مجدداً يستخدم الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان القضية الفلسطينية كمسار ليعزز حظوظه وفرص حزبه "العدالة والتنمية" في الانتخابات المبكرة المقررة في 24 حزيران القادم، والتي سبقتها مؤشرات لحالة رفض شعبي كبير، بدت معالمه على مواقع التواصل الاجتماعي الذي غرد نشطاءه بهاشاغ "كفى"، في أعقاب خروج أردوغان وقوله إنه لن يترشح للانتخابات وسيغادر إذا خرج الشعب وقال له ذلك.
اللعب على وتر القضية الفلسطينية، والتشاحن مع إسرائيل ليس أمر جديد على أردوغان الذي يلوح باستمرار بقطع العلاقات مع إسرائيل إلا أنه لم يجرؤ على اتخاذ أيّ خطوات حيال هذا القرار أبداً، خاصة تلك المتعلقة بالتبادل التجاري الكبير بين البلدين، والذي يستفيد منه حزب الحرية والعدالة أكثر من غيره.
طرد متبادل للسفراء واحتفاظ بالعلاقات الاقتصادية
وفي الوقت الذي وصلت فيه الأحداث مؤخراً بين البلدين إلى طرد السفير الإسرائيلي لدى أنقرة، وهو الأمر الذي ردت عليه إسرائيل بالمثل، إلا أن الأمر لم يتجاوز هذه الخطوة بأيّ حال من الأحوال.
وفي الوقت الذي خرج وزير الزراعة الإسرائيلي، ليعلن وقف استيراد المنتجات الزراعية التركية، إلا أن تركيا لم تتخذ أي خطوة شبيهة، بل على النقيض وقف أعضاء حزب التنمية والعدالة، في البرلمان التركي في مواجهة مشروع تقدم به حزب الشعب الجمهوري، من أجل إلغاء الاتفاقيات الموقعة مع إسرائيل.
ويؤكد المراقبون على أن هذا المشهد بالتحديد هو أهم الأمور التي تظهر زيف وكذب وادعاء أردوغان وحزبه، ففي الوقت الذي يخرج أردوغان ويقول عن إسرائيل بأنها "دولة الاحتلال والإرهاب"، يصوّت أعضاء حزبه في البرلمان مع رفض مقترح إلغاء الاتفاقيات الموقعة مع إسرائيل، وليكون صوت نوّاب أردوغان في البرلمان هو العائق في وجه مسار يلوح به أردوغان أو يدّعيه.
والحقيقة أن العلاقات الاقتصادية بين تركيا وإسرائيل بلغت أوجها خلال حكم أردوغان، وتضاعفت لأربعة أضعاف، وفقا لما تؤكّده وسائل الإعلام الإسرائيلية استناداً على إحصائيات رسمية، وحتى أنّ العام الماضي وصلت زيادة التبادل التجاري بين البلدين حولي 14%.
ولا يقف الأمر عند هذا الحد، بل إنه ووفقا لإحصاءات صندوق النقد الدولي فإنّ إسرائيل كانت عاشر أكبر سوق للصادرات التركية في 2017، حيث اشترت سلعا بحوالي 3.4 مليار دولار. ويوصف البلدان العلاقات الاقتصادية بينهما بالممتازة، ويؤكّدان على عمق العلاقات البينية خاصة على الصعيد الاقتصادي وهو ما يخالف كل ما يقوله أردوغان.
ماذا أراد أردوغان من القمة الإسلامية؟
واستضافت مدينة اسطنبول، الجمعة قمّة إسلامية طارئة، شارك فيها عدد محدود من قادة الدول الإسلامية، في وقت شهدت شبه غياب كامل لتمثيل القادة العرب فيها، التي تأتي بالأساس للحديث عن تطورات الأوضاع في فلسطين، حيث بحثت مسألة نقل السفارة الأمريكية من تل أبيب إلى القدس، إضافة إلى ما شهدته غزة من أحداث وتصعيد إسرائيلي.
والواضح أن غياب القادة العرب عن القمة الإسلامية كان واضح الأسباب، فأردوغان واصل هجومه الضاري على الدول العربية، فيما يتعلق بالأوضاع في غزة ومسألة نقل السفارة الأمريكية من تل أبيب إلى القدس والتي جرت في 14 أيار، بالرغم من الرفض الدولي لهذه الخطوة.
وافتتح قمة "استثنائية" لمنظمة التعاون الإسلامي في اسطنبول لإدانة إسرائيل إثر مقتل عشرات الفلسطينيين في قطاع غزة الاثنين.
ويشير المراقبون إلى أن أكبر دليل على أنّ أردوغان أراد استغلال حدث القدس وغزة، أنه وقبل افتتاح القمة الإسلامية، تحدّث في تجمّع جماهيري لآلاف المتظاهرين، الذين دعاهم إلى التظاهر اعتراضاً على نقل السفارة، ليقول بأن "العالم الإسلامي فشل في امتحان القدس".
