قال الكاتب فتحي محمود صاحب كتاب العلاقات العربية الكردية إنه أراد بكتابه الوصول إلى الرأي العربي حتى يتعرف على حقيقة الأمور بشأن الكرد وأوضاعهم تاريخيا، وحتى اليوم وكذلك حقيقة بعض الشبهات التي كانت تدور في الأذهان لدى النخبة العربية عن القضية الكردية، وإنه لدى تقديمه الكتاب لم يكن هدفه أن يعالج وضع للقضية الكردية داخل دولة معينة، ولكن وضع عام للقضية الكردية بشكل كامل والعرب بالكامل.
وأضاف محمود، في كلمته في الندوة التي أقامها مركز كاليبار أكاديمي، برئاسة الفنان الكبير علي بدرخان، ليلة أمس، لذلك الكتاب موجه لمد العرب بالكامل بتاريخ الكرد وبالمؤامرات التي تعرضوا لها والتي جعلت زميله الكاتب الصحفي محمد شعير يكتب في مقاله في صحيفة الأهرام عن الكتاب في المقال عنوانًا هو "الكرد أشد الناس عذابًا في الأرض".
ولفت إلى أن الكتاب يدعو إضافة إلى توجيهه للعرب وتعريفه بالقضية الكردية يدعو إلى مقترحات محددة لحوار بين الرأي العام العربي والكرد، ويدعو إلى المزيد من التعرف عن الكرد.
وأوضح أن المدخل الثقافي في ظل الأوضاع الحالية هو المدخل الحقيقي الذي يمكن أن تكون له نتائج مهمة للرأي العام للتقريب بين الهويتين أو بين الكرد والعرب.
وتابع: ولتعريف الرأي العام عن الكرد يجب الاطلاع على الأدب الكردي المعاصر، أريد أن أرى في مكتبات القاهرة وبيروت وغيرها من المدن كتابات باللغة العربية للأدب الكردي المعاصر، وليس فقط للكرد الذين يكتبون باللغة العربية، لكن الأدب الكردي المعاصر بالكامل، أريد أن أرى السينما الكردية في العواصم العربية، أريد أن يكون هناك أقسام للغة الكردية في الجامعات المصرية، والجامعات العربية مثلما هناك أقسام للغات أخرى كثيرة.
واستطرد: أريد أن يكون معهد عربي كردي مشترك تحت إشراف المنظمات العربية المتخصصة المنبثقة عن الجامعة العربية مثل المنظمة العربية للثقافة والفنون والعلوم، معهد يكون دورة نقل الثقافة الكردية والتعريف بها لدى العالم العربي، أحلم بأن أعد كتابًا عن المرأة الكردية، فالرأي العام العربي لا يعرف أن المرأة الكردية في مناطق كثيرة هي مقاتلة وقائدة وزعيمة وأشياء كثيرة أخرى لا نعلم عنها شيء.
وأشار إلى أن هناك حالة جهل لدى قطاعات كثيرة من العالم العربي بالقضية الكردية وبعناصر كثيرة من القضية الكردية، وأنه لذلك حاول عبر كتابه تقديم مقترحات كثيرة مثل المعهد العربي الكردي، فتح حوار زيادة السياحة، المهرجانات المشتركة في شتى المجالات، أقسام تعليم اللغة الكردية في الجامعات.
وأكد: نحن بحاجة إلى جهد كبير إلى تعريف العالم العربي بالثقافة الكردية، فقطاعات كبيرة من الرأي العام العربي لا تعرف شيء عن الثقافة الكردية بل ولدى النخبة أيضًا، وهذا ما لمسته بعد إصدار الكتاب وعندما أهديته لبعض المثقفين والمؤثرين في الرأي العام العربي وكانت المفاجئة لدي أن عديد منهم ليس لديه أيه معلومات ذات قيمة عن القضية الآن أو عن الأوضاع الكردية بشكل حقيقي، وأن كلها كانت معلومات مستقاه من أجهزة الإعلام ومصدرها الرئيسي وسائل الإعلام الغربية التي تتكلم عن أحداث عابرة لكن لا يوجد أي عمق حقيقي في المسألة.
