الانتخابات الرئاسية التركية بعيون مصرية: سياسات أردوغان البهلوانية تؤرق الجميع

عبّر ساسة ومراقبون مصريون عن أملهم أن تسفر الانتخابات التركية المرتقبة في حزيران القادم، عن تغير في نظام الحكم المعادي لعديد من الدول في المنطقة ومن بينها مصر.

أسابيع قليلة وتنطلق الانتخابات الرئاسية التركية، المزمع إجراؤها في 24 حزيران المقبل، في ظل حالة الطوارئ المفروضة على البلاد من قِبَل نظام أردوغان منذ عامين. ويعتبر المراقبون المصريون أن حالة الطوارئ الجاثمة على صدور الشعب التركي وأحزابه وما صاحبها من اعتقالات للمعارضين، وفصل آلاف الموظفين بزعم تأييدهم للانقلاب الفاشل، تهيمن على المشهد التركي، إضافة على ما صاحبها أيضًا من عدوان تركي على مدينة عفرين السورية إضافة إلي مواصلة نظام اردوغان تدخله في شؤون العديد من البلدان العربية ومن بينها مصر.

وفي التقرير التالي نرصد رؤية ساسة مصريين، للانتخابات التركية؛ لاسيما أن مصر واحدة من أبرز البلدان العربية المتضررة من سياسات أردوغان التخريبية، و الاستعمارية.

حصار القوى الثورية والسياسية

البداية مع الكاتب والباحث في علم الأنثروبولوجيا الاجتماعية "عصام شعبان" الذي أكد في تصريح خاص لوكالة فرات للأنباء ANF، أن أردوغان استطاع إجهاض محاولات تأسيس تيار بديل سواء بالمحاولات المستميتة لمحاصرة حزب الشعوب الديمقراطي، أو عبر عمليات حصار متتالية للقوى الثورية والسياسية، خاصة بعد أحداث الانقلاب، حيث تم إغلاق المجال العام في تركيا بالإضافة إلي حبس العديد من رموز المعارضة التركية وعلى رأسهم صلاح ديمرتاش الرئيس السابق لحزب الشعوب الديمقراطي، والذي أعلن حزبه ترشحه للانتخابات الرئاسية المقبلة، رغم أنه يقبع في السجن منذ أكثر من عامٍ ونصفٍ، بعد أن بدأت محاكمته في ديسمبر الماضي، بتهمٍ تتعلق بالإرهاب يواجه خلالها أحكامًا قد تصل للسجن لأكثر من مائة وأربعين عامًا.

توافق المعارضة ضرورة

وأضاف شعبان، "أن كل محاولات وجود مرشح مدعوم من باقي التيارات السياسية لم تنجح، بسبب تمكن نظام أردوغان من تفتيت القوى السياسية وجعل جزء منها يتقاسم المصالح مع السلطة الحالية". وأشار إلى أن الوضع سيتغير في حال تحالفت القوى السياسية البارزة من أجل التغيير، لافتًا إلي أن الانتخابات الرئاسية ليست الطريق الوحيد للتغيير أو الإصلاح أو بناء واقع مختلف.

وبدره قال القيادي في حزب التحالف الشعبي الاشتراكي المصري، المهندس محمد صالح، في تصريح خاص لوكالتنا إنه رغم الميل المتزايد لانفراد أردوغان بالسلطة عبر تخويل مزيد من الصلاحيات له، وقمعه للمعارضة التركية، كان من المفترض أن يقابل ذلك بوحدة من المعارضة تستهدف تغيير الأوضاع على صعيدي الحريات والاقتصاد، لكن هناك تشتت في صفوفها وصعوبة في التوافق على مرشح منافس لأردوغان.

نفقات الحروب خصم للتنمية

وتابع صالح، أن الاقتصاد التركي رغم أنه احتل ترتيب متقدم عالمياً على مستوى الاقتصاد الكلى، إلا أن ظواهر مهمة تعترى هذا الاقتصاد مثل، عجز الميزان التجاري وانخفاض قيمة العملة والتضخم، مما يحتاج لتحليل إمكانية استدامة هذا النمو. واتفق عصام شعبان مع سبق قائلًا، إنه بلا شك الأوضاع الاقتصادية تؤثر على اتجاهات الرأي العام لكن من يستفاد من هذا التأثير، بمعنى هل هناك تيار سياسي يستطيع الاستفادة من رفض الوضع الاقتصادي للأتراك ويترجم ذلك السخط في الانتخابات الرئاسية.