والواضح أن أردوغان يرغب بالأساس أن يكون هو الناجح الوحيد والرابح الأوحد أمام صناديق الاقتراع، في المقام الأول، ولذلك سعى نحو هذا الحشد مستغلا الوضع الفلسطيني المشتعل، وبصورة ربما لم نقابلها وقت الإعلان الأمريكي بنقل سفارة واشنطن إلى القدس والذي أعلنه الرئيس دونالد ترامب نهاية العام الماضي.
الغريب في القرار الصادر عن القمة الإسلامية التي ترأسها أردوغان لم يحمل أيّاً من التلويح الكلامي الذي أطلقه هو نفسه، والذي انتقد فيه عدداً من الدول العربية، التي استبقت قمّته باجتماع طارئ لوزراء الخارجية العرب في القاهرة، الخميس 17أيار، لتخرج بقرارات هي نفسها قرارات القمة الإسلامية مع اختلاف الصياغات والبنود، والتي تأتي"تشكيل لجنة تحقيق دولية" كأهمها وهي التي بدأت المجموعة العربية في التحرّك بصددها لدى الأمم المتحدة ومجلس الأمن بالفعل.
الغريب أنّ أردوغان وجّه انتقادات كبيرة للدول الإسلامية، مرجعاً سبب الانتهاكات التي ترتكبها إسرائيل للخلافات بين المسلمين أنفسهم، لكنّه في الوقت ذاته لم يتحدّث عن الانقسامات الداخلية على الصعيد الفلسطيني, بل يقوم بدعم حركة حماس بقوّة, بحسب متابعين للشأن الفلسطيني.
وفي الأخير فإن كل المؤشرات تشير إلى أن هذا التصعيد الذي يقوم به أردوغان مع إسرائيل واستضافة القمة الإسلامية قد يساهم في تعزيز رصيده بين أنصاره، وذلك في خضم الاستعداد للعملية الانتخابية.
مسار العلاقات البينية
وكانت هناك أزمة شبيهة بين البلدين، في 2016، لكن وبالرغم من هذه الأزمة استمرّ التعاون العسكري والتجاري بين البلدين، اللذين تعود عمق العلاقات فيما بينهما إلى قرابة الـ 70 عاما، حيث كانت تركيا أول دولة اسلامية تعترف بإسرائيل في 1949.
ولمزيد من التذكير بالمسألة فإن إسرائيل وتركيا خلال هذه الأزمة وقعتا اتفاق مصالحة، كان شرطه رفع الحصار عن قطاع غزة من قبل إسرائيل وهو الأمر الذي لم يحدث وبالرغم من ذلك سرى الاتفاق وعادت العلاقات الدبلوماسية والعسكرية والاقتصادية.
وبالرغم من حالات التوتر التي يطلقها العدالة والتنمية في مواجهة إسرائيل في مناسبات عدّة، إلا أنه يظلّ محافظاً على كافة الاتفاقيات التي جرت منذ تولي الحزب السلطة في 2002، بالرغم من بعض الانتقادات التي جرت مع اندلاع الانتفاضة الفلسطينية الثانية، ثم حالة التوتر بعد حرب غزة في 2009، وبلغت الأمور ذروتها بعد الاعتداء على السفينة "مرمرة" في 2010، لكن هذا التوتر لم يخرج عن السياق الكلامي السياسي ولم يلقِ بظلاله لا على التبادل التجاري أو حتى على صفقات السلاح.
وشهدت العلاقات بين البلدين في الفترة الأخيرة تحسناً كبيراً، خاصة بعد أن توصل الطرفان إلى اتفاق تدفع بموجبه إسرائيل تعويضات لتركيا مقابل عودة العلاقات إلى مجراها، وحتى أن السفارة الإسرائيلية أقامت حفلا كبيرا في إسطنبول بمناسبة مرور 70 عاما على إقامة إسرائيل بمشاركة مسؤولين أتراك كبار.
وأخيراً؛ فإنّ المشهد العام يؤكد أن أردوغان يستغل اللعب بورقة فلسطين ومعاداة إسرائيل اليوم، من أجل نيل مكاسب وحشد مزيد من التأييد على صعيد الانتخابات المرتقبة، وإلّا فإنّه، وبالرغم من حالات الشد والجذب التي يلمح لها بين حين وآخر، يرفض إلغاء عقود الدفاع أو العقود الاقتصادية معها، وخاصة في هذا الوقت العصيب الذي يعاني فيه الاقتصاد التركي ركوداً، وهو ما يبدو جليّاً في حالة الانهيار التي تمرّ بها الليرة التركية.