مصر تدعم تحولها إلى مركز إقليمي للطاقة باتفاقيات جديدة تعزز مساعيها 

تعددت اتفاقيات الغاز التي أبرمتها مصر مؤخراً، استمراراً لسعيها للتحول إلى مركز إقليمي للطاقة وتداول الغاز، مدعومة بعلاقاتها المتينة مع الاطراف الرئيسية في شرق المتوسط، باستثناء تركيا التي تقوم بتحركات مناوئة للتحالف المصري اليوناني القبرصي.

كشفت مصادر مصرية وقبرصية مسؤولة لوكالة فرات للأنباء ANF، عن قرب الانتهاء من اتفاقية حكومية بين مصر وقبرص لنقل الغاز القبرصي إلى مصر لإعادة تصديره إلى أوروبا أو استغلال جزء منه محلياً، وذلك عبر بناء خط أنابيب تصل اكتشافات الغاز القبرصية بالبنية التحتية للغاز في مصر، وتحديداً من حقل "أفروديت" للغاز عبر "قطاع أو بلوك 12" جنوب جزيرة قبرص، لتصل إلى محطات الطاقة وإسالة الغاز في شمال مصر.

وأكدت المصادر أن اليونان وقبرص وإيطاليا وبريطانيا ومعظم دول الاتحاد الأوروبي يدعمون تحول مصر إلى مركز إقليمي للغاز، وتعزيز امكانياتها من خلال الاكتشافات الحديثة وتطوير البنية التحتية الخاصة باستغلال الغاز ونقل وتوطين التكنولوجيا المستخدمة في ذلك.

وأوضحت المصادر أن الهدف من الاتفاق هو بناء خط أنابيب تحت البحر لنقل الغاز القبرصي إلى منشآت التسييل المصرية في إدكو بدمياط، مشيرة إلى أنه خلال الشهور القليلة المقبلة في خريف 2018 سوف يتم توقيع الاتفاقية، التي وافق عليها ودعمها أيضا الاتحاد الأوروبي الذي سيستفيد من اعادة تصدير مصر لهذا الغاز إلى دوله الأعضاء، ويأتي ذلك بالتزامن مع قرب بدء الحكومة القبرصية لمفاوضات جديدة مع شركة نوبل إنيرجي ومقرها الولايات المتحدة بشأن طلبها لزيادة حصتها من عملية استغلال حقل أفروديت القبرصي.

وفي سياق متصل، أعلنت وزارة البترول المصرية، السبت، عن بدء أعمال التشغيل التجريبي لأكبر وأحدث معمل تحاليل عينات غاز طبيعي في مصر والمقام بحقل ظهر لتنفيذ كافة عمليات تحاليل الغاز والمياه والمتكثفات والكبريت المنتج من الحقل.
وأكد المهندس طارق الملا وزير البترول والثروة المعدنية المصري، حرصه على توطين التقنيات الحديثة وتعظيم الاستفادة منها في إنجاز الأعمال وزيادة الإنتاج، مشيراً إلى أن معمل تحاليل الغاز لحقل ظهر هو الأكبر والأحدث في مصر.
ويعد المعمل الثاني من نوعه عالمياً بمناطق إنتاج شركة "إينى" الإيطالية، حيث يوفر القياسات الصحيحة للغاز الطبيعي والسوائل المصاحبة التي يتم على أساسها حساب المعايير والنسب المسموح بها، حسبما أفاد بيان وزارة البترول المصرية.

اتفاقيات جديدة تعزز مساعي مصر كمركز إقليمي للغاز

يأتي ذلك فيما كشفت وكالة "بلومبرج" عن انتهاء شركاء من مصر والشركات التي تطور أكبر حقول الغاز في إسرائيل من تفاصيل صفقة ستمنحهم السيطرة على خط الأنابيب الذي ينقل الغاز إلى مصر من حقل "ليفايثان" الإسرائيلي عبر شركتي "ديليك" و"نوبل" المشغلتان للحقل، وأشارت الوكالة إلى أن هذا الاتفاق الأخير الخاص بملكية خط الأنابيب سيكون أداة تنفيذية لاتفاقية موقعة في فبراير الماضي لتصدير الغاز من إسرائيل إلى مصر بقيمة 15 مليار دولار على مدى 10 سنوات، لإعادة تصديره. وتوصلت القاهرة وتل أبيب إلى تفاهمات في ملف الغاز تقتضي تسوية قضايا التحكيم الدولي وتخفيض الغرامة الصادرة لصالح شركة الكهرباء الإسرائيلية ضد شركتي غاز مصريتين والهيئة الحكومية للبترول بعد توقف اضطراري عن تزويد الشركة الاسرائيلية بشحنات الغاز منذ العام 2012.
وعدلت مصر والأردن، الخميس، اتفاقية تنظيم بيع وشراء الغاز بين البلدين خلال زيارة المهندسة هالة زواتى وزيرة الطاقة والثروة المعدنية الأردنية، التي وقعت عدة اتفاقيات تعديل على الاتفاقيات ومذكرات التفاهم القائمة بين شركات الغاز الطبيعي في البلدين، وخاصة في مجال تشغيل وصيانة خطوط أنابيب وشبكات نقل البترول والغاز الطبيعي، وتعزيز مشاركة شركات قطاع البترول المصري في تنفيذ مشروعات توصيل الغاز داخل المملكة الأردنية، وذلك بحسب بيان مشترك صدر في نهاية المحادثات بين الجانبين.

