تستخدم الدولة التركية، التي نفذت هجمات عديدة بالأسلحة المحظورة والغازات السامة ضد الانتفاضات الكردية على مدى التاريخ، الأسلحة الكيماوية والغازات المحظورة، بشكل منهجي في مناطق الكريلا في جنوب كردستان في السنوات الأخيرة، حيث ارتكب جيش الاحتلال التركي جرائم حرب لمئات المرات وخاصة في الهجمات العدائية التي بدأت في 14 نيسان 2022 في زاب، متينا وأفاشين، باستخدام الأسلحة والقنابل الكيماوية المحظورة، وعلى الرغم من إثبات جرائم الدولة التركية بالوثائق ومقاطع الفيديو، إلا أن القوى الدولية تلزم الصمت منذ شهور.
وتعد الدولة التركية طرف في العديد من الاتفاقيات الدولية التي تحظر استخدام الأسلحة الكيماوية والبيولوجية، لكنها لا تلتزم بالاتفاقيات التي وقعتها وتستخدم كل الأسلحة الكيماوية والغازات ضد الشعب الكردي، في حين لم تفتح منظمة حظر الأسلحة الكيميائية (OPCW) أي تحقيق ضد الدولة التركية، على الرغم من أن الوفود المستقلة الدولية وفرق الخبراء قد جمعت الأدلة عدة مرات، ولم تجري أي عمليات تفتيش.
وفي الآونة الأخيرة في تشرين الأول المنصرم من هذا العام، اعدت رابطة الأطباء الدوليين لمنع الحرب النووية (IPPNW)، تقرير حول استخدام الدولة التركية للأسلحة الكيماوية المحظورة دولياً، وعليها توجه وفد من رابطة الأطباء الدوليين لمنع الحرب النووية السويسرية والألمانية في 20 و27 من أيلول عام 2022 الى جنوب كردستان. وكان من ضمن الوفد رئيس رابطة الأطباء الدوليين لمنع الحرب النووية (IPPNW) سويسرا، د. جوزيف سافاري وعضو المجلس الاستشاري العلمي للرابطة في ألمانيا، والمفتش السابق للأسلحة البيولوجية في لجنة الأمم المتحدة للرصد والتحقق والتفتيش (أنموفيك)، وكالة الأمم المتحدة للتحقيق في الأسلحة الكيماوية والبيولوجية في العراق التي استخدمت في عهد صدام حسين، ود. جان فان أكين.
رابطة الأطباء الدوليين لمنع الحرب النووية تلتزم الصمت بالرغم من الدعاوي والاثباتات
أصدرت رابطة الأطباء الدوليين لمنع الحرب النووية (IPPNW)، وهي واحدة من أبرز المنظمات في المجتمع الدولي، تقريرها في 12 تشرين الأول من عام 2022، ودعت منظمة حظر الأسلحة الكيماوية والأمم المتحدة للتحقيق في عواقب استخدام الأسلحة الكيماوية ، وقالت: " فيما يتعلق بانتهاكات اتفاقية الأسلحة الكيماوية، تم تلقي بعض الأدلة غير المباشرة"، ولكن على الرغم من مرور شهر، لم تبدأ منظمة حظر الأسلحة الكيماوية أو المنظمات الدولية الأخرى تحقيقاً بشأن الدولة التركية، فيما أثارت مشاهد مقاتلي الكريلا الذين تعرضوا لهجمات كيماوية، خاصة في الهجوم الأخير، احتجاجات شديدة بين أبناء الشعب الكردي.