وأوضح في ختام كلمته: "لذلك هدفي الأساسي هو أن أتوجه للرأي العام العربي لأقول لهم من هم الكرد وكيف نستطيع أن نستوعب الثقافة الكردية كعرب وأن نتعرف عليها وما المقترحات التي يمكن أن تؤدي إلى تعزيز حوار عربي كردي".
أما المخرج الكبير علي بدرخان، رحب بدوره بالحضور لافتًا إلى أن البدرخانيين هم أسرة عريقة ينتمون إلى بوتان، الموجودة حاليا في تركيا، وفدم الشكر للكاتب فتحي محمود للجهد الذي قام به للتعريف بالقضية الكردية.
وقال إن العائلة البدرخانية كانت من أوائل البدرخانيين الذين تنبهوا إلى أهمية الإعلام والتعريف بالقضية الكردية التي تقريبا ليست مفهومة للكثيرين في الدول العربية والأجنبية، وهو ما وضعته العائلة البدرخانية كهدف لتغييره لتحمل بذلك لواء الإعلام بالقضية فأصدروا أول جريدة "كردستان" التي صدرت في القاهرة وكان هدف بعض أعضاء الأسرة من ذلك التعريف بالقضية، معتبرا أن هذه المسألة هي رسالة حتمية لابد من حملها واستكمال المسار.
وعبر عن أمله في أن يقدم فيلما يعبر عن الحالة الكردية ويعبر عن الهوية الكردية في الأزياء والعادات والتقاليد وغير ذلك من الاحتفالات التي تتجاور وتتشابه مع احتفالات العرب والمصريين، كعيد نوروز وما يقابله من عيد شم النسيم في مصر والذي يمتد لمصر القديمة (الفرعونية).
ولفت إلى أهمية دور الفن والإبداع الكردي، الذي ربما يكون بعيد عن الدائرة العربية، خاصة في الموسيقى والغناء التي تعد بمثابة حالة فريدة تحتاج إلى دراة وإلى مزيد من الاقتراب.
كما تحدث خلال الندوة الأستاذ رجائي فايد مدير المركز المصري للدراسات الكردية وأشار إلى أن الثقافة الكردية كانت محور اهتمام لدى المثقفين المصريين في مراحل مختلفة، سواء مع الاحتفاء بحضور البدرخانيين إلى مصر وإصدار جريدة كردستان والتي تصنف كأول صحيفة كردية ويعد يوم إصدارها هو يوم عيد للصحافة الكردية، كما أشار إلى أن الأديب الكبير الراحل جمال الغيطاني احتفى بالأدب الكردي في جريدة أخبار الأدب، وقدم ملفًا خاصًا عن الأدب والإبداع الكردي حتى أنه ترجم قصيدة مهمة لشاعر كردي هو "شيركو بيكه س"، بل وقدم الغيطاني مقالا نقديا مهما عنه.
وبدورها تحدثت ليلى موسى ممثلة مجلس سوريا الديمقراطية لدى مصر في مداخلة، شكرت فيها الكاتب على هذا العمل، معتبرة أنها كبداية وخطوة إيجابية يمكن البناء عليها، كما قدمت الشكر للمخرج على بدرخان على دعوته لها للمشاركة في الندوة.
ولفتت إلى أنه لا يمكن أن يتم حصر العلاقات العربية الكردية في جانب ضيق وهو الجانب الثقافي فقط، فالعلاقات العربية الكردية تمر بمرحلة حساسة ونحن بحاجة إلى تطوير العلاقات وتقويتها أكثر مما هي عليه.
وأضافت "كما تعلمون نحن نمر بمرحلة هي حرب عالمية ثالثة وبالنسبة لنا في سوريا فهناك تجربة مريرة نمر بها في ظل قوى إقليمية خاصة التركية والإيرانية، والتي عملت ولا تزال تعمل على إثارة النعرات تارة من الجانب الديني وأخرى من الجانب القومي، والهدف تفكيك المنطقة أكثر مما هي مفككة، والعمل على إثارة القلاقل والفوضى والقضاء على النسيج الاجتماعي في المنطقة".
