في كل شهر تخصص الأم فكرت رشيد (60عاماً) جزءً من المال الذي يرسله أولادها المغتربون لترميم منزلها الواقع في شارع المخابرات بحي الشيخ مقصود.
الأم فكرت هُجرت مرتين من منزلها، الأولى كانت على يد مرتزقة جيش الاحتلال التركي إبان هجماتهم على حي الشيخ مقصود مطلع عام 2012، أما الثاني فكانت على يد جيش الاحتلال إبان احتلال مقاطعة عفرين عام 2018.
لتعود فكرت مرة ثانية إلى منزلها الكائن في حي الشيخ مقصود والذي دمر بشكل شبه كلي،حيث تعمل مع زوجها على ترميم المنزل شيئاً فشيئاً، المنزل الذي وضعت فيه كل أحلامها وأحلام أبنائها.
تقول فكرت بهذا الصدد" سنوات من التعب والحرمان تكللت بامتلاكنا منزل يأوينا ويأوي أبنائنا وأحفادنا، إلا أن إرهاب مرتزقة تركيا لم تترك أحلامنا تكتمل".
ويقع شارع المخابرات في أقصى غرب حي الشيخ مقصود ويطل على حي السكن الشبابي والأشرفية، ونتيجة موقعه تحول لأكثر خطوط الجبهات سخونة إبان هجمات المرتزقة على حلب.
قصة منزل فكرت يطبق عليها قانون التكرار آلاف المرات في شارع المخابرات، فبحسب الإحصائيات الرسمية الصادرة عن المجلس العام بالأحياء، فقد دمرت مرتزقة جيش الاحتلال التركي إبان هجماتها الممتدة بين الأعوام 2012-2016 على حي الشيخ مقصود 2600 منزل ومحل تجاري تعود ملكيته إلى المدنيين.
ويرى سكان حي الشيخ مقصود بحلب أن المنظمات الإنسانية تجاهلت أوضاعهم المأساوية بعد الدمار الذي لحق بمنازلهم، بل لجأت إلى بناء مستوطنات في أماكن عديدة من مدينة عفرين المحتلة من أجل توطين الوافدين إليها بتوجيهات من تركيا وبدعم قطري لمنظمات تدعي أنها منظمات "خيرية".
وتعمل دولة الاحتلال التركي على تطبيق مشاريع الاستيطان في عفرين المحتلة عبر التستر تحت مسميات عدة منها المنظمات الإنسانية وذلك لبناء مستوطنات للمرتزقة وعوائلها.
وتنص المادة 49 من اتفاقية جنيف الرابعة على أن سلطة الاحتلال "لا يجوز لها ترحيل أو نقل جزء من السكان المدنيين إلى الأراضي التي تحتلها".
بدورها تقول فكرت بأنهم لم يجدوا أي منظمة تدعي الإنسانية ساندتهم في إعادة إعمار بيوتهم، بل أنهم وجدوا تلك المنظمات تقوم بمساندة تركيا في استيطان أراضيهم في مقاطعة عفرين المحتلة.
وبحسب ما تسرده فكرت فإن الجهة الوحيدة التي ساعدتهم هي بلدية الشعب في أحياء الشيخ مقصود والأشرفية، والتي عملت وفق إمكانياتها المتاحة على ترحيل الأنقاض وافتتاح الطرق، إلى جانب تمديد الكهرباء والمياه لجزء من المنطقة، ضمن الجهود المبذولة لتجديد البنية التحتية.
وعن مساوئ الهجمات وتداعياتها الكبيرة، تقول فكرت بأن الحرب جعلتها وحيدة في الشارع الذي يحوي العديد من الذكريات الجميلة والأليمة في آن واحد، ولا تعرف أين يتواجد جيرانها.
وأنهت فكرت رشيد حديثها بترتيل موال قصير عن الوطن والتشبث بالأرض والعودة ولو بعد دهر، رغم جميع الآلام.
ويذكر أن نحو 200 مدني فقدوا حياتهم وأصيب نحو 600 آخرين عام 2016، جراء الهجمات على حي الشيخ مقصود من قبل مرتزقة جيش الاحتلال التركي بحسب أرشيف المجلس العام لأحياء الشيخ مقصود والأشرفية.