ولفت إلي أن هذا الأمر بحاجة إلي تيار سياسي يرفع شعار مناهض للسياسات الاقتصادية القائمة على عدم التوزيع العادل للثروات ويقدم بديل، ويكون قادر على الوعد ويمتلك خطة للتغيير وأيضا يكون لديه قاعدة جماهيرية مؤمنة بالنمط الاقتصادي البديل. وأكد أن ليس الفقر وحده أو تأزم الوضع المعيشي هو الطريق لتغير البناء السياسي، فنفقات الحروب خصم لعملية التنمية.

نهب مقدرات الشعوب

أما الباحث في مركز البحوث العربية والإفريقية، مصطفى مجدي الجمال، فأوضح في تصريحه لوكالة فرات ANF أن الأوضاع الاقتصادية هي العامل الأول في حسم نتيجة الانتخابات، ورغم وجود بعض المؤشرات السلبية في الاقتصاد التركي جراء الأزمة الاقتصادية العالمية بالأساس، ثم بشكل خاص انخفاض قيمة الليرة التركية وإحجام المستثمرين الأجانب نسبيًا عن ضخ مزيد من الاستثمارات في تركيا، بسبب نذر الحرب المحيطة بالمنطقة، وبسبب الخوف من السياسات الاستبدادية الواضحة للحكم التركي. رغم كل ذلك فإن 16 عاماً من حكم أردوغان حققت ازدهاراً بشكل عام للأتراك. وبالأخص الإنفاق الكبير على البنية التحتية.

وأكد أن حكم أردوغان استفاد في ذلك من المكاسب المالية والاقتصادية للحروب في المنطقة، بالمكافآت المالية على تعاونه في دعم الجماعات الإرهابية وبالنهب المباشر للمقدرات السورية والعراقية، وابتزاز بعض الدول الخليجية، وغير ذلك. البديل وأضاف الجمال "ورغم تململ القطاعات الأوسع من الشعب التركي من كثير من سياسات أردوغان فهي لا تجد البديل المكافئ له، ولا المعارضة القادرة على تحدي حزبه المنظم جيداً والمتغلغل في معظم الأقاليم، والذي استفاد بشكل كبير من تسخير جهاز الدولة الذي يسيطر عليه منذ أكثر من عقد ونصف لاكتساب الشعبية والنفوذ على أرض الواقع المحلي.

سياسة أردوغان البهلوانية

وتابع الجمال :" على المستوى السياسي تحرك النظام التركي في كل الاتجاهات تقريباً بشكل "شبه بهلواني"، فهو مازال يملك ثاني أكبر جيش في حلف الأطلسي وينفذ معه الكثير من المهام "القذرة" في المنطقة. في ذات الوقت الذي يتقارب فيه مع الروس ويعقد صفقات ضخمة في مجالي الغاز والطاقة النووية.. كما لا يستطيع النظام التركي المغامرة بفقدان مصالحه الاقتصادية الكبيرة مع إيران إلى آخر الكثير من الجمع بين المواقف المتناقضة المشابهة، لكن هذه اللعبة الخطرة لا يمكن أن تستمر على المدى الاستراتيجي الطويل".

الانتخابات ليست حرّة

وأكد الجمال، أنه قد تجري الانتخابات التركية بشكل سليم إجرائيًا، لكنها في الحقيقة ليست حرة تمامًا بسبب الزج بالكثير من المعارضين في السجون، والحملات الإعلامية المسعورة عليهم، وفصل عشرات الآلاف من الموظفين والأكاديميين والقضاة.

وأضاف: "ويُسجَّل بشكل خاص في هذا المجال الاضطهاد الشنيع للقومية الكردية على كل المستويات الأمنية والثقافية والسياسية والاجتماعية". برجماتية أردوغان وتابع الجمال، مع ذلك لا يمكن إنكار أن حكم أردوغان يلعب الآن لعبة كبيرة لصالحه باتخاذ مواقف مرنة ومصلحية للغاية من الصراعات في المنطقة، فهو يحاول بنجاح سحب القواعد الشعبية للأحزاب القومية التركية التقليدية بسبب المواقف الأوربية الرافضة لانضواء تركيا في الاتحاد الأوربي.

وأشار إلى أن الإعلام التابع لأردوغان يبذل جهوداً مستميتة للتسوية بين الحركة المطالبة للحقوق المشروعة للقومية الكردية وبين الإرهاب الذي أصبحت محاربته نغمة كبرى في السياسة الدولية في العقود الثلاثة الأخيرة.