وأوضحت: "نحن كمجلس سوريا الديمقراطية لدينا مشروع منذ بداية الأزمة السورية واستنادًا إلى فلسفة الأمة الديمقراطية وأخوة الشعوب، استطعنا إلى حد كبير أن نحافظ على هذا النسيج الاجتماعي، الذي هو بالأساس موجود، فالعلاقات بين الشعوب موجودة والعلاقات بين أي مكون موجود في الجغرافيا السورية قائمة وممتدة في عمق التاريخ وكان هناك فقط حاجة إلى ترميم هذه العلاقة وتمتينها أكثر مما هي عليه وبالفعل استطعنا أن نحقق خطوات ملموسة في هذا المنحى، وقوات سوريا الديمقراطية أظن أنكم على التجربة التي خاضوها في محاربة الإرهاب وما تسمى دولة الخلافة وتحرير المنطقة، وما زلنا كقوات قسد تضم ليس الكرد والعرب فقط وانما كافة المكونات الموجودة في المنطقة، وهي تجربة ناجحة، ولاستمرارية التجربة والحفاظ عليها فنحن بحاجة إلى دعم أكبر من الدول العربية وليس الدور السلبي الذي تلعبه بعض الدول العربية بدعم جماعات راديكالية لا تؤثر فقط على الأمن القومي لسوريا فقط بل الأمن الوجودي للمنطقة ككل، فأغلب دول المنطقة العربية خاضت تجربة مريرة مع تلك الجماعات الراديكالية، ومصر على سبيل المثال استطاعت أن تخطو خطوات واستطاعت مواجهتها، لكن أيضا لازالت المسألة بحاجة إلى جهود كبيرة ومستمرة، لذا نحن بحاجة إلى تكثيف الجهود أكثر مما هو عليه، صراحة التعاون موجود لكن ليس بالمستوى المطلوب، فالمطلوب تطوير هذا المنحى أكثر مما هي عليه.
أما الدكتور جمال يوسف قنصل مصر الأسبق في أربيل، فبدوره وجه الشكر للفنان علي بدرخان على استضافة الندوة، لافتًا إلى أنهما تجمعهما صداقة منذ السبعينيات لكنه لم يعلم بكردية أصوله إلا عندما زار أربيل وتواجده في عام ٢٠٠٥ – ٢٠٠٦، وقت عمله قنصلا في أربيل، وهي الفترة التي يقول عنها أنه تعايش وانصهر مع المجتمع الكردي في ذلك الوقت.
وأضاف "يمكن القول إن القضية الكردية هي قضية فريدة في منطقتنا لأن مواطني القومية الكردية متواجدين في أربع دول مختلفة، وهذا ما يجعل القضية الكردية فيها من الصعوبة، لأن كرد العراق عاشوا تحت نظام حكم لم يكن ليوفر لهم حياة طبيعية كمواطنين عراقيين، وكرد إيران يعيشون حياه بائسة، وفي سوريا يعيشون منتقصي الحقوق، أما في تركيا فهم غير معترف بهم ويعتبروهم أتراك الجبال".
وأردف: حضرت ندوة للشباب من المناطق الأربع وقضيت معهم يوم كامل وكانت تجربة مفيدة جدا، رأيت حماس الشباب وعايشت الاختلافات بينهم ويمكن لو كان انضم لهم الأكراد المصريين، أي المصريين من أصول كردية كان سيصبح هناك اختلاف كبير، فالمكون الكردي في مصر مختلف عن الكرد في هذه الدول والذين يعيشون حياة غير طبيعية".
وأشار إلى أن قضيتهم بالأساس مشكلتها التدخلات الخارجية واستخدام القضية الكردية لأهداف أخرى ليس لها علاقة بالقضية الكردية على الإطلاق، فكل من يتصل بالكرد في مرحلة من المراحل من الدول الغربية يتحركوا في إطار مخطط صهيوني عالمي.