واحتج الشعب الكردي على الهجمات الكيماوية في كل مكان، وخاصة في أوروبا، وبدورها صرحت رئيسة نقابة الأطباء وخبراء الطب الشرعي الأتراك شبنم كورور فنجانجي أنها فحصت مقاتلي الكريلا الذين تعرضوا لهجمات كيماوية وذكرت أنه تم استخدام أسلحة كيماوية ودعت إلى تشكيل لجنة مستقلة للتحقيق، الا ان السلطات التركية القت القبض عليها بأمر من الرئيس التركي أردوغان بعد هذه التصريحات، ومن جهتها طالبت الجمعية الطبية العالمية بإطلاق سراح فنجانجي وتشكيل لجنة مستقلة للتحقيق في الأسلحة الكيماوية.
استخدام الغازات الكيماوية ضد الانتفاضات الكردية
استخدمت الدولة التركية، التي تنتهك جميع القيم الإنسانية وأساليب الحرب ضد قوات الكريلا، قوة غير متناسبة ضد الانتفاضات الكردية السابقة، ليس فقط في السنوات الأخيرة، وانما لأكثر من 40 عاماً، ففي انتفاضة أرارات التي بدأت عام 1926 وقمعت عام 1930، وفي مجزرة ديرسم عام 1937/1938، تسببت الدولة التركية باستشهاد آلاف المدنيين الكرد باستخدامها الغازات السامة.
وبعد انتفاضة شيخ سعيد استخدمت الدولة التركية الغازات السامة خاصة من ألمانيا وبعض الدول الأوروبية، بعد ذلك استخدمت الدولة التركية التي زودت جيشها بأكثر الأسلحة فتكاً في هذا العصر، هذه الأسلحة والغازات السامة ضد المقاتلين الكرد والمدنيين الذين يقاتلون من أجل الحقوق السياسية والثقافية للشعب الكردي، كما تم تنفيذ هجمات بالغاز السام الذي تم استخدامه خلال انتفاضة آكري والمقاومة المسلحة ضد المدنيين الكرد بشكل منهجي خلال مجزرة ديرسم.
تم تسجيل استخدام الدولة التركية للغازات السامة لأول مرة اثناء انتفاضة آكري وخاصة في نهر زيلان، حيث استشهد آلاف المدنيين، كما تم استخدام الغازات السامة ضد المدنيين الذين لجأوا الى الكهوف. في مسودة التعليمات بخصوص الدرك المنشور في عام 1933، تم إعطاء درس للجنود حول كيفية استخدام الغازات السامة في المناطق المغلقة (الكهوف) وفي المناطق التي تحمي الناس بشكل طبيعي أثناء انتفاضة آكري.
اعطاء دورات تدريبية على استخدام الغازات السامة المحظورة
وخلال الإبادة الجماعية في ديرسم التي بدأت عام 1937، ذكر اللواء عبد الله أيدوغان، الذي زادت صلاحياته كمفتش عام، في الوثائق الرسمية أنه يريد استخدام الغازات السامة والخانقة، لأنه حتى قبل المجزرة، تم افتتاح دورات تدريبية على استخدام الغازات السامة المحظورة قبل ارسال الجنود الأتراك إلى ديرسم.
حيث وردت معلومات عن هذه الدورات في خبر بجريدة تان في 3 آب 1937، حيث تحدث إحسان صبري جاغلايانجل، الذي كان مدير شرطة ملاطيا أثناء مجزرة ديرسم والمسؤول عن إعدام المحكوم عليهم بالإعدام، عن المجزرة بالغازات السامة بعد سنوات قائلاً: "لجأوا الى الكهوف، استخدم الجيش الغازات السامة. سمموهم مثل الفئران في مدخل الكهوف وذبحوا هؤلاء الناس من الصغار إلى الكبار، لقد كانت عملية مروعة".
جنود الاحتلال التركي يتلقون اوامر باستخدام الأسلحة الكيماوية
بعد الكفاح المسلح الذي بدأه حزب العمال الكردستاني في 15 آب 1984، زاد الجيش التركي من قدرة الغازات الكيماوية الموجودة في مخزونه من جهة، ومن جهة اخرى أعطى تعليمات باستخدام الغازات السامة، وتعود الوثيقة الأولى حول هذا الموضوع إلى منتصف الثمانينيات، كما نشرت الوثيقة المذكورة في عدد 23 تموز 1989 في مجلة اكيبين دوغرو، حيث احتوت الوثيقة على توقيع الجنرال نجدت أوزتورون.
