العاصمة المصرية الجديدة .. "طوق نجاة" تأخر ٣٧ عاماً لإنقاد القاهرة من أزماتها وجذب الاستثمارات

تمثل العاصمة الإدارية الجديدة في مصر "طوق النجاة" للمصريين عمومًا من زحام القاهرة العاصمة التاريخية وتلوثها وتكدس سكانها الذين اقتربوا من 30 مليون نسمة.

يدور العمل داخل العاصمة الإدارية الجديدة كخلية نحل، بالتنسيق بين الهيئة الهندسية للقوات المسلحة ووزارة الإسكان والمجتمعات العمرانية ووزارة التخطيط حتي تنتقل الحكومة بالكامل إليها نهاية يونيو 2019، وذلك مع اقتراب اكتمال الحي الحكومي من البناء.

ويبعد موقع العاصمة الإدارية الجديدة حوالي 60 كيلومتراً من مدينتي السويس والعين السخنة لتتكامل مع تنمية محور قناة السويس. 

نموذج أستانا

ولعل التجربة التي خاضتها دولة كازاخستان بمنطقة وسط آسيا، في إنشاء مدينة أستانا كعاصمة جديدة للبلاد، عقب الاستقلال عن الاتحاد السوفيتي كانت النبراس والنموذج الذي تطلعت إليه مصر عندما فكرت في أن تخطو تلك الخطوة التي تأخرت كثيرًا، حيث أقام مؤسس الدولة نور سلطان نزارباييف المدينة الجديدة على بعد 2000 كلم من العاصمة القديمة ألماطي، على أحدث الطرق التكنولوجية واللمسات الجمالية التي جعلت المدينة قبلة السياح في العالم، فضلا عن كونها باتت مركز جذب للاستثمارات المتنوعة وريادة الأعمال، وهو ما ترجمه منتدى إكسبو 2017 الذي استضافته أستانا، كما أن الرئيس عبد الفتاح السيسي حرص خلال زيارته كازاخستان خلال عام 2015 على متابعة التفاصيل الدقيقة في العاصمة أستانا للاستفادة منها في العاصمة المصرية الجديدة.

حلم السادات يتحقق

ووفقًا للواء أركان حرب كامل الوزير، رئيس الهيئة الهندسية للقوات المسلحة، فإن الانتقال إلى العاصمة الإدارية الجديدة لن يكون نقل مكاتب فقط لكنه سيكون بمفهوم جديد للعمل ليكون بالفكر أيضا، بحيث أن من يذهب للعاصمة التي لم يتم اختيار اسمها حتى الآن سيجد شتى مناحي الحياة، بداية من الموصلات وصولاً للترفيه و المناطق الخضراء، لكي يتحقق حلم الرئيس الراحل محمد أنور السادات.

وكان السادات قرر نقل العاصمة إلى مدينة السادات التابعة لمحافظة المنوفية شمال غرب القاهرة، ولكن بعد اغتياله عام 1981 اغتيل معه الحلم في عهد الرئيس الأسبق حسني مبارك وتحول الحي الحكومي بالمدينة إلى مقر لجامعة المنوفية وبعض المديريات التابعة للوزارات الحكومية، واستمرت القاهرة في التكدس والتضخم والتلوث وظهرت العشوائيات التي كانت طيلة الوقت خنجر مسموم يهدد سكان العاصمة طيلة الوقت .

وفي عهد الرئيس الأسبق حسني مبارك، وضعت خطة لنقل مربع الوزارات من منطقة وسط القاهرة، التي تضم وزارات مثل التربية والتعليم، والتعليم العالي، والصحة، والإنتاج الحربي، ومجلس الوزراء، ومجلس النواب وهيئة التخطيط العمراني، إلى مدينة أكتوبر إلا أن الخطة لم تنفذ أصلا.

وزارة الاسكان هي الأخرى تقوم بمجهود خارق لتوصيل المرافق للمدينة، علاوة على الذين يعملون على تنفيذ العاصمة والحى الحكومي، كما أن مشروع العاصمة الإدارية الجديدة تقوم به شركات مصرية وطنية بنسبة 100% و تصمم بواسطة مكاتب استشارية مصرية، والهيئة الهندسية تساعد فى عدد من المشروعات بالتعاون مع وزارة الكهرباء، علاوة على أن الأموال التى تبنى بها العاصمة ليست من خزينة الدولة، ولم تأت من الخارج، بل من أموال بيع الأراضى بالعاصمة، ولعل مجهودات الدكتور مصطفى مدبولي في بناء العاصمة الإدارية كانت كارت مروره لكي يكون رئيسًا لوزراء مصر.