واعتبر أن "الغريب في القضية الكردية من وجهة نظره أن يكون البطل القومي عبدالله أوجلان في السجون والكرد غير قادرين على إخراجه من السجن، أوجلان تم اختطافه بواسطة الموساد الإسرائيلي وتم ترحيله من كينيا، وكنت في هذه الفترة قنصل مصر في نيروبي، وتم ترحيله وتسليمه إلى تركيا، وهذا في وقت يضع الغرب العمال الكردستاني ككيان إرهابي ويطلب من الدول أن تعترف بإرهابية هذا التنظيم، وهنا لن يكون من حقك أن تطالب بحق أي فرد ينتمي له أو بحريته وتحريره، فبالتالي يعتبروا البطل القومي مجرم حرب وهذه مفارقة غريبة جدا، فأوجلان بطل كردي وطني، حتى أنه في الفترة الأخيرة وبعدما كان يطالب بانفصال الكرد بإقليمهم بدأ يتحدث عن عيش الكرد في وسط الدول التي يعيشون فيها كمواطنين لكن بأن يكون لهم كل الحقوق وأن يكون وجودهم على أساس المواطنة".
وتابع: وجود الكرد في دولة قوية كالعراق وأن يكون لهم كافة الحقوق كمواطنين عراقيين كاملي الحقوق سيكون أفضل من وجود دولة كردية في محيط من العداء.
وأكد في نهاية كلمته: القضية الكردية ستعيش في الوجدان خاصة في ظل شعب يطمح أن تكون له دولة وأتصور أنه ستكون له دولة لكن في وقت تكون دولة قوية وتنفصل عن دول قوية ليستطيع أن ينشيء كيان قوي، وكردستان العراق في ٢٠٠٥ كان يمكن أن تكون كما دبي وأن تكون قاطرة للعراق كله، لكن للأسف المصالح الضيقة والتدخلات الخارجية خاصة من إيران حالت دون تحقيق هذا الحلم الذي كنت أنا شخصيا أراه حلما مشروعًا للشعب الكردي".
بدوره قال الكاتب والباحث الكردي أحمد شيخو إن العلاقات العربية الكردية هي مهمة في إطار تعزيز منظومة الأمن القومي العربي ورافد مهم في هذا السياق، وأن تعزيز العلاقات سيساعد على تماسك المنطقة وتقوية جبهتها الداخلية في مواجهة التحديات المختلفة، وكذلك حل القضية الكردية في إطار ما يقترحه القائد أوجلان وهو الحل الديمقراطي للقضية الكردية، والذي يقتضي أن يكون هناك تعاون وتساند وتشارك مع شعوب المنطقة، خصوصا الشعب العربي.
وأشار إلى أن حل القضية الكردية في المنطقة سواء كان في سوريا أو العراق أو تركيا أو إيران سيساعد على الاستقرار والأمن بل ويكون عامل إضافي من عوامل تعزيز الأمن القومي العربي وتقوية وتمتين الجبهة الداخلية في مواجهة التحديات ومواجهة الإرهاب وأن الشراكات والمحطات التاريخية المشتركة عبر مراحل التاريخ والتي لعبت دور كبير في المنطقة كما كانت أيام صلاح الدين وغيره.
ولفت إلى أن "هذه الشراكة تتجدد الآن في شمال شرقي سوريا، وعبرت فعلا عن علاقة شراكة حقيقية بين الشعبين العربي والكردي ضمن قوات سوريا الديمقراطية التي واجهت الإرهاب وانتصرت عليه وبالتالي فإن حل القضية الكردية في مركزها الأساسي في تركيا وخروج القائد أوجلان من سجنه سيساعد على تحقيق الاستقرار والديمقراطية في تركيا ووقتها لن تحتاج تركيا التدخل في شؤون الدول العربية الداخلية كون سعي تركيا لاحتلال الدول العربية والتدخل فيها هي ناتج لأحد عواملها الأساسية أنه ليس هناك حل للقضية الكردية في تركيا، وبالتالي فإن تعزيز العلاقات العربية الكردية سيكون له دور أساسي في منع التدخلات التركية السلبية حتى في الدول العربية وبالتالي تحقيق الاستقرار والأمن والسلام في المنطقة".
وحضر الندوة نخبة من الكتاب والمثقفين والمهتمين بالشأن الكردي من مصر ولبنان وسوريا وفلسطين واليمن، بإدارة الكاتب الصحفي محمد شعير.