ووفقاُ لهذه الوثيقة، ان قيادة القوات البرية التابعة لهيئة الأركان العامة التركية قد أمرت في 25 شباط 1986 بـ "استخدام الغاز المسيل للدموع والقنابل الصوتية إذا لزم الأمر" و "ملء الأنفاق بالغازات السامة"، بالفعل بعد عام 1986، تسبب الجيش التركي باستشهاد المئات من مقاتلي جيش التحرير الشعبي الكردستاني (ARGK) في الكهوف والانفاق بالطرق الموضحة في هذه التعليمات.
وعلى الرغم من أن الدولة التركية أصبحت عضوةً في منظمة حظر الأسلحة الكيماوية في عام 1997 وقال حينها "ليس لدي أسلحة كيماوية"، إلا أنه تم الكشف عن وجود أسلحة كيماوية بحوزتها في مستودعاتها العسكرية بعد سنوات ولم تخف ذلك؛ في الفيلم الوثائقي الذي بث عام 2004 على قناة TRT حول "وحدة مكافحة الإرهاب" التابعة للجيش التركي، شوهد جنود أتراك يختبرون الغاز المسيل للدموع، وخلال اللقطات، شوهد جنود الجيش التركي وهم يلقون الغاز المسيل للدموع على الكهوف وتصاعد دخان أصفر، وذلك بعد القنبلة التدميرية.
فيما أعرب الخبراء عن شكوكهم الشديدة في أن الدخان الأصفر المنبعث كان قنابل كيماوية، ومنظمة حظر الأسلحة الكيميائية (OPCW)، التي تسمح للشرطة باستخدامها ضد المتظاهرين، لكنها تحظر الاستخدام المفرط لهذا الغاز ويمكن أن يتسبب في الوفاة في الأماكن الضيقة، لهذا السبب، حظرت استخدام هذا الغاز من الناحية العسكرية، ومع ذلك فقد تم استخدام هذا الغاز مرات عديدة ضد مقاتلي الكريلا الذين لجأوا إلى كهوف جبال كردستان.
في عام 2010، أعلنت جامعة برادفورد في انكلترا أن منظمة الصناعات الميكانيكية والكيميائية (MKEK)، التي تصنع الذخيرة للدولة التركية، تصنع قنابل سي إس عيار 120 ملم وتبيعها في السوق الدولية، القنابل اليدوية من عيار 120 ملم، والتي تم عرضها في معرض الأسلحة AAD 2010 في كيب تاون، محظورة بموجب منظمة حظر الأسلحة الكيماوية، لكن رغم هذه الوثائق والمعلومات الملموسة، لم يبدأ التحقيق ضد الدولة التركية ولا يُعرف ما إذا كانت القنابل التي عُرضت قد دمرت أم لا.
مجزرة باليكايا
وتم تسجيل أكثر المشاهد الملفتة من استخدام الأسلحة الكيماوية التي استخدمها الجيش التركي ضد قوات الكريلا عام 1999؛ وفي 11 أيار 1999 استشهد 20 من مقاتلي حزب العمال الكردستاني في كهف في منطقة باليكايا في شرناخ، وسجلت الحكومة التركية مقطع فيديو بعد الحرب وتم بثه على قناة روج في عام 2011، قيل في الفيديوهات: "جنودنا الآن مهددون بالتسمم، لكنهم ما زالوا يسقطون بطريقة وحشية وبطولية ... حتى لو أخذت استراحة ليوم واحد، فإن تأثير الغاز لا يزال قائما".
