العقوبات الأمريكية على إيران ستزيد من أزمة الاقتصاد التركي

يبدو أن الاقتصاد التركي على موعد مع أزمات جديدة، فإضافة لتراجع قيمة العملة والعقوبات الأمريكية ضد أنقرة، فإن إعادة فرض واشنطن للعقوبات المرتبطة بالبرنامج النووي الإيراني، سيلقي بظلاله على الاقتصاد التركي الهش الذي يعاني من أزمات راهنة.

لم تأت مبادرة تركيا بإعلان عدم التزامها بالعقوبات الامريكية ضد إيران من قبيل المصادفة أو التضامن "الأخلاقي" مع غريمتها الإقليمية التي تجد في أحيان كثيرة أرضية مشتركة للتعاون معها في بعض الملفات، مثل سوريا، ولكن جاء الموقف التركي نتيجة الاعتماد المتزايد على النفط الإيراني المشمول بالعقوبات الأمريكية بل والمستهدف الرئيسي بها، بعد تصريح الإدارة الأمريكية بنيتها جعل تصدير إيران من النفط صفر، فالمرحلة الثانية من عقوبات الولايات المتحدة التي ستبدأ في 5 نوفمبر/ تشرين الثاني2018 تستهدف البلدان التي تستورد النفط من إيران، إذ أن تركيا تستورد 30% من حاجتها النفطية من إيران.

وجاء ذلك، تزامنا مع استعداد شركة  EWE Turkey Holdingالتي تعمل تحت سقف الشركة الألمانية العملاقة EWE A.G في مجال الطاقة لمغادرة السوق التركي، بعد 12 عامًا من العمل به.

ووجهت الولايات المتحدة تحذيراً شديد اللهجة لإيران، يكشف عن نواياها للرد بحسم علي رد فعل إيراني متوقع إزاء منعها من تصدير النفط، إذ شدّد جنرال أمريكي، أمس الأربعاء، على أنّ الولايات المتحدة عازمة على تأمين الملاحة في مضيق هرمز، بعد مناورات بحرية إيرانية رأت فيها واشنطن تهديداً، فضلاً عن تصريحات إيرانية حول نيتها لإغلاق المضيق الهام في الخليج العربي. 

الاقتصاد التركي سيعاني من خسائر جديدة بعد العقوبات على إيران

ويرى الدكتور محمد عباس ناجي الخبير في الشؤون الإيرانية ورئيس تحرير الدورية الأكاديمية "مختارات إيرانية" التي تصدر في القاهرة، أنه على الرغم من أن إيران وتركيا غريمين إقليميين ويقفان على النقيض من مواقف بعضهما البعض في قضايا كثيرة مثل الأزمة في سوريا، إلا أن البلدين حريصان على وضع سقف للخلافات حتى لا تتحول إلى صراعات، فتركيا ترى دائماً أن بإمكانها أن تستفيد من تحسين العلاقات بين إيران والدول الغربية، وخاصة من خلال النفط الإيراني والتجارة معها وقت العقوبات من خلال الاعيب معينة تستغل فيها رجال أعمال أتراك من أصول إيرانية.

وقال ناجي في تصريحات خاصة لـ"وكالة فرات للأنباء ANF" أن تركيا ستكون خاسرة من العقوبات الامريكية المفروضة على إيران بعد انسحاب واشنطن من الاتفاق النووي، مؤكداً أنها ستحدث مشكلات كثيرة في بنية الطاقة في تركيا كنتيجة لتلك العقوبات، فضلاً عن فقدانها لسوق إيران الواسع، مشيراً إلى أن مستوى التعاملات التجارية والاقتصادية سينخفض بين البلدين حتى لو حاولت أنقرة اللجوء إلى أساليب غير مشروعة لاستمرار التجارة.
وأكد أن رفض تركيا للالتزام بالعقوبات الأمريكية ستضعها أيضا على قائمة العقوبات، لاسيما أن الولايات المتحدة لديها نوايا لمعاقبة تركيا بعد احتجازها لمواطنين أمريكيين.

وأشار الخبير المصري في الشؤون الإيرانية إلى أن تركيا لا تريد أيضا انهيار الاتفاق النووي لأسباب سياسية واستراتيجية، حيث سيعيد ذلك تنشيط البرنامج النووي الإيراني وسيمكن إيران من امتلاك القدرة على إنتاج القنبلة النووية حتى لو لم تمتلكها بالفعل، حيث سيؤدي ذلك إلى خلل في التوازن الاستراتيجي مع إيران.