تحديات المشروع

ونجحت مصر في مواجهة تحديات مشروع العاصمة الجديدة، أهمها مدة التنفيذ المحددة بـ12 عاماً تنتهي المرحلة الأولى منها خلال 7 سنوات، إضافة إلى ضخامة التمويل الذي يصل إلى 80 مليار جنيه، حيث تقلصت المدة منذ البدء فيه إلى 5 سنوات فقط لكي يتكمل في 2020.

وتقع أرض العاصمة الجديدة فى المنطقة المحصورة بين طريقي "القاهرة – السويس"، و"القاهرة - العين السحنة" شرق الطريق الدائري الإقليمي مباشرة، أي بعد القاهرة الجديدة ومشروع مدينتي ومدينة المستقبل، ومن المنتظر أن تخدم التنمية والنهضة الاقتصادية للبلاد برمتها، وتشكل منعطفاً استراتيجياً مهماً ستسمح للشعب المصري بالسير قدماً نحو تحقيق تطلعاته بحياة أفضل، ودفع عجلة التطوير والنهضة الاقتصادية من خلال تطوير مشاريع جديدة للسكن والعمل.

ويساهم المشروع في تفريغ القاهرة من التكدس الناتج عن حركة العاملين بالوزارات والجهات الحكومية، فيما ستتحول العاصمة التراثية والثقافية والتاريخية إلى مقصدًا سياحيًا مثلما هو الحال عليه في مدينة روما القديمة والجديدة بإيطاليا، وتهدف خطة المشروع إلى نقل الوزارات المصرية إلى المدينة الجديدة لتقليل الاحتقان المزمن في القاهرة، ما يفتح آفاقا جديدة للتوسعة العمرانية الأفقية ويمهد الطريق نحو فكرة "الخروج من الوادي"، حيث تضم مقار للبعثات الدبلوماسية ووحدات سكنية وفنادق، وتشمل أيضا مطارا و90 كيلومترا مربعا من حقول الطاقة الشمسية، بالإضافة إلى استصلاح 4 ملايين فدان وإنشاء 3200 كيلومتر من الطرق، لكي يتكامل مع التنمية التي ستنتج عن تنمية محور قناة السويس.

حكاية الحي الحكومي

ويقع الحى الحكومى على مساحة 1133 فدانًا بما يعادل 4.8 مليون متر مربع، وتشمل المرحلة الأولى من الحى مبنى مجلس النواب، ومجلس الوزراء، بالإضافة إلى المرحلة الأولى من المبانى الوزارية بإجمالى 36 مبنى يسع 29 وزارة على مساحة 153 فدانًا، كما يضم مبانى لمختلف الوزارات بالإضافة إلى مبانى لبعض الهيئات والجهات التابعة لعدد من الوزارات، ووصل متوسط معدلات التنفيذ إلى حوالي 37 % "وفق تقديرات الهيئة الهندسية مطلع مايو" من خلال 12 شركة مقاولات مصرية.

رفع كفاءة العنصر البشرى

وتتولى وزارة التخطيط عملية تنظيم نقل الوزارات والهيئات للعاصمة الإدارية، بتكليف من رئيس الوزراء، وبناءًا عليه وضعت الوزارة خطة لتقييم العاملين بالجهاز الإدارى للدولة، لانتقاء العناصر الأكفأ للعمل على تدريبهم وتأهيلهم تمهيدًا لعملية النقل للعاصمة الإدارية، على أن تتم عملية الانتقال على مرحلة واحدة لمختلف الوزارات على أن يلي ذلك انتقال الهيئات والجهات التابعة للوزارات، مع رفع كفاءة العنصر البشرى وتحسين الخدمة المقدمة بما يواكب التطور التكنولوجي الذى سوف يشهده جهاز الدولة.

