مع قرب مرور عام على زيارة الرئيس التركي إلى السودان والتي منحته فيها حكومة الخرطوم جزيرة سواكن الاستراتيجية على البحر الأحمر، تتزايد تساؤلات المعارضة السودانية حول دوافع التوغل التركي في السودان، فضلا عن حضور أنقرة الغامض في منطقة البحر الأحمر والقرن الإفريقي.
وذكرت صحيفة "أحوال" التركية أنه تحت شعار المساهمة في تطوير القطاع السياحي السوداني، استغلت تركيا الاثار العثمانية لترميم عدد من المساجد والمواقع الاثرية في هذه الجزيرة التي استُخدمت الجزيرة في عهد الدولة العثمانية، لحماية أمن البحر الأحمر والحجاز ضد التهديدات المحتملة.
واعتبرت الصحيفة أن التواجد التركي في السودان وعلى سواحلها على البحر الأحمر يتعزز يوما بعد يوم وتمرر الحكومة التركية تواجدها المتواصل في اطار "مشاريع لمنفعة الحكومة السودانية"، حيث شكلت جزيرة سواكن السودانية الواقعة على الساحل الغربي للبحر الأحمر، هدفا استراتيجيا لدى الجانب التركي.
وكانت حكومة ولاية البحر الأحمر قد أعلنت مؤخرا عن بدء المرحلة الثالثة لإعادة تأهيل جزيرة سواكن، مبينة أنه سيتم وضع جداول تنفيذ مجسمات معالم سواكن حتى تصبح كما كانت عليه سابقاً وذلك قبل نهاية العام 2019، حسبما ذكر المركز السوداني للخدامات الصحفية.
وكان زعيم حزب الأمة السوداني الصادق المهدي قد شن هجومًا لاذعًا على قرار تسليم جزيرة سواكن لتركيا، ووصفه بـ"الخطأ الاستراتيجي"، وتحدثت شخصيات من المعارضة السودانية، رفضت ذكر أسمها، لوكالة فرات للأنباء ANF، مؤكدة ان قرار الخرطوم منحت به القيادة السودانية "ما لم تملك لمن لا يستحق"، مشددين على ان الجزيرة ملك الشعب السوداني أولا وأخيرا، بغض النظر عن تاريخها "العثماني".
تركيا تتكبد نحو نصف مليار لترميم مباني في السودان
وفي الوقت الذي تعاني فيه الدولة التركية من أزمة مالية تتمثل في انخفاض قيمة الليرة مقابل الدولار الامريكي وخاصة بعد فرض العقوبات الامريكية على انقرة، فقد بلغت تكلفة إعادة تأهيل جزيرة سواكن التاريخية، شرقي السودان، التي تعهدت تركيا بإعادة ترميمها، نحو 400 مليون دولار، حيث أعلن السفير التركي لدى الخرطوم، عرفان نذير أوغلو، إن تكلفة إعادة تأهيل المباني والميناء في جزيرة سواكن، شرقي السودان، بلغت 400 مليون دولار، وذلك بالإضافة إلى ترميم منشآت اثرية أخرى في الخرطوم ودارفور.
وأوضح نذير أوغلو، أن عدد المباني العريقة في الجزيرة التي سيتم تأهيلها بالكامل تصل إلى 100 مبنى، بالإضافة إلى الميناء ومرافقه، ولفت إلى اكتمال تشييد 3 مباني على الجزيرة، وأن المبنى الرابع على مشارف الانتهاء.
ولفت السفير التركي إلى إن أعمال ترميم قصر السلطان علي دينار بمدينة الفاشر، غربي السودان، على وشك الانتهاء، وتتم بواسطة وكالة التعاون والتنسيق التركية "تيكا"، حيث كان السلطان علي دينار (1856 – 1916م) آخر سلاطين سلطنة الفور، أو ما عرف لاحقًا بـ"إقليم دارفور"، وكان أحد حلفاء الدولة العثمانية في الحرب العالمية الأولى، وقال السفير أن أعمال ترميم المسجد العتيق بالخرطوم ستبدأ قريبًا. ولفت السفير إلى وجود دول معترضة على هذا التوغل التركي في منطقة البحر الاحمر، قائلا: "إذا كانت هناك أي دولة انزعجت من دعم تركيا للسودان عليها تقديم دعم مضاعف.. نحن لا نرى في السودان ساحة للتنافس مع أي جهة".
وكانت الخرطوم قد منحت جزيرة سواكن إلى تركيا لإعادة تأهيلها وتشغيلها لفترة محدودة، وذلك على هامش زيارة الرئيس التركي إلى السودان في ديسمبر 2017.
