وبحسب البيانات التي أعلنت رسمياً، فقد تمت دعوة نحو 17 مليون ناخب عراقي للتصويت واختيار من يشغلون 285 مقعداً في جميع المحافظات العراقية من بين 6 آلاف مترشح لهذه المجالس التي استحدثت عقب الغزو الأمريكي وإسقاط نظام صدام حسين عام 2003.
وتمتلك مجالس المحافظات الـ 15 صلاحيات واسعة، فهي المخولة بانتخاب المحافظ، كما أنها مسؤولة عن وضع الميزانيات اللازمة للمحافظة سواء ما يتعلق بالنقل أو الصحة أو التعليم، والتي تعود بالأساس إلى التمويلات المخصصة لها في الموازنة العامة والتي بدورها يعود 90% منها لإيرادات المحافظة من النفط.
انتخابات تعزز موقع الأحزاب الموالية لإيران
وتأتي مقاطعة التيار الصدري الذي يقوده الزعيم الشيعي مقتدى الصدر كأحد أبرز الأمور السياسية التي تحيط بانتخابات المحافظات في العراق، كونه من أهم التيارات السياسية، فيما يرى مراقبون أن هذه الانتخابات من شأنها تعزيز مكانة الأحزاب