واستضافت اللجنة الثقافية بنقابة الصحفيين المصرية ندوة لمناقشة كتاب المركز الكردي للدراسات ومقره مدينة بوخوم الألمانية، بمشاركة الأستاذ الدكتور جهاد عودة - أستاذ العلوم السياسية بجامعة حلوان، والدكتور محمود زايد - أستاذ التاريخ بجامعة للأزهر والمتخصص في الشؤون الكردية للمناقشة، وأدار الندوة الكاتب والمترجم أيمن شرف.
من جانبه، قال الكاتب والمترجم ايمن شرف مدير الندوة أن تصاعد الحركات القومية خلال القرن الماضي هو احد العوامل التي دفعت الكرد ايضا الى تعزيز تمسكهم بقوميتهم، مؤكدا ان ما نراه حاليا من سيطرة التيار الاسلامي في تركيا وتغيير بنيته السياسية على المدي الطويل سيؤدي إلى مشكلات داخل تركيا، وانزلاقها لمستوى دولة دينية سلطوية او الى دولة عسكرية كما جرى في الماضي.
ولفت "شرف" إلى ان اضطراب العلاقات بين واشنطن وأنقرة توفر امكانية ان تتعاون الولايات المتحدة الامريكية مع اخرين كبديل لتركيا وتستعيض عن قاعدتها العسكرية في تركيا بقاعدة عسكرية في مكان اخر، معتبرا انه من المفيد مناقشة مدى اعتمادية اكراد سوريا على التغير المحتمل في السياسة الامريكية للحصول على مكاسب في هذا الامر.
واوضح "شرف" أن التوصيات التي خرجت بها احدى الدراسات والتي تم اعدادها في وقت مبكر هذا العام اصبحت مطبقة بالفعل، فالدراسة توصي بعدم التساهل وفكرة الاحتواء والضغط من الداخل مع نظام حزب العدالة والتنمية، وهو ما تقوم به واشنطن حاليا.
ومن جهته، قال الدكتور محمود زايد استاذ التاريخ بجامعة الأزهر والمتخصص في الشؤون الكردية، ان الكتاب يمثل محاولة لتفسير حالة جديدة يمر بها الشرق الاوسط، واشار إلى ان اللاعبين الاكثر بروزا على المستوى السياسي او العسكري في المشرق العربي، هم تركيا ممثلة في حكومة العدالة والتنمية، واللاعب الثاني هم الكرد، موضحا انهم موجودين في 4 اجزاء أو دول وابرزهم حاليا سوريا، بعد ان كان اقليم كردستان العراق هو الذي يحوز اكثر الابواق الاعلامية سواء الداخلية او الخارجية.
الكرد هم أحد الشعوب الاصلية في المنطقة.. والاتراك وافدون علينا
ولفت استاذ التاريخ إلى ان الكرد كما لم يصل لنا حتى نصف القرن العشرين، فإنهم احد شعوب المنطقة الاصليين الى جانب الفرس والعرب، في حين ان الاتراك قادمين من اسيا الوسطى وغيرها، موضحا ان لديهم عادات وتقاليد ومناسبات قومية وزي خاص وتجاوب مع الحركات المختلفة سواء قبل الاسلام او بعد الاسلام، واوضح ان حالة كردستان انقسمت الى ولايات او دويلات مصغرة ودخلوا في صراع كان سبب من ضمن الاسباب التي يعيشها الكرد حاليا واستثمرتها الحكومات ما بعد سايكس بيكو لديمومة تشرذمهم.
وقال "زايد" أن هناك توجه للاكتفاء بمائة سنة على الدولة القومية، التي لم تحقق نجاحا اقتصاديا ولا سياسيا ولا عسكريا، وظلت هذه الدول في صراع، فأصبح هناك حاجة الى نظريات جديدة لقيادة المنطقة... وتابع: "أصبح من اهم النظريات الثورة على الدولة القومية، حيث اسس عبدالله أوجلان لهذه النظرية، فيما اطلق عليه مشروع الامة الديمقراطية، فهو ضد مفهوم الدولة القومية بامتياز، أما مفهوم الامة الديمقراطية هو ان تعيش مجموعات من الناس مختلفين عرقيا وايديولوجيا ويحكمهم دستور شامل وتتحقق بينهم اسس العدالة والمساواة وخاصة بين الرجل والمرأة في اطار مفهوم الكونفدرالية، وهو ما يطبق حاليا في شمال سوريا او ما يسميه الكرد روج افا (غرب كردستان)، وهو يختلف تماما عن ما هو قائم في كردستان العراق".