تحركات تركية-قطرية في الصومال.. وتعيين مراسل للجزيرة قائدا للاستخبارات
التحرك التركي في سواكن ليس سوى خطوة للتوغل في القرن الافريقي، وذكرت "المونيتور" الأمريكية في تقرير قبل يومين، أن تركيا تثير التوتر مع السعودية ومصر من خلال وصولها للمدخل الجنوبي للبحر الأحمر، وقالت "المونيتور" في تقريرها: "هذا العام، وسعت تركيا أيضا وصولها إلى المدخل الجنوبي للبحر الأحمر، إلى الصومال والسودان، وإنشاء قاعدة عسكرية في سواكن، وهي جزيرة ذات موقع استراتيجي تنتمي إلى السودان. وتعتبر القاهرة التقارب بين تركيا والسودان تهديدًا استراتيجيًا."
وافتتحت جمعية رجال الأعمال والصناعيين المستقلين الأتراك "موصياد"، أمس الثلاثاء، ممثلية لها في الصومال، حيث تعد الجمعية الذراع الاقتصادي الخارجي لأردوغان، وذلك على الرغم من اعتراف الجمعية أن حجم التبادل التجاري بين تركيا والصومال وصل بالكاد إلى 144 مليون دولار، في 2017. وذلك في الوقت الذي واصلت فيه القاعدة العسكرية التركية في الصومال تدريب قوات للجيش الصومالي، وسط اتهامات بالسعي "لأخونة" المؤسسات الأمنية الصومالية، والاسبوع الماضي حضر وزير الدفاع الصومالي حسن علي محمد، وقائد القوات المسلحة الصومالية طاهر آدم علمي، والسفير التركي لدى مقديشو أولغان بكار، بدء فعاليات تدريب مجموعة جديدة مؤلفة من 185 شخصا.
وكشفت صحيفة "الصومال الجديد" عن خطة تمكين المسؤول الملقب بـ"رجل قطر في الصومال" وهو فهد ياسين مدير المكتب الرئاسي محمد عبدالله فرماجو، وأيضًا مدير حملته الانتخابية ومراسل قناة "الجزيرة" القطرية السابق، حيث أكدت الصحيفة أن السبب في استقالة مدير وكالة الاستخبارات والأمن القومي في الصومال، حسين عثمان حسين، هو إفساح الطريق أمام تولي فهد ياسين رئاسة وكالة الاستخبارات والأمن القومي الصومالية، ليصبح بذلك الرجل الأول في الاستخبارات الصومالية رسميًّا.
قمة مصرية-سودانية قريبة
أثار منح الحكومة السودانية جزيرة سواكن لتركيا، مخاوف مبررة من جانب السعودية ومصر، خشية استغلالها لوجود عسكري تركي في تلك المنطقة عند مدخل البحر الاحمر، وسيما مع تزامن قرار منحها مع افتتاح القاعدة العسكرية التركية في قطر، والتي كانت أحد الاسباب الرئيسية للمقاطعة الخليجية المصرية للدوحة.
وتتابع مصر بقلق التقارب السوداني-التركي، فالعلاقات المصرية-التركية المتوترة وشبه المقطوعة بسبب التدخلات التركية، تنعكس بطبيعة الحال على موقف مصر من أي وجود عسكري تركي قريب من حدودها. وفي هذا الاطار يجري حاليا التحضير للاجتماع الاول لمجلس التعاون الاستراتيجي التركي-السوداني في ديسمبر المقبل، حيث ستعقد قمة سودانية-تركية خلال زيارة البشير المرتقبة لأنقرة، إلا ان السودان يرتب هذا الشهر لاستضافة اللجنة الرئاسية المشتركة مع مصر، وهو ما قد يضع حدا للارتماء السوداني في احضان النظام التركي.
وفي هذا السياق، أعلن وزير الدولة بالخارجية السودانية أسامة فيصل، بدء التحضيرات لزيارة الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي للسودان خلال الشهر الجاري للمشاركة في اجتماعات اللجنة العليا الرئاسية المشتركة بين الدولتين، كما التقى رئيس البرلمان السوداني البروفيسور ابراهيم احمد عمر، مساء أمس نظيره المصري الدكتور علي عبد العال، وذلك على هامش مشاركتهما في اعمال الجمعية 139 للاتحاد البرلماني الدولي المنعقدة بجنيف حالياً، وقدم رئيس البرلمان السوداني الدعوة لـ"عبدالعال" لزيارة الخرطوم في مطلع نوفمبر القادم لبحث العديد من القضايا التي تهم البرلمانين، وفي مقدمتها انشاء كيان برلماني مشترك على غرار "برلمان وادي النيل" تعزيزاً للعلاقات الشعبية بين البلدين. وقال الدكتور أيمن شبانة استاذ الشؤون الافريقية في جامعة القاهرة لوكالة فرات للأنباء ANF، ان القمة المرتقبة بين مصر والسودان ستناقش العديد من الامور العالقة والمشكلات القائمة بين البلدين، موضحا أن اللجنة العليا المشتركة بين القاهرة والخرطوم ستعقد للمرة الثانية على المستوى الرئاسي خلال الشهر الجاري.