وقد صرح السفير تميم خلاف المتحدث الرسمي باسم وزارة الخارجية المصرية، أمس الإثنين، أنه وفي إطار دعم مصر لمساعي الصومال الشقيق لتحقيق الأمن والاستقرار ومكافحة الإرهاب وصون سيادته ووحدة وسلامة أراضيه، فقد وصلت إلي العاصمة الصومالية "مقديشو" شحنة من المساعدات العسكرية المصرية للجيش الصومالي بهدف دعم وبناء قدراته، وفق ما ورد ببيان رسمي.
وأوضح بيان الخارجية المصرية أن تلك المساعدات تأتي في إطار تنفيذ التزامات مصر بموجب بروتوكول التعاون العسكري الموقع مؤخرا مع الصومال، وتأكيدا علي مواصلة الدور المصري المحوري في دعم الجهود الصومالية نحو امتلاك القدرات والإمكانات الوطنية لتحقيق تطلعات الشعب الصومالي الشقيق في الأمن والاستقرار والتنمية.
خلفية كاشفة
وفي 20 يوليو/تموز الماضي وافق مجلس الوزراء الصومالي على اتفاقية دفاع مشترك مع مصر وسط محاولات إثيوبية لإنشاء قاعدة بحرية في إقليم أرض الصومال، ومع زيارة الرئيس الصومالي الثانية إلى مصر قبل أيام تم الإعلان عن توقيع بروتوكول تعاون عسكري عقب مباحثات بين شيخ محمود ونظيره المصري عبدالفتاح السيسي.
عقب ذلك حدثت خطوة غير مسبوقة منذ 4 عقود أقدمت عليها مصر عندما سلمت الصومال مساعدات عسكرية، في وقت تتصاعد الخلافات بين مصر وإثيوبيا على خلفية أزمة سد النهضة وكذلك تجاوزات أديس أبابا تجاه الأراضي الصومالية، حيث هبطت في 27 أغسطس/أب طائرتان عسكريتان مصريتان محملتان بالأسلحة والذخيرة في مطار مقديشو، كخطوة تعبر عن التقارب الكبير بين القاهرة والجانب الصومالي لا سيما بعد الاتفاقات التي أبرمها الإثيوبيون مع ما يعرف بإقليم "أرض الصومال".
لم تنتظر إثيوبيا كثيرا، إذ سرعان ما أصدرت بيانا تهاجم فيه وصول تلك المعدات العسكرية المصرية وتعتبر الأمر تهديدا لأمنها القومي،علما أن أديس أبابا كانت وقعت مع أرض الصومال اتفاقا يتيح لها استئجار منطقة مطلة على خليج عدن، أي ما يمنح إثيوبيا الحبيسة أخيرا منفذا بحريا يصلها بالبحر الأحمر، بل ويتيح لها إقامة قاعدة عسكرية هناك، مقابل اعتراف مستقبلي من أديس أبابا بهذا الإقليم كدولة مستقلة في خطوة لم تقدم عليها أي دولة منذ إعلان هذا الإقليم نفسه دولة من طرف واحد عام 1991.
رؤية دبلوماسية
يقول السفير صلاح حليمة نائب رئيس المجلس المصري للشؤون الأفريقية إن البحر الأحمر يشهد توترات كبيرة، وهذا الأمر يشكل أهمية ليس للأمن القومي المصري فقط، بل وللأمن القومي العربي ولكثير من الدول مثل الولايات المتحدة، مشيرا إلى أن مصادر التوترات متعددة ومنها توقيع إثيوبيا مذكرة التفاهم مع ما يعرف بإقليم صومالي لاند غير المعترف به دوليا، معتبرا أن الإشكالية هنا في أن أديس أبابا بموجب الاتفاق تحصل على منفذ لها على خليج عدن والبحر الأحمر بشكل سيادي أي كأنه أرض إثيوبية.
وأضاف حليمة، في اتصال لوكالة فرات للأنباء (ANF)، أن هذا الأمر يعني تدخلا في الشأن الداخلي للصومال على نحو يهدد السلامة الإقليمية للأراضي الصومالية، كما أن الطرف الثاني غير مؤهل للتوقيع على اتفاقية لأنه غير معترف به، ومن هنا أخذت مصر ودول الجوار موقفا رافضا لهذه المذكرة أو الاتفاقية، مشيرا إلى أنه كانت هناك محاولات من بعض الأطراف للتوسط من أجل إنهاء هذه الأزمة وإيجاد حل بشأن تداعيات هذه الاتفاقية.