وأوضح أن تركيا، التي لطالما استغلت الموضوع الإيراني كورقة ضغط ضد الأمريكان ستخفض قدرتها على المناورة حاليا، فضلاً عن تأثر العلاقات الاقتصادية القوية بين البلدين بالعقوبات الامريكية، مما يزيد من المشكلات التي يعترض لها الاقتصاد التركي حاليا.

 "دبلوماسية الرهائن" تجعل تركيا وإيران وجهين لعملة واحدة

وقال الكاتب الأمريكي المتخصص في شؤون الأمن القومي إيلي ليك إن الولايات المتحدة تعامل تركيا الآن كما لو أنها إيران، محذراً من خطورة الرضوخ للتصرفات التركية التي تعتمد دبلوماسية الرهائن مثلما فعلت إيران مع الولايات المتحدة والغرب إبان حكم الرئيس رونالد ريجان.

وأوضج "ليك" في مقاله المنشور أمس على "بلومبرج"، أن القس «برونسون» ليس الرهينة الوحيدة لدى الأتراك حالياً. فهناك «سيركان جولج» وهو عالم أميركي تركي في وكالة الطيران والفضاء الأميركية (ناسا) اعتُقل أيضا بناء على اتهامات تتعلق بانقلاب 2016. وفي عام 2017، اعتقل الأتراك اثنين من موظفي البعثات الدبلوماسية الأميركية في تركيا. فهل سيسمح ترامب بعودة المياه لمجاريها إذا أفرجت تركيا عن برونسون، بينما ظل «جولج» ومواطنون أتراك في السجن؟ وما «برونسون» إلا بيدق في لعبة أكبر.

وحذر الكاتب الامريكي، في مقاله المنشور بالتزامن في "الاتحاد الإماراتية" من خطورة التهاون مع سياسة أردوغان بقوله: "تقارب أردوغان مع روسيا التي تسيطر على جانب كبير من النطاق الجوي في سوريا. ورغم أن تركيا وروسيا على جانبي نقيض فيما يبدو من الصراع في سوريا، تفاوضت أنقرة في اتفاقات لشراء أنظمة دفاع جوي روسية ومحطة طاقة نووية. وتعلن حكومة أردوغان أنها لن تلتزم بعقوبات جديدة ستطبقها الولايات المتحدة في نوفمبر ضد بنوك وشركات تشتري النفط الإيراني.

ربما يتهاون ترامب مع البنوك التركية ويداهن أردوغان في المفاوضات. لكن المشكلة أنه حين يفعل هذا ليفرج عن مواطنين أميركيين، فإنه يخلق النمط نفسه من المخاطرة الأخلاقية التي أرساها مبعوثو الرئيس رونالد ريجان مع إيران حين قايضوا الأسلحة مقابل الرهائن. فقد احتجز الإيرانيون رهائن غربيين منذئذ. ويعرف ترامب هذا المخاطرة جيداً".

أما الدكتور محمد محسن أبوالنور، رئيس المنتدى العربي لتحليل السياسات الإيرانية، فيؤكد لوكالة فرات للأنباء ANF أن تركيا التي تستود أكثر من 90% من الغاز والنفط من الخارج، وأكبر حصص من إيران والعراق والكويت والسعودية، وقبل إسقاط الطائرة الروسية كانت تستود نسبة كبيرة من روسيا.
وأضاف "ومنذ ذلك الحين زاد اعتمادها على ايران، وتركيا كانت تشتري النفط الإيراني مقايضة مقابل المعادن النفيسة وخاصة الذهب، أي أن إيران تقوم بأخذ مقابل النفط ذهب".

وفيما يتعلق بتركيا بعد العقوبات على طهران قال أبو النور إن الاقتصاد التركي سيتضرر بشدة لأن الولايات المتحدة ستعاقب كل الأطراف التي ستتعامل مع إيران، أي أن تركيا ستدخل في حزمة العقوبات الأمريكية على إيران، ولن تتمكن شركاتها من التعامل مع السوق الأمريكية.

وأكد أبوالنور أن أردوغان عليه أن يفاضل بين إيران والولايات المتحدة، حيث أن بضائعها مثل الغزل والنسيج وقطع الغيار للسيارات وغيرها كلها ستفقد فرصها للوصول للسوق الأمريكي، معتبراً أن تركيا لن تستفيد شيء من مواصلة العلاقات مع إيران، وسيتعرض اقتصادها لخطر داهم.