واعتبر زايد أن هناك اختلافات بين اقليم كردستان العراق وما هو قائم في روج افا، مضيفا: "الكرد كشعب هم ابناء جنس واحد موجودين في اربع دول ولكن هناك عوامل ايديولوجية وجغرافية وسياسية فرقت بين هذه المكونات، بل واصبح لدينا اكثر لهجة كردية، وكل لهجة من اللهجتين لها طريقة في الكتابة سواء بالأحرف اللاتينية كما هو الحال في تركيا وسوريا او بالأحرف العربية كما هو الحال في العراق وايران، وكذا اختلاف في المفردات والقواعد".
وقال "زايد" أن "فلسفة بي كا كا اكثر مرونة للتغيرات في المنطقة، على خلاف اقليم كردستان العراق الذي لا يزال يؤمن بأن الدولة الكردية لا تقوم سوى على اساس قومي".. واوضح ان القائد عبدالله اوجلان ترك مفهوم الامة القومية الى الامة المشتركة، ودعا "اوجلان الى تغيير في الدستور التركي، فبدلا من القول بالشعب التركي، يكون الكلام شعب تركيا.. والتغلب على الصيغ الماضية في الدستور كانت تنص على انه لا يوجد سوى القومية التركية، والا من لم يظل في البلاد ويعترف انه تركي سيتم مواجهته بالسلاح، ولذلك كان الكرد اول من قمعوا في تركيا"، بحسب زايد.
وأكد "زايد" أن كرد سوريا يؤمنون بفلسفة الزعيم عبدالله اوجلان، وهذه نقطة العداء الصارخ من تركيا لتجربة الادارة الذاتية في شمال سوريا، والتي جاءت تحت مسمى سوريا الديمقراطية التي تسع سوريا كلها وكل مكونات سوريا من الاكراد والعرب والعلويين والمسيحيين وغيرهم، فسوريا دولة متعددة الديانات والقوميات والمذاهب، في ظل دستور للجميع وقانون للجميع في فيدرالية.
وفيما يتعلق بالكتاب، قال أن هذا الكتاب الذي صدر في القاهرة، به معلومات قوية وتحليل ويقدم لنا كمصريين مادة علمية قوية عن موضوع ربما يجهله البعض، فهو عبارة عن 11 دراسة صدرت عن مراكز بحثية امريكية وبريطانية، توجه صانع القرار في السياسات الخارجية، مشيرا إلى انه ليس كتابا دعائيا فالبعض يعبر عن مخاوف من استقلال دولة كردستانية لتجنب تكرار تجربة جنوب السودان.
التحذير من تكرار تجربة جنوب السودان غير دقيق
أما الدكتور جهاد عودة أستاذ العلوم السياسية بجامعة حلوان، فقد اعرب عن سعادته بوجود اهتمام في مصر بالقضية الكردية وخاصة كرد سوريا، فأكد لدى استعراضه للكتاب أن اخطر ما في هذا الكتاب انه يمكن فهمه بطرق مختلفة، فهو يمكن فهمه انه كتاب تقليدي ترويجي للكرد او كتاب من كتب الدعاية ليس اكثر او اقل، ولكن يمكن ان نراه بصورة مختلفة، فهو يفتح باب لتساؤلات حول كثير من النقاط، مثل هل فعلا لازلنا نعيش في سايكس بيكو ام انها قضية انتهت، وانا شخصيا من انصار القول بانتهائها منذ نشأة الدولة الوطنية في سوريا والعراق وهكذا، لأن سايكس بيكو نشأت في اطار استعماري امبراطوري، كان الهدف هو انشاء مصرفيات، فالناس تتحدث في مصر عن سايكس بيكو وكأنه لا يزال اتفاق حالي، طبعا هناك اثار تاريخية، ولكنه كمؤشر او عامل لا يمكن فهمه في اطار سايكس بيكو، فهو انتهى.
ولفت "عودة" إلى أن هناك اطار تفاوضي لسوريا الديمقراطية فهي تتفاوض في اطار الدولة السورية، وليس خارج الدولة السورية، فليس مطروح انه عند الامة الديمقراطية لأوجلان ان يكون هناك مشروع بعثي اوجلاني كنسخة كردية للبعث، بل هو في اطار الدولة السورية، فهي عمليات استراتيجية للتفاوض على مصير هذه الجماعات داخل الوطن السوري او الدولة السورية، وبالتالي الغرب قبل هذا النوع من التفاوض، فلا يجوز ان يتم تدشين حركة تحررية لقيام دولة جديدة في العصر الحالي، موضحا أن التاريخ الاوروبي ملئ بالتجارب التي نعيشها اليوم، وهذه هي الطريقة الوحيدة لحماية سوريا الديمقراطية ومشروعها.
