آخر مظاهر تلك العلاقة المتوترة، كان الحديث التركي عن إرجاء زيارة كانت مقررة لـ "أردوغان" إلى الولايات المتحدة في 9 مايو/أيار الجاري، دون أن يتم تحديد موعد جديد لها، ويبدو أنه – إلى جانب قضايا أخرى – فقد جاء الوضع في قطاع غزة وعلاقة أنقرة مع حركة حماس لتفجر خلافاً جديداً في العلاقات بين البلدين المتوترة بالأساس على مدار الأشهر الماضية.

كما كشفت وسائل إعلام أمريكية أن هناك إشكالية أخرى تتعلق بعدم جدية أنقرة في الالتزام بالعقوبات الأمريكية المفروضة على روسيا، على نحو يساعد موسكو في التحايل عليها، وهو أمر تعتبره واشنطن بمثابة دعم للروس ضد أوكرانيا، والأمر ذاته يمتد إلى إيران، حيث أن الولايات المتحدة لديها عديد من التحفظات على العلاقة بين الأتراك وطهران.

ليست في أفضل حالاتها

في هذا السياق، يقول حازم الغبرا المستشار السابق بوزارة الخارجية الأمريكية، في تصريحات لوكالة فرات للأنباء (ANF)، إنه بصفة عامة فكرة الزيارات لم تعد ذات أهمية تذكر في ظل وسائل الاتصال المختلفة بين الدول وسط هذا التقدم التكنولوجي، ولكن اللقاءات التي تأتي وجهاً لوجه في الوقت الحالي، فإنها تكتسب أهميتها من كونها تعبر عن أن هناك تغيراً إيجابياً في العلاقة.

وأضاف الغبرا، أن هذا الأمر غير متوفر في العلاقة بين الولايات المتحدة وتركيا، فقد تم الحديث عن زيارة أردوغان وتأكيدها سابقاً بعد موافقة الأتراك على انضمام السويد وفنلندا لحلف شمال الأطلسي "الناتو"، لكن من الواضح أن الأمور وقتها كانت متجهة إلى الأفضل، ومع ذلك هناك مشكلات واضحة خلال الفترة الماضية، ولهذا يتم تأخير الزيارة.

وأوضح أن من بين الأسباب الوضع في قطاع غزة، إذ أن واشنطن ترى أن أنقرة لا تقم بالضغط بشكل كاف على حركة حماس من أجل دفع المفاوضات التي تجري في الفترة الأخيرة إلى الأمام، بل إنها رأت العكس من الطرف التركي، وبالتالي العلاقات ليست في أفضل حالاتها بين البلدين.

واعتبر المستشار السابق بوزارة الخارجية الأمريكية، أنه في الوقت الراهن – أي في ضوء تطورات غزة – فإن زيارة أردوغان للولايات المتحدة ليست جيدة سياسياً له، كما أن الأمر نفسه بالنسبة للرئيس الأمريكي جو بايدن، لا سيما وأنه مقبل على انتخابات، معرباً عن اعتقاده أن الطرفين ربما رأوا أن الزيارة ليس توقيتها المناسب الآن، وأن هناك إمكانية أن تحدث إذا كان هناك تطور ما إيجابياً على مستوى العلاقات، لا سيما حرب غزة.

وأكد عدد من وسائل الإعلام الأمريكية أن استقبال أردوغان، على سبيل المثال، رئيس المكتب السياسي لحركة حماس إسماعيل هنية الأسبوع المنصرم، من الأمور التي تزيد العلاقة جدلاً بين واشنطن وأنقرة، خاصة أن الأولى طلبت أكثر من مرة ألا تتحول الأراضي التركي إلى ساحة مفتوحة لنشاط حركة حماس، لدرجة أنها أوفدت قبل فترة مسؤولاً من وزارة الخزانة الأمريكية إلى تركيا لمناقشة الأمر جنباً إلى جنب مع عقوبات روسيا.

لن تحدث؟

بدوره، يقول الدكتور نبيل ميخائيل أستاذ العلوم السياسية بجامعة جورج واشنطن إن زيارة الرئيس التركي إلى الولايات المتحدة قد لا تحدث من الأساس، مشيراً إلى أن أردوغان قال إن لديه ارتباطات أخرى تتزامن مع موعد الزيارة التي تم ترتيبها، لكن الطرفين أكدا أنهما لا يزالا في حوار واتصالات.

وأضاف ميخائيل، في تصريحات لوكالة فرات للأنباء (ANF)، أنه ربما الرئيس التركي تعرض لضغوط في داخل تركيا لتأجيل الزيارة أو إلغائها، حتى لا يظهر أمامهم وكأنه يقف في صف الرئيس الأمريكي، الذي ترى الدول العربية والإسلامية ودول كثيرة أنه منحاز لإسرائيل.

ويقول أستاذ العلوم السياسية في جامعة جورج واشنطن إن سبباً آخر لهذه الزيارة ربما يرتبط برغبة الولايات المتحدة في إبعاد الجانب التركي عن إيران، لكن من الواضح أن أنقرة تنسق مع طهران عن طريق الوساطة الروسية، ورأينا كثيراً الرئيس الروسي فلاديمير بوتين يجمع الرئيسين التركي والإيراني، ويتفاهمون في بعض الأمور التي تهم المصالح الروسية، أو تلك المتعلقة بالوضع في سوريا أو لبنان أو فلسطين أو اليمن.

ويؤكد ميخائيل أن الزيارة قد لا تتم، معرباً عن اعتقاده أنه حتى لو كان هنا حوار بين أنقرة وواشنطن، فالمواقف متباعدة بينهما للغاية، لا سيما أن الثانية تريد أن تلعب الأولى دوراً في سياسة احتواء إيران، فضلاً عن التباينات الحادثة بين البلدين في ملف غزة.

وتنضم علاقة تركيا بحماس وموقفها من إيران، إلى ملف آخر قديم يشكل مصدر خلاف دائم، وهو الاعتداءات التركية التي لا تتوقف على المناطق الكردية سواء في شمال سوريا أو العراق، والتي أوقعت كثيراً من الضحايا المدنيين وطالت البنى التحتية.