غاز المتوسط يثير أطماع أردوغان.. ومصر سترد بكل قوة

وفي الوقت الذي تحتاج فيه تركيا إلى تأمين إمداداتها من الطاقة واستغلالها لثروة الغاز في شرق المتوسط، يبدو أن ملف الغاز دخل ضمن الملفات الخلافية للسياسة التركية في المنطقة، فبالإضافة إلى إعلان وزير الطاقة التركي فاتح دونميز، إن بلاده ستواصل شراء الغاز الطبيعي من إيران رغم العقوبات الأمريكية، بما يضع تركيا أيضا تحت طائلة العقوبات، فإن الرئيس التركي أردوغان قال إن هناك معارضة من أطراف لم يسمها لمساعي بلاده التنقيب عن الغاز في شرق المتوسط.
وأضاف خلال استعراض برنامج المائة يوم الأولى لحكومته الاسبوع الماضي أن بلاده ستستمر في البحث عن مصادر الطاقة داخل أراضيها وفي مياهها الإقليمية، رغم معارضة البعض؛ معلنا أن بلاده سوف تشتري سفينة ثانية للتنقيب عن الغاز في شرق المتوسط.

ويأتي ذلك فيما أكدت لجنة الدفاع والأمن بمجلس النواب المصري أن مصر سترد بكل قوة على أي محاولة للمساس بالمياه الإقليمية المصرية أو حقوقها الاقتصادية فيها، وقال اللواء كمال عامر رئيس لجنة الدفاع والأمن القومي بمجلس النواب المصري في تصريحات خاصة لوكالة فرات للأنباء ANF إن مصر تحركت في هذا الملف بطريقة واضحة وشرعية على المستوى الدولي وقامت بترسيم الحدود بشكل موثق دولياً ويتوافق مع القانون الدولي وقانون البحار والأعراف والقوانين المتبعة بشأن ترسيم الحدود البحرية.
وتابع: "نحن لا نعير تصريحات أردوغان أي اهتمام ونراها مجرد دعاية سياسية، ومصر مستمرة في اجراءاتها لاستغلال الغاز داخل منطقتها الاقتصادية الخالصة، ومصر أخذت حقوقها ولا تحتاج إلى إذن من أحد، وتصريحات الرئيس التركي هدفها الاستهلاك المحلي والإقليمي والبروباجاندا، والقضية ببساطة جداً أن مصر تمارس حقوقها بطريقة قانونية وشرعية ولا يهمها سوى تحقيق أهدافها وهذا ما يعنيها وليس نوايا وتصورات الدول الأخرى التي لا تتفق مع القانون الدولي والحقوق السيادية".
ونبهت دراسة أمريكية صدرت مؤخراً إلى خطورة اندلاع خلاف متوقع بين تركيا وروسيا حول الغاز في المستقبل القريب، حيث أشارت الدراسة الصادرة عن شبكة الأمن القومي التابعة لجامعة تكساس إلى أن الاستثمارات التركية في ممرات الغاز الطبيعي الجديدة في منطقة البحر الأسود، ستأتي على حساب روسيا المورد الرئيس للغاز إلى تركيا وأوروبا.

ومن جانبه، قال الدكتور أحمد أبوزيد الباحث في إدارة الأزمات والأمن الاقليمي لوكالة فرات للأنباء ANF، إن سياسة تركيا تميل إلى تحويل الثروات المكتشفة حديثا في شرق المتوسط من الغاز والمشتقات البترولية إلى مجال جديد للصراع وليس للتعاون بين دول المنطقة، مؤكداً على أن مسارعة مصر إلى إقامة تحالف استراتيجي ثلاثي مع قبرص واليونان، يعد نموذجا للتعاون الاقليمي والتنسيق الأمني لتحقيق التوازن في المنطقة ومواجهة أي تهديدات بشكل جماعي.
وشدد الباحث على أن التنسيق المشترك بين الدول الثلاث المشتركة في حدود بحرية يمثل ضرورة قصوى للمنفعة المشتركة للبلدان الثلاث، من خلال سرعة انجاز الإطار القانوني والتعاقدي اللازم للاستغلال ثروة الغاز في شرق المتوسط بصورة تراعي حقوق جميع الأطراف، فضلا عن امتداد الشراكة إلى أطراف أوروبية وغربية أخرى مثل بريطانيا وإيطاليا وألمانيا والولايات المتحدة التي تساهم شركاتهم العملاقة في استخراج وإنتاج الغاز المصري فضلاً عن تلبية الفائض من الانتاج لجانب من احتياجات القارة الأوروبية من الطاقة.