"تحالف المغضوب عليهما".. ماذا تحمل الشراكة الاستراتيجية بين بوتين وكيم للعالم؟

يوم تلو الآخر يتأكد أن شكل النظام العالمي يتغير، حيث يجمع خبراء على ذلك، ما وضح من زيارة بوتين إلى كوريا الشمالية.

أبرز ما تمخض عن زيارة الرئيس الروسي فلاديمير بوتين إلى كوريا الشمالية ولقائه مع كيم جونج أون هو ما تنص عليه اتفاقية التعاون الاستراتيجي بين الدولتين، إذ أكد بوتين أنها تشمل تقديم المساعدة في حالة تعرض أحد الطرفين لعدوان، أي أننا واقعيًا أصبحنا أمام اتفاق للدفاع المشترك بين الدولتين، ومعروف المعتدين المحتملين سواء الولايات المتحدة أو كوريا الجنوبية أو اليابان أو غيرهم من حلفاء واشنطن في جنوب شرق آسيا.

والأعمق من مسألة الاتفاق الدفاعي بين موسكو وبيونغ يانغ أن الزيارة بصفة عامة تأتي في إطار مساع وخطوات يقوم بها الرئيس الروسي لبلورة نظام عالمي جديد على الأقل تُكسر فيه الهيمنة المنفردة للولايات المتحدة على العالم في إطار الصراع الذي أججته أكثر الحرب في أوكرانيا، وهي المساعي التي تلقى هوى لدى كثير من الدول وتتقاطع مع خطوات قوى أخرى مثل الصين.

نظام عالمي جديد؟

لا يتوفر وصف.

يقول محمد العالم الكاتب الصحفي المتخصص في الشؤون الخارجية، في حديث لوكالة فرات للأنباء (ANF)، إن هذه الزيارة بها نوع من الإعلان الرسمي عن بدء تكوين النظام العالمي الجديد، على نحو بين في كثير من تصريحات الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، مشيرًا إلى أن الشراكة الاستراتيجية التي أعلن عنها ترفع كثيرًا من الضغط الممارس ضد كوريا الشمالية والعقوبات المفروضة عليها، وبالتالي فإن بيونج يانج بدلًا من الالتفاف على العقوبات والضغوطات التي تمارس عليها، فإنها تجد في تغير شكل النظام الدولي مخرجًا، وهذا النظام الدولي يفرض نفسه، فقد أشار بوتين إلى أن هناك مساع إليه، وقد كانت بالفعل هناك خطوات واقعية من الصين وروسيا نحو هذا النظام مثل مجموعة بريكس وتوسيعها وغيرها من الأمور المماثلة.

واعتبر العالم أن هذه الشراكة تعد حجر أساس في إقامة نظام عالمي جديد متعدد الأقطاب لن يعتمد على الدول الغربية أو الولايات المتحدة الأمريكية فقط، وإنما ستكون هناك قوى عديدة ومنظمات أخرى، وربما نجد صيغة شبيهة لحلف شمال الأطلسي "ناتو"، خصوصًا أن فكرة البريكس كقوة اقتصادية مرشحة لتكون قوة عسكرية مستقبلًا، لأن حجم المشروعات بين تلك المجموعة والطرق الطويلة مثل طريق الحرير تحتاج إلى قوة عسكرية تحميها، وبالتالي يمكن أن تتعاون عسكريًا مستقبلًا وتشكل قوة موحدة.
وفي ختام تصريحاته لوكالة فرات للأنباء (ANF)، يؤكد العالم إن ما يحدث بين روسيا وكوريا الشمالية دليل وحجر أساس فعلي بأن النظام العالمي الجديد موجود حاليًا، وأن العالم يعيش هذه المرحلة الجديدة حتى لو لم يكن هناك طابعًا رسميًا لهذا النظام الجديد، معربًا عن أن زيارة بوتين لكوريا الشمالية خطوة ستتبعها لاحقًا كثير من الخطوات.

الحديث موجه لأمريكا

ويبدو أن هناك ما جعل الرئيس الروسي يمضي أكثر نحو تعزيز الشراكة مع كوريا الشمالية، لا سيما مع سماح الولايات المتحدة الفترة الماضية لأوكرانيا باستخدام أسلحة أمريكية في استهداف بعض المناطق داخل عمق الأراضي الروسية، لا سيما وأن موسكو لم تسقط أمام كل هذا التحشيد الغربي خلف كييف، وبالتالي من المتوقع مزيد من التصعيد للمعركة ضد الجانب الروسي.

