مسارات التطبيع السعودي الإسرائيلي.. هل ترضخ تل أبيب لشروط المملكة

بنهاية تشرين الأول المنصرم عُقدت أولى جلسات التحالف العالمي لتنفيذ حل الدولتين بالرياض، ضمن مساعي المملكة لإعلان قيام دولة فلسطينية، تزامنا مع استمرار حرب إسرائيلية على غزة وجنوب لبنان، ومواصلة أمريكا ضغوطها على المملكة لتوقيع اتفاقية للتطبيع مع تل أبيب.

يأتي ذلك في ظل اعتراف الكثير من الدول حول العالم بالدولة الفلسطينية وتصاعد حدة المطالبات الموجهة للمجتمع الدولي بخلق حالة من التوافق لإنهاء الصراع من خلال حل الدولتين، ما دفع السعودية التي كانت على شفا خطوة من توقيع اتفاقية التطبيع مع إسرائيل إلى تجميد المفاوضات في أعقاب اندلاع الحرب بعد أحداث 7 أكتوبر\تشرين الأول.

رؤية جديدة للتطبيع

الأمير محمد بن سلمان، نفى خلال مقابلة تلفزيونية مع كبير المذيعين السياسيين في شبكة فوكس نيوز الأمريكية بمدينة نيوم، وذلك قبل أسابيع من اندلاع الحرب في غزة، ما يتردد بشأن تعليق المفاوضات مع إسرائيل مؤكدا أن التفاوض مستمر ومن الممكن التوصل إلى اتفاق جدي وحقيقي بحسب وصفه، مشددا على أهمية القضية الفلسطينية في إطار المفاوضات التي جرت وقتها بما يحفظ حقوقهم ويضمن لهم حياة آدمية.

ووفقا للتحليلات المتواترة على الصعيد الدولي ستستفيد الرياض من التطبيع مع إسرائيل لأن لديها مشروع حضاري عظيم (رؤية 2030) التي تحتاج إلى تعاون دول المنطقة، وهناك أيضاً مسار البخور الذي تشترك فيه مع الهند والإمارات والولايات المتحدة وعدد من الدول الأوروبية مروراً بتل أبيب، إلا أن القضايا الخلافية تؤشر إلى أن مسار المفاوضات قد يطول إلى أمد بعيد، وبحسب إفادات محللين سياسيين إسرائيليين فإن المفاوضات مع تل أبيب وواشنطن، شهدت شرطا سعوديا يقضي بضرورة السماح لها بإقامة مشروع نووي على غرار ما يجري في إيران فضلا عن شروط من الطرف الآخر تتعلق بالقضية الفلسطينية، وهو ما شهد جدلا في الداخل الإسرائيلي حيث رفض قيادات الجيش فكرة منح المملكة حقا في تخصيب اليورانيوم على أراضيها مقترحين خلق حل بديل يضمن لها الحصول على أسلحة امريكية متطورة لكي تحافظ على تفوقها النوعي.

آفاق المفاوضات.. شروط الطرفين

وفقا لما ذكره المحلل السياسي حسن بديع في اتصال لوكالة فرات للأنباء (ANF) تمثل السعودية ركيزة أساسية في العالم الإسلامي، ومن الصعب أن تتخلى عن الحدود الدنيا التي تضمنتها المبادرة العربية للسلام في إطار مفاوضاتها مع الحكومة الإسرائيلية، في مقابل استبعاد الأخيرة تقديم تنازلات للفلسطينيين في سبيل تحقيق التطبيع وخاصة في ظل وجود حكومة متطرفة يمينية تسعى إلى تصفية القضية وعدم الاعتراف بأية حقوق فلسطينية بل وتسعى إلى تهجير سكان الضفة وتوسيع مناطق الاستيطان في أغلب الأنحاء.

فيما أكد الدكتور خالد سعيد المختص في الشأن العبري، في اتصال لوكالة فرات للأنباء (ANF)، أن المستجدات في المنطقة خلال السنوات الخمس الأخيرة لعبت دورا رئيسا في تغير منهجية تعاطي المملكة مع ملف الصراع العربي الإسرائيلي، خاصة بعد إنهاء خلافاتها مع إيران ورفع يدها عن الملفين السوري واللبناني، حيث اعتادت تل أبيب على استغلال تلك الورقة في تعاملها مع الدول العربية التي ترى في إيران خطرا يهدد أنظمتها بعد توسع نفوذها إلى العديد من البقاع العربية، حيث تقاربت المملكة على استحياء من إسرائيل دون إعلان رسمي إلا أن علاقتها الجديدة مع إيران قد تغير قواعد التفاوض الخاصة بمفاوضات التطبيع، ويدع الرياض إلى التمسك بحل الدولتين مقابل تطبيع العلاقات مع تل أبيب.

العلاقات السعودية الإيرانية وتداعياتها على توقيع الاتفاق

دائما ما عمدت تل أبيب إلى استغلال ورقة الخلاف العربي الإيراني في الاقتراب من الدول العربية وتطبيع علاقاتها، ووصل الأمر إلى ظهور اقتراحات بإنشاء تحالف معلوماتي عربي إسرائيلي للتصدي للنفوذ الإيراني في المنطقة، إلا أن ما شهدته الساحة الدولية من مستجدات، بداية من إنشاء التحالف العربي للحرب في اليمن ثم اندلاع حرب أوكرانيا فضلا عن الضغوط الأمريكية التي مارسها الرئيس السابق ترامب على دول الخليج لحمايتها من تحركات طهران، دفع الصين وروسيا إلى التدخل لإنهاء الخلافات السعودية الإيرانية، لتعود العلاقات بين البلدين ويتم التنسيق في العديد من الملفات المتعلقة بمناطق النفوذ الإيراني سواء في اليمن أو العراق أو لبنان، الأمر الذي خلق حالة من التفاهم بين الطرفين تطورت إلى طرح مبادرات للتعاون العسكري خلال  الأسبوع الأخير من أكتوبر الماضي، ونتج عن تطل التطورات جمود المفاوضات السعودية الإسرائيلية بعد وضع المملكة عدة شروط لتمرير التطبيع رفضتها حكومة نتنياهو، ومن ثم قد تؤثر العلاقات الجديدة بين حكومة الرياض وإيران في مسار  مفاوضات التطبيع على المديين القصير والبعيد.