في السجل المذكور، رد الجنود الأتراك بشكل كامل على قائد العملية نجدت أوزل، الذي سيصبح فيما بعد رئيس أركان الجيش، وبعد هذه المشاهد نفى الجيش التركي أن يكون هو القائد أوزل، لكنه لم يقل شيئاً عن استخدام الأسلحة الكيماوية وتم القبول بطريقة ما استخدام أسلحة كيماوية.
تم طرح مجزرة باليكايا على جدول أعمال المجلس الفيدرالي لألمانيا في عام 1999 من قبل نظام التوزيع العام وفي عام 2011 من قبل حزب اليسار، لأن المانيا كانت أحد جوانب هذه المجزرة؛ تم جمع أجزاء القنابل التي تم العثور عليها في موقع المعركة من قبل الهلال الأحمر وسلمت لمراسل التلفزيون الألماني؛ وفي الدراسة التي أجراها قسم الطب الشرعي بجامعة ميونيخ، تم العثور على آثار لغاز CS المحظور في شظايا القنبلة، كما أعلن برنامج "Kennzeichen D" ، الذي أذاعته قناة ZDF التلفزيونية الحكومية الألمانية، أن هذه القنبلة ذات الرمز RP707 تم تصنيعها من قبل الشركة الألمانية Buck & Depyfag وتم بيعها إلى تركيا منذ عام 1995.
دلائل على وجود اثار للأسلحة الكيماوية على جثامين 8 من مقاتلي الكريلا
وفي ايلول 2009، اندلعت معركة بين الجيش التركي ومقاتلي قوات الدفاع المشروع HPG بالقرب من منطقة جله في جولميرك، حينها استشهد 8 من مقاتلي الكريلا في أحد الكهوف، وعندما ذكر الشهود أن الجنود الأتراك استخدموا الغاز في الحرب، حصل وفد حقوقي ألماني على صور جثامين الكريلا، وقبل كل شيء أرسلت هذه الصور للخبراء لفحصها لتحديد ما إذا كانت الصور أصلية أم لا.
بعد أن قرر الخبراء عدم وجود أي تلاعب في الصور، فحص علماء الأمراض من مستشفى جامعة إيبندورف في هامبورغ الصور، وفي التقرير الذي صدر يوم 20 تموز 2010، حدد الأطباء الذين شاهدوا التأثير الكيماوي في الصور وقالوا: "الجزء العلوي من الجسم واليدين والوجه جاف مثل ورق البرشمان، وهذا نتيجة الحرارة، والشعر المتواجد في الوجه والصدر لم يحترق، قد يكون بسبب تأثير مادة كيماوية".
استخدام القنابل الكيماوية في وادي كازان
استشهد 36 من مقاتلي وحدات المرأة الحرة -ستار وقوات الدفاع الشعبي في الحرب التي دارت بين 22 و24 تشرين الأول من عام 2011 في ريف منطقة جله في جولميرك بوادي كازان، بينما تم الاحتفاظ بجثامين المقاتلين المحترقين في مشرحة ملاطيا لعدة أيام، عُرضت على الرأي العام معلومات ووثائق جادة حول استخدام مواد كيماوية من قبل الجيش التركي في الحرب؛ فيما ذكر أحد مقاتلي الكريلا الذي نجا من المعركة أن رائحة الفاكهة تفوح من الدخان المتصاعد بعد الانفجار.
عندما يتحدث مقاتلو الكريلا عن الغازات السامة أول من قام بالتحقيق وجمع الأدلة في المنطقة التي يبلغ عرضها كيلومترين، كان المراقب الدولي البرلماني الألماني والمراقب السابق للأسلحة البيولوجية للأمم المتحدة د. جان فان أكين.
وبعدها تحدث د. جان فان لوكالة فرات للانباء ANF وقال: "لقد حصلنا على اثباتات في المناطق التي تم استخدام الاسلحة الكيماوية فيها، حيث وجدنا اثار قنابل وزنها طن".