الدولة الإيرانية مضطرة لتغيير نفسها وإلا سوف تفقد شرعيتها

لكي تتمكن إيران من الصمود، عليها أن تستمع لمطالب الشعب وتجري الإصلاحات، وإلا سوف تفقد شرعيتها، فالشروط مهيأة ومواتية من أجل ثورة شعبية، وإن شعوب إيران واثقة بموقفها ومصممة على قرارها ولن تتوقف على المضي قدماً نحو الأمام.

لقد قتلت ما تُعرف باسم شرطة "الإرشاد" أو "شرطة الأخلاق" في طهران المرأة الكردية مهسا جينا أميني بتاريخ 13 أيلول 2022، حيث تعرضت للتعذيب بسبب ظهور شعر رأس جينا أميني من الأمام، وفقدت فيما بعد حياتها في المستشفى، وانتشر هذا الحادث الوحشي عن طريق التلفاز ووسائل التواصل الاجتماعي في نفس اليوم، وعبرت المرأة في إيران وفي مقدمتها المرأة الكردية عن موقفها إزاء ذلك من خلال قص شعرها وإلقاء الحجاب، حيث انتشر قص الشعر وإلقاء الحجاب كـ أسلوب في جميع أنحاء بلدان العالم، وقد جلبت وحشية الشرطة غير الأخلاقية معها انتفاضة الشعوب في إيران، وإننا نجد بأن وسائل التواصل الاجتماعي لها تأثير جيد وسيئ على جميع الشعوب والدول وفي نفس الوقت لا تعرف حدوداً، حيث تجعل الحدود الموجودة بدون نفوذ وتنتشر بسرعة الرياح.   

تنتشر وتتعاظم الانتفاضة في إيران بقيادة المراة الكردية تحت شعار "المرأة، الحرية، الحياة"، حيث إننا لا نقيّم هذه النهضة ببعض وسائل الإعلام المحددة، ولا يمكننا شرح هذا الحدث والانتفاضات التي أدت إلى الثورة إلا بتأثير وسائل الإعلام الرقمية والتقنية، فهنالك شروط وظروف تخدم الثورة، فبقدر ما تستعد قوى التخطيط والقيادة للثورات والانتفاضات، كذلك هنالك ضرورة للظروف والشروط الداخلية، لأن إعداد المجتمع مرتبط بشروط وظروف الحياة، وإن عدم المساواة الاقتصادية، ومناهضة الديمقراطية، والظلم، والقمع، وإنكار الهوية، والفقر، والاعتقال والتوقيف يمكن أن تكون سبباً لتدفع بالمجتمع إلى الاستعداد للانتفاضة، وإن عدم الثقة بالنظام ولّد البحث لدى المجتمع، حيث لا تستطيع الأنظمة الديكتاتورية والفاشية إسكات أي مجتمع إلى الأبد وإخضاعه، وعلى الرغم من الخوف الذي يتملكه، فإن المجتمع مستعد للانفجار بأي لحظة، فمع الوقت تزداد الهوة بين الحاكم والمحكوم ويصبح المجتمع عدواً للأنظمة القمعية والتسلطية.

وكما نرى في شرق كردستان وإيران أيضاً، فبدل أن تقوم السلطات الإيرانية بالاستماع إلى مطالب الشعوب، تهاجم الشعوب من خلال الشرطة والجيش والمليشيات المسلحة، حيث قتلت وأعدمت المئات من المتظاهرين، ومن الواضح أن أحد العوامل التي تمهد الطريق للثورة هي السلطات القمعية، ففي البداية تطورت الاحتجاجات ضد المرأة الكردية، وأصبحت الهجمات الوحشية للشرطة والميليشيات المسلحة رداً على مطالب الشعوب، كان من السهل جداً أن تستجيب إيران بإيجابية لهذه المطالب، لكن كما رأينا، فإن أصل المشكلة ذهبت إلى الخارج، وتم إلقاء اللوم على الحركات الكردية وقتلها، ولم تعر السمع لمطالب الشعوب وقالت بأن هذه الانتفاضة حصلت بطلب من إسرائيل وأمريكا، ولقد رأينا عبر التاريخ بأن الدماء المراقة أصبحت وبالاً على السلطات الحاكمة وأطاحت بهم، حيث إن الشروط والظروف تسمح بانتشار شرارة النار في جميع أرجاء الناحية والمدنية والبلد.       

إن الدعاية الترويجية على وسائل الإعلام تقوم بتأجيج النار، فهي أداة مساعدة للشجاعة والانتفاضة، فعلى الرغم من قطع إيران للإنترنت وإيقاف البث التلفزيوني، إلا أنها لم تستطع إخفاء وحشيتها عن أعين العالم.

ولكي تتمكن إيران من الصمود، فهي مضطرة للاستماع إلى مطالب الشعوب وإجراء الإصلاحات، وإلا سوف تفقد شرعيتها، إن الأمر بغاية الوضوح، فإما أن تستمع لمطالب الشعوب وتجري التغيير أو يتم الإطاحة بها من الداخل والخارج من خلال التدخلات، فالشروط مهيأة ومواتية من أجل ثورة شعبية، وإن شعوب إيران واثقة بموقفها ومصممة على قرارها ولن تتوقف على المضي قدماً نحو الأمام، وإن انتفاضة شرق كردستان وإيران تستقطب اهتمام العالم أجمع، وإن أنظار العالم عادت بالتركيز على شرق كردستان وإيران.