"فيتنام جديدة؟".. احتجاجات الجامعات تضع بايدن أمام أخطر مأزق سياسي
على نحو لم يكن متوقعاً، اندلعت شرارة الاحتجاجات في جامعات أمريكية كبيرة، رفضاً لممارسات إسرائيل بقطاع غزة، ثم تتوسع أكثر، ليجد الرئيس جو بايدن نفسه أمام أخطر مأزق سياسي.
على نحو لم يكن متوقعاً، اندلعت شرارة الاحتجاجات في جامعات أمريكية كبيرة، رفضاً لممارسات إسرائيل بقطاع غزة، ثم تتوسع أكثر، ليجد الرئيس جو بايدن نفسه أمام أخطر مأزق سياسي.
أزمة احتجاجات الجامعات إشكاليتها الرئيسية أنها تأتي في عام انتخابات الرئاسة الأمريكية، حيث يُحمل هؤلاء الطلاب المشاركين فيها الإدارة مسؤولية القتل والتدمير والخراب، الذي يحدث في قطاع غزة، يرون أنه جزء من سببه الدعم الأمريكي لإسرائيل، وبدلاً من التعاطي معها، فضّل بايدن الصمت لفترة طويلة، وترك الشرطة تتعامل بقمع، ولمّا تحدث مؤخراً حاول إمساك العصا من المنتصف، بعبارات فضفاضة، لم تشفع له أمامهم.
بل ذهب بعض السياسيين إلى اعتبار احتجاجات الجامعات "فيتنام بايدن"، ومن هؤلاء السيناتور البارز بيرني ساندرز، الذي قال إنه خلال حرب فيتنام كان ليندون جونسون رئيساً جيداً، لكنه في النهاية اختار عدم الترشح للولاية الثانية عام 1968، نتيجة المعارضة الشديدة لسياساته بشأن الحرب الفيتنامية.
هزة سياسية
يقول الدكتور مهدي عفيفي القيادي العربي بالحزب الديمقراطي الأمريكي، في حديث لوكالة فرات للأنباء (ANF)، إن احتجاجات الجامعات حدث مهم جداً، خلق حالة من الرعب في الكونجرس ولدى القيادات السياسية في أماكن كثيرة، على رأسها إسرائيل، لافتاً إلى أنه كون رئيس الوزراء الإسرائيلي يتحدث عن هذا الأمر ويحاول تشويهه، فهذا "نوع من الخوف".
وأوضح عفيفي، في سياق تحليله لهذا الاحتجاجات، أن المشاركين فيها ينحدرون من أرقى الجامعات ليس في الولايات المتحدة فحسب، بل في العالم كله ويأتي إليها الطلاب من كل مكان، معتبراً أن ما يجري هزة كبيرة أمام الإدارة والمؤسسات الأمريكية، منوهاً إلى أنه مهما يحدث من قمع، فإن هذا الأمر يزيد من حدة المظاهرات ويدفع لمزيد من المشاركة فيها.
ويرى عفيفي أن سبب تصاعد الاحتجاجات، أن ردة الفعل عليها لم تكن مقبولة وعلى غير ما هو معتاد في الولايات المتحدة، فالمادة الأولى من الدستور الأمريكي هي الحق في حرية التعبير، بمن في ذلك الذين يدعمون العنصرية، فأتت الاحتجاجات المناهضة لتل أبيب وردود الأفعال عليها لتعبر عن حالة انحياز واضحة للإسرائيليين سواء من الرئيس نفسه الذي قال إنه صهيوني، ووزير الخارجية والمتحدث باسم البيت الأبيض.
وذكر السياسي الأمريكي أن الاحتجاجات تصاعدت بشكل كبير، لدرجة أنها خلقت حالة من الذعر الشديد لدى السياسيين الأمريكيين، لافتاً إلى أنه سيكون لها تأثيرها الكبير على الانتخابات الرئاسية الأمريكية، مشيراً إلى أنه – على سبيل المثال – وجدنا بايدن ولأول مرة في التاريخ يطلق حساباً خاصاً له على منصة "تيك توك" الصينية، لكن 70% من هؤلاء الشباب يرفضون كل ما يقوم به الرئيس الأمريكي.
وأضاف أن هذه الأوضاع ليست بالأمر السهل، ولهذا تحاول حملة بايدن أن تفعل شيء، ولكن ما يحدث هو العكس، وكلما تكلم الرئيس وأعطى وعوداً كلما زاد تصميم الشباب على أن السياسات السابقة لا يمكن أن تستمر، هذا إضافة إلى تأثير ذوي الأصول العربية في ولاية مثل ميشيجان، وهؤلاء كان لهم تأثيرهم، ولهذا نرى أن الاحتجاجات تتوسع في غيرها من الجامعات، مشدداً على أن الرئيس بايدن سيدفع ثمن ذلك كبيراً في الانتخابات.
وكان رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو انتقد بشدة هذه الاحتجاجات، معتبراً أنها تشبه ما حدث في ألمانيا في الثلاثينات إبان النازية، كما أعرب عن رؤيته بأنها احتجاجات معادية للسامية، وأن هؤلاء المعادين للسامية استولوا على جامعات رائدة ويدعون إلى تدمير إسرائيل.
حدث تاريخي
ماركو مسعد الباحث في مركز الشرق الأوسط للسياسات في واشنطن يقول إن الولايات المتحدة لم تشهد احتجاجات مشابهة منذ حرب فيتنام تقريباً، وبكل هذا الإصرار الكبير من الشباب الراغب في إيصال رسالته إلى الرئيس جو بايدن لوقف الحرب على غزة، ووقف التعاون الثقافي والبحث العلمي مع الجامعات الإسرائيلية، وبالتالي فهذا حدث مهم في التاريخ السياسي الأمريكي.
ويرى مسعد، خلال تصريحات لوكالة فرات للأنباء (ANF)، أن الاحتجاجات سيكون لها تأثيرها على الانتخابات الرئاسية الأمريكية، لأن بايدن بالأساس في موقف حرج، إذ أن شعبيته في أدنى مستوياتها على نحو تاريخي، وصلت إلى نحو 35% فقط، وفق الاستطلاعات، بالإضافة إلى مشكلة التضخم وأخطاء سياساته في الشرق الأوسط، وكذلك عدم احتواء الصين في بحر الصين الجنوبي وأفريقيا.
ولفت إلى أن بايدن يعاني من الأساس قبل هذه الاحتجاجات، وبالتالي عند تحليل هذه المظاهرات فإن من يقومون بها هم من الشباب، ومن العرب واللاتينيين ومن ذوي الأصول الأفريقية، أي أنهم ليسوا عرباً أو مسلمين فقط، وبالتالي فإن هذا يعبر عما قد يجري في الانتخابات الرئاسية المقبلة، ونمو حالة الرفض يوماً تلو الآخر، تجاه الرئيس الحالي وسياساته الداخلية والخارجية، مشدداً على أن ما حدث في غزة قد "زاد الطين بلة".
ويرى بعض المراقبين أن احتجاجات الجامعات ما هي إلى التعبير الأكبر عن حالة الرفض المتراكمة على مدار عقود تجاه سياسات الدعم الأمريكي لإسرائيل والجرائم التي ترتكب بحق الشعب الفلسطيني، وأن واشنطن كان يجب عليها في المقابل أن تلعب دوراً أكبر من أجل حل سياسي يحقق السلام الدائم ويوفر للفلسطينيين الحد الأدنى من المعيشة.