ويلفت إلى أن الرئيس الصومالي حسن شيخ محمود بدوره لجأ إلى مصر والتقى الرئيس عبدالفتاح السيسي ورئيس الوزراء الدكتور مصطفى مدبولي وتم إبرام اتفاقية دفاع مشترك بناء على طلبه وفي إطار اتفاقية الدفاع العربي المشترك، أعقب ذلك توقيع بروتوكول تعاون عسكري بين القاهرة ومقديشو، وهنا الموقف المصري داعم للصومال للحفاظ على وحدته، خاصة أن أي تهديد للأخير يشكل تهديدا للأمن القومي المصري وحتى له تأثيره على الملاحة الدولية.
وفي إطار تصاعد العلاقات بين القاهرة ومقديشو، فتحت الأولى سفارتها لدى الثانية، كما فتح كذلك خط طيران مباشر بين العاصمتين العربيتين، ومؤخرا أقدمت حكومة الإقليم الانفصالي "صومالي لاند" على إغلاق المكتبة المصرية وطالبت موظفيها بالرحيل، ثم أصدرت القاهرة لاحقا بيانا دعت فيها مواطنيها إلى مغادرة الإقليم والاتجاه إلى دولة الصومال أو أي دولة أخرى، في وقت أقدمت أديس أبابا على تعيين سفير لها لدى "صومالي لاند".
رؤية عسكرية
حول الأبعاد العسكرية لهذه الخطوة المصرية، يقول اللواء أركان حرب سمير فرج مدير الشؤون المعنوية الأسبق بالقوات المسلحة المصرية إن الصومال الدولة المعترف بها وعضو جامعة الدول العربية يجمعها مع مصر بروتوكول تعاون مشترك، وهذا البروتوكول يعطي القاهرة بناء على طلب مقديشو تطوير القوات المسلحة الصومالية حتى تستطيع الدفاع عن أمنها القومي ومطاردة عناصر الإرهاب.
وأضاف، في تصريحات هاتفية لوكالة فرات للأنباء (ANF)، أن هذه المساعدات تم تقديمها بناء على طلب الصومال، ولأن القاهرة ترى أن أمن الجانب الصومالي هو أمن قومي مباشر لمصر، لأنه يؤمن مدخل المضيق المؤدي إلى قناة السويس التي تعد مدخلا رئيسيا للدخل القومي للمصريين، ومن هنا يأتي الدور المصري بالتدريب لتلك القوات وإعادة التنظيم والدعم لتكون قوية لتأمين الصومال.
وشدد اللواء سمير فرج على أن مصر ليس لديها حاليا أي قوات عسكرية على الأراضي الصومالية، كما أن السفينة التي تحركت تحمل معدات عسكرية مؤمنة بفرقاطة شبحية حتى وصلت إلى الجانب الصومالي، مؤكدا أننا في هذا السياق ليس لنا علاقة بإثيوبيا وإنما الأمر مرتبط بأن الصومال تتواجد عند مضيق باب المندب ومصر تريد تأمينه ويعنيها ذلك.
وملف سد النهضة هو محور الخلاف الرئيسي بين مصر وإثيوبيا على مدار نحو 14 عاما منذ أن أقدمت الأخيرة على بنائه كدولة منبع دون أن يكون ذلك بأي تنسيق أو توافق مع الجانب المصري لا سيما مع تأثيره على حصة الأخير من المياه.
وقد تمسكت القاهرة بالمسار الدبلوماسي إلا أن أديس أبابا كانت ما تضرب عرض الحائط بتلك الجهود وتصر على المضي قدما في قراراتها المنفردة، واعتمد رئيس وزرائها خطابا شعبويا عدائيا تجاه القاهرة يبدو أنه يوظفه لأهداف تعبوية سياسية في ظل الصراعات والخلافات السياسية الداخلية التي لم تنتهي بعد، ما يعني أن أعمق أزمات القرن الأفريقي الكبير لا تزال تنتظرها فصول أخرى.