وهذا الأمر قد اتضح خلال كلمة الرئيس الروسي إذ ذكر بتصريحات الولايات المتحدة ودول الناتو الأخرى بشأن توريد أنظمة أسلحة عالية الدقة بعيدة المدى ومقاتلات "إف-16" وغيرها من الأسلحة والمعدات المماثلة لشن ضربات على الأراضي الروسية، مضيفا: "هذه ليست مجرد تصريحات، هذا يحدث بالفعل، هذا انتهاك صارخ للمواثيق الدولية التي تتحمل الدول الغربية مسؤولية الالتزام بها، وفي هذا الإطار فإن روسيا الاتحادية لا تستبعد تطوير التعاون العسكري التقني مع كوريا الشمالية وفقا للمعاهدة الموقعة بين البلدين".

لا يتوفر وصف.

يقول ماركو مسعد الباحث في العلاقات الدولية بمركز الشرق الأوسط في واشنطن، خلال اتصال هاتفي لوكالة فرات للأنباء (ANF)، إن التحالف بين روسيا وكوريا الشمالية يمكن تسميته بـ"تحالف المغضوب عليهم"، بمعنى أن الاثنتين كانتا معزولتين لا سيما بعد الحرب الروسية الأوكرانية من المجتمع الدولي كما أن بوتين يطارده حكم قضائي، وبيونج يانج معزولة ومحاصرة دوليًا.
ولفت إلى أن روسيا كانت قبل نحو 3 سنوات موافقة على القرار الأممي بفرض حصار على كوريا الشمالية، الآن موسكو تحاول إلغاء هذا القرار الذي دعمته منذ فترة، وتعمل على إبرام اتفاقات معها، متحدثًا كذلك عما أثير من أن الاتفاق بينهما ينص على أن أي اعتداء على أي دولة منهما يستوجب دفاع الثانية عن الأولى، ما يثير تساؤلات حول ما إذا كان هذا الأمر يشبه فكرة "الناتو" وما إذا كان سيطبق أم أنه هذا المبدأ مجرد فكرة لم تتبلور بعد.

خيارات أمريكية

وعن الموقف الأمريكي، يرى مسعد أن واشنطن لديها قلق إزاء هذا الأمر، لأن هناك حلفاء لأمريكا مثل كوريا الجنوبية واليابان، وأي خطر عليهما يعني خطرًا على مصالح الولايات المتحدة، وكوريا الجنوبية هدف أول لجارتها الشمالية، كما أن واشنطن قلقة من طبيعة التعاون العسكري بين بوتين وكيم، إذ تحصل روسيا على ذخيرة وأسلحة كثيرة من بيونغ يانغ، وبالتالي السؤال هنا ما الذي سيعطيه الجانب الروسي لنظيره الكوري الشمالي.

ويؤكد أن الأمر الأخير هذا يثير قلق واشنطن، لأنه من المعروف أن بيونج يانج لديها ترسانة أسلحة نووية، لكنها تفتقد إلى بعض الجوانب التكنولوجية والفنية لتطوير تلك الترسانة، والمقلق هنا لواشنطن أن تعطي روسيا تكنولوجيا عسكرية للكوريين الشماليين كالسماح لهم بالدخول إلى الأقمار الصناعية الروسية والوصول إلى التكنولوجيا الروسية المتطورة النووية.

وأضاف أن هذا يشكل خطورة على المصالح الأمريكية وعلى حلفاء واشنطن في هذه المنطقة، مشيرًا في هذا السياق إلى قمة عقدت قبل فترة في الولايات المتحدة ضمت الفلبين وكوريا الجنوبية واليابان وهذا يأتي في إطار التحرك الأمريكي لاحتواء الصين وكوريا الشمالية، وقريبًا ستكون هناك قمة لحلف الناتو ويتوقع خلالها إعلان الولايات المتحدة والحلف عن اتفاقية دفاع مشتركة مع كوريا الجنوبية واليابان.

ويوضح أنه في ضوء الإعلان المتوقع، فإن أي اعتداء على سيؤول أو طوكيو من أي دولة أيًا كانت سيتم الرد عليه عسكريا من قبل واشنطن والناتو، أي أن الجانب الأمريكي سيرد على شراكة كوريا الشمالية وروسيا الدفاعية بنفس النهج، مشددًا على أن واشنطن تراقب ما يجري عن كثب لأن الأمر مقلق ويدخل فيه تطوير سلاح نووي.

وعبرت الولايات المتحدة يوم الإثنين الماضي عن "قلق" إزاء زيارة بوتين بسبب التداعيات الأمنية على كوريا الجنوبية وأوكرانيا، إذ لا تزال الكوريتان في حالة حرب منذ الحرب بينهما من 1950 إلى 1953 وتعد الحدود التي تفصلهما من أكثر الحدود تحصينا في العالم، وفي دليل على هذه الهواجس الأمنية، أعلنت كوريا الجنوبية أن قواتها أطلقت طلقات تحذيرية على جنود من الشمال عبروا الحدود لفترة وجيزة الثلاثاء الماضي ثم انسحبوا.