع دول أخرى، وتسعى مصر بموجبه إلى أن تكون السعودية نقطة الانطلاق لاتفاقات مع دول خليجية أخرى.

وقال وزير الكهرباء المصري، الدكتور محمد شاكر، إن مصر ستتوسع في مشروعات الربط الكهربائي خلال الفترة المقبلة، لافتًا إلى أن البلاد تضع خطة استراتيجية تستهدف الربط بالقارات الثلاثة بحلول عام 2040.

وسلط وزير الكهرباء المصري الضوء على أبرز تلك المشروعات التي من بينها الربط مع السعودية، والذي يبلع تكلفة الربط الكهربائي معها نحو 1.6 مليار دولار، ومن المستهدف تشغيله بعد نحو 3 أعوام من خلال تدشين خطوط  للربط بنظام التيار المستمربقدرة 3 آلاف ميجا وات.

ولم يخف الوزير المصري اتجاه بلاده نحو فتح مزيد من الاستثمارات مع الدول العربية، التي تسعى إلى إنشاء بنية أساسية لتجارة الكهرباء مع تلك الدول، ولن يتأتى ذلك إلا من خلال ربط أكبر منظومتين للكهرباء عربيًا "مصر والسعودية" التي يرتفع سقف قدرتهما الإجمالية عن 90 ألف ميجا وات.

ويدفع الارتباط المصري الوثيق مع دول الجوار، لاسيما الجانب الشرقي والغربي، إلى توثيق وتعزيز العلاقات البينية معها، فمصر ترتبط كهربائيًا مع كل من الأردن وليبيا، وتسعى الحكومة المصرية إلى زيادة السعة المقررة للربط الكهربائي مع الأردن لتصل لنحو 3 آلاف ميجاوات من خلال الربط على الجهد الفائق المستمر.

ووقعت مصر مذكرة تفاهم مع كل من قبرص واليونان الأوروبيتين، في فبراير لعام 2017، ويتيح المشروع ربط قبرص وجزيرة كريت "التي تعد مدخلاً للاتحاد الأوروبي"، وتحديد الخطوات المستقبلية له دون أية التزامات من الجانب المصري.

وخلق التوجه العالمي الجديد لربط الكهرباء، مصطلحات ربما لم تكن مطروحة من قبل، فالحديث عن تدشين سوق مشتركة للكهرباء، بدى جليًا وفي مواضع مختلفة أثناء حديث المهندس "جمال عبد الرحيم"، رئيس الشركة المصرية لنقل الكهرباء، والذي يؤكد أن الربط الكهربائي اتجاه عالمي الآن، وأن التوسع فيه أمر حتمي، وعلى كافة الدول مواكبة تلك التطورات.

وقال عبدالرحيم: "نهدف إلى إنشاء بنية أساسية لتجارة الكهرباء بين الدول العربية ما يسهم في انتعاش الربط الكهربائي معها وينعكس على التنمية فيها".

وأعلن رئيس الشركة المصرية لنقل الكهرباء، عن اقتراب الانتهاء من مشروع الربط الكهربائي مع دولة السودان، والذي لن تستغرق مدة تنفيذه 6 أشهر على الأكثر في ظل امتلاك مصر لكافة الإمكانات التي تؤهلها لذلك، وفي الوقت الذي لا تتجاوز قدرة مشروع الربط الكهربائي معها عن 300 ميجا وات، وبتكلفة تقديرية تبلغ نحو 50 مليار دولار.

وبدأت مشروعات الربط الكهربائي تفرض نفسها على الساحة العربية، منذ سنوات قريبة، فقبل نحو 17 عامًا، دشنت دول مجلس التعاون الخليجي هيئة الربط الكهربائي لدول المجلس، بهدف التغطية المتبادلة للدول في حالة الطوارئ وتقليل التكلفة الناتجة عن إنتاج الكهرباء، وبدأ المشروع من مهده منذ اللحظة التي أعلن فيها إنشاء المرحلة الأولى في العام 2005 مرورًا بالمرحلة الثانية التي تلتها بعام واحد، نهاية عند المرحلة الثالثة التي بدأت في العام 2011.

لكن مشروعات الربط الكهربائي رغم أهميتها في التغذية الكهربائية وفتح أسواق أخرى عربيًا وإفريقيًا وأوروبيًا سيجعل من مصر منطقة واعدة للاستثمار في هذا المكان، إلا أن الخبير الاقتصادي المصري "حسين عبد الفتاح" يرى أن له ميزات كبيرة أخرى، لاسيما في توفير العملة الصعبة لمصر، في الوقت الذي تعاني فيه البلاد من فجوة ملفتة بين السعر الدولاري مقابل الجنيه المصري، منذ تحرير سعر الصرف في الثالث من نوفمبر قبل الماضي، ما دفع بوتيرة ارتفاع معدلات التضخم في الاسواق، لاعتماد السوق المصرية على الاستيراد بشكل كبير.

ويرى عبد الفتاح أن التوسع في مثل هذه المشروعات، قد يكون مدخلًا للتعريف بمستقبل الاستثمار الجديد في الطاقة الكهربائية في وقت تشهد فيه البلاد تنوعاً ملفتاً في مصادر الطاقة الكهربائية.