وفكريا، قال استاذ العلوم السياسية المصري، أنه لابد من الدخول لمرحلة ما بعد فلسفة اوجلان ايضا وليس فقط الاكتفاء بها، بمعنى الوصول لصيغ للعيش المشترك عن طريق التفاوض وليس التطبيق للنظرية فقط، فالحل عن طريق التفاوض يبحث في كيفية تحويل القيم الى جماعات مختلفة، والحل الواقعي الذي سيطبق بالتأكيد لن يكون "اوجلاني" صرف.
سوريا الديمقراطية حققت إنجاز تاريخي
وقال "عودة" أن مفهوم الدولة تجذر اكثر في العالم العربي، وبالتالي فالسؤال الراهن هو كيف تتعاون مع مكوناته، بحيث ان تصل الى عيش مشترك، او تطوير لمفهوم الدولة بصورة تتلاءم مع الوضع الراهن الذي يوجد به مصدر أو مكون قوي جدا هو فلسفة اوجلان، فنحن لا يمكن ان نعيش في سوريا بمفهوم اوجلاني فقط، بل بمفهوم اوجلاني بالإضافة لمفاهيم اخرى.
وتابع أستاذ العلوم السياسية: "امامنا المستقبل مفتوح للتساؤل حول كيفية صنع حلم مشترك للأشكال المختلفة للنضال، للحفاظ على الدولة واعادة ايجاد صيغ للتفاعل والتعايش، وبالتالي لا يجب ان نظل مرتبطين بالماضي والحديث عن سايكس بيكو او النظريات المضادة لها.
وفيما يتعلق بتجنب مصير جنوب السودان، قال: "تجربة جنوب السودان كان في اطار عملية كبيرة للدول الافريقية، للوصول لهذا الانفصال، فهي ليست انفصال عادي، بل هي عملية استراتيجية كبيرة في القرن الافريقي ولها ارتدادات كبيرة جدا، ولا يمكن مقارنتها بما يمكن ان يحدث في سوريا، ولا يوجد شيء في التاريخ اسمه ان نتجنب مصير تجربة اخرى لها خصوصيتها".
واختتم "عودة" مشاركته قائلا: "احيي سوريا الديمقراطية على فهم تاريخها الخاص وانها عندما تندمج ستندمج في اطار سوريا، وسوريا الديمقراطية حققت انجاز تاريخي، وهذا الانجاز سيبنى سوريا جديدة، والاهم على مستوى الواقع هو كيف تمزج سوريا الديمقراطية مع الطوائف الاخرى وهي طوائف شرسة بها اسلاميين متطرفين وغيرهم، والتحدي الحقيقي هو كيفية تخليق مفهوم جديد في كيفية ايجاد الدولة الديمقراطية، وليس التوقف عند مفهوم الامة الديمقراطية".
مدير المركز يحمل مكانة خاصة لمصر في قلبه
وردا على سؤال لوكالة فرات للأنباء ANF، حول مدى انفتاح مصر على التجربة الديمقراطية في شمال سوريا، قال الدكتور زايد: "تدشين اول كتاب للمركز الكردي للدراسات من القاهرة هو اهم دليل على انفتاح مصر على ذلك، وتاريخيا مصر كانت دولة محتضنة لجالية كردية، وتابع: "الاستاذ نواف خليل مدير المركز وهو من المثقفين والكتاب السورين الكبار، ويحمل مكانة خاصة لمصر في قلبه، وحديثه به عبق ورائحة العشق لمصر، ودائما ما يردد مقولة الكاتب والروائي السوري الذي يقول إن الاهرامات تلك كانت قبورهم فكيف كانت قصورهم.. فهناك علاقة وجدانية بين الكرد ومصر".
وقال ردا على سؤال اخر، حول امكانية مساهمة تجربة "سوريا الديمقراطية" في تمكين المرأة في تحقيق مزيد من التطور الاجتماعي في المنطقة، قال: "كون ان التجربة في الشمال السوري بها الكثير من مظاهر التطور الاجتماعي، وكذلك تمكين المرأة، وتجربة الرئاسة المشتركة من رجل وسيدة، فهي تجربة ستكون مفيدة بالتأكيد في الاستفادة منها على المستوى العربي".. وتابع مازحا: "التجربة ستكون كارثة علينا كرجال اذا انتقلت الى مصر، فالرجل هناك اصبح يطالب بمساواته مع المرأة.. وهذا امر صحي وتجربة لابد من ان نستفيد منها.. واعتقد ان هذا الجانب يدركه جيدا انصار افكار اوجلان، حيث يؤمنون بتجربة الامة الديمقراطية للمنطقة كلها ولذلك اصدروا مصطلح الشرق الاوسط الديمقراطي".