فوائد ربحية من العاصمة الجديدة

من جانبه أوضح محمد نجم، الباحث الاقتصادى، أن الفائدة الأعظم التى ستعود من العاصمة الإدراية هى الربح المادى المباشر، وأنه أمام كل جنيه مصري واحد يتم استثماره في البنية التحتية يعود للدولة 9.5 جنيه من الطرح أولي فقطـ، مضيفًا أنها ستشهد بناء أطول ناطحة سحاب فى إفريقيا، لذلك فإن الربح لن يكون ماديًا فقط، بل ترويجيا للسياحة فى العاصمة الجديدة، وأنه من الفوائد الكبيرة أيضًا تقليل "تكلفة الزحام" فى القاهرة أو القضاء عليها، مضيفا أن الزحام يخسّر الدولة 4% من ناتجها المحلى.

عوائق تطوير الموظف

بينما يقول أشرف العربي عضو لجنة الشئون الاقتصادية في مجلس النواب، لوكالة فرات للأنباء إن الحكومة المصرية تمتلك القدرة علي تطوير الجهاز الإداري من خلال تطبيق قانون الخدمة المدنية الذي يضم مواصفات عالمية لتطوير آداء العاملين في الحكومة، ويضمن ذلك إلا أن التكلفة الاقتصادية لتطبيق هذا القانون قد تكون عائقا، مؤكدًا أنه قبل تطبيق القانون يجب شرح الهدف منه وكيفية تطبيقه وتقييمه وتحسينه لتحقيق الأهداف وذلك يتطلب منظومة لحدوثه وهذه المنظومة تتطلب ميزانية وهنا يجد القانون عائقا فى التنفيذ .

وضرب أشرف العربي مثالا توضيحيا قائلاً إن موظفي الحكومة نحو 6.5 ملايين موظف الخاضعين منهم للخدمة المدنية نحو 3.5 ملايين موظف فقط، وإذا قامت الدولة بصرف نحو 2000 جنيه علي كل موظف لتدريبه مهنيا وتحسين أدائه سيكلفها ذلك نحو 7 مليارات جنيه، إضافة إلي أن هذا التطوير لن يحدث في عام واحد وإنما سيحدث علي مدى 4 أعوام كحد أدني ما يتطلب نفس التكلفة سنويا قائلا :" تطوير الموظفين موضوع هام جدا لكنه كبير اقتصاديا ".

وأوضح أستاذ الاقتصاد أنه من الممكن تطوير الموظفين قبل الانتقال المصالح الحكومية من القاهرة إلي العاصمة الإدارية الجديدة، لكن بشكل جزئي إذا قامت الدولة بتوفير الأموال والموارد البشرية "ووضع اساسيات التحول من نظام شئون العاملين إلي نظام تطوير آداء العاملين.

سبب تطوير القوة البشرية

وفسر النائب أشرف العربي سبب سعي الدولة ورغبتها في تطوير القوة البشرية والالتفات الي الآداء المهني لموظف المصلحة الحكومية، هو تباطؤ الأداء الإداري لموظفي الحكومة ما يتسبب في ازدحام المصلحة، فضلا عن ازدحام الطرق نفسها ما يعطل حركة السير في بعض المناطق، ويؤثر علي الاقتصاد إذ إن الحركة الاقتصادية مرتبطة بالوقت فكلما حصل المواطن علي الخدمات الحكومية في وقت قصير كلما كان العائد علي المواطن والدولة أكبر .

كيفية تطوير القوة البشرية

فيما قال أحمد سليمان عضو لجنة الإدارة المحلية بمجلس النواب إن الجهاز الإداري في جميع الوزارات والقطاعات بحاجة الي تطوير، وخاصة جهاز الإدارة المحلية لما يشهده من توافد كبير من المواطنين بشكل دائم ومستمر، مؤكدًا أن التطوير يتطلب لحدوثه تثقيف الموظف من خلال دورات تدريبية متخصصة في مجالات العمل تقوم الدولة بتوفيرها ووضع معايير محددة لاختيار القيادات بما يحقق العدالة وإنشاء وحدة متابعة لآداء الموظف وتقييم ذلك وبناء علي هذا التقييم يتم الترقية وصرف حوافز إثابة أو العقاب أثناء التقصير .

ولفت سليمان إلى أن السلوك أمر مهم في مشروع العاصمة الإدارية الجديدة، مشيراً إنه يستقبل شكاوي لا حصر لها بشأن سلوك الموظف وتعقيده لإجراءات المواطنين، مطالبا بوضع آلية محددة لتيسير اجراءات المواطنين وتقديم الخدمة لهم بطريقة ميسرة في جميع المصالح بما يحقق سرعة إنجاز العمل وجودته خاصة أن الاعتماد الحالي علي العنصر البشري القديم نظرا لعدم وجود تعيينات لذا وجب التشديد علي ضرورة تطوير القوة البشرية للارتقاء بالجهاز الإداري للدولة ومستوي الخدمة المقدمة للمواطن والحفاظ علي العلاقة بينه وبين الموظف .

قانون الخدمة المدنية

ويقول الدكتور ممدوح إسماعيل عضو لجنة صياغة اللائحة التنفيذية لقانون الخدمة المدنية بالبرلمان، إن هناك خطة للإصلاح الإداري للدولة تجري الآن أولي فعالياتها تزامنا مع وجود العاصمة الإدارية وهي الاستعداد لنقل موظفي الحكومة بشكل جديد وفقا لنص قانون الخدمة المدنية .

الوظيفة بالتخصص

ويضيف أن خطة التطوير لها عدة محاور مشيرا الي أهمها فيقول إنه يجري الآن تطوير الوظائف الحكومية وبطاقات الوصف والهياكل التنظيمية، مؤكدا أن تحديث البطاقات يجري حاليا بالتنسيق بين الوحدات المختلفة والجهاز المركزي للتطوير والإدارة وأنه إلزامي بنص القانون مؤكدا أن بعض الجهات اعتمدت هذا الشكل الجديد .

وعن الموارد البشرية يقول إن التعيينات الحكومية كانت تتم بدون خطة موارد بشرية، أما الآن فسوف تكون بناء علي تحديد الجهات لاحتياجاتها بشكل علمي وبالتالي تطلب هذه الجهات تعيينات تتماشي مع هذه الحاجة العلمية إضافة الي طلب تعيينات في حال الحاجة الي ذلك فقط.

اختبار مميكن لاختيار الموظفين

وكشف اسماعيل عن تغيير جذري في الجهاز الإداري للدولة فيما يتعلق بالتعيينات، مؤكدًا أنه لأول مرة في تاريخ الجهاز الإداري للدولة تم إغلاق كل الأبواب المؤدية للوظيفة فيما عدا باب واحد وهو "الاختبار المميكن"، وهو عبارة عن بنك أسئلة يضم اسئلة متخصصة وعامة ، يقوم المتقدم للوظيفة بالخضوع لهذا الاختبار والذي يكون التركيز فيه علي الأسئلة المتخصصة بنسبة 70% والأسئلة العامة بنسبة 30% وفي حال اجتياز الامتحان يحصل الفرد علي الوظيفة ليكون بذلك الامتحان المميكن والذي سوف يتم تحت اشراف الجهاز المركزي للتطوير والإدارة هو الطريق الوحيد للالتحاق بالوظيفة الحكومية.

تطوير الموظف الحكومي

وعن الموظف القديم أو الملتحق بالوظيفة الحكومية بالفعل قال إسماعيل عضو لجنة تأهيل وتطوير موظفي الدولة أن هناك منظومة لتدريبه وبناء قدراته وتقييم آدائه وتم تخصيص ميزانية لذلك، مؤكدا أن هناك اتجاها نحو زيادة المخصصات المالية لتدريب الموظفين وأن الجهاز الإداري للدولة سوف يشهد تطورا ملحوظا في الفترة القادمة .

معايير اختيار موظفي الدولة

وفي السياق نفسه أضاف أنه تم وضع معايير لتأهيل العاملين بالدولة وتطوير آدائهم المهني أهمها هو إجادة الموظف لمهارات الحاسب الآلي واستخدام شبكات التواصل المختلفة وإتقان لغة ثانية إضافة إلي اللغة الأم، مؤكدا أن الموظفين الحالين بعد خضوعهم للتدريب سيتم اختيار الأنسب منهم ليكون ضمن المنظومة الأساسية التي سيتم نقلها إلي العمل بالعاصمة الإدارية الجديدة،  ويأتي هذا الاختيار بناء علي المعايير السابقة تحقيقا للهدف المطلوب وهو وجود نظام إداري جديد ومتطور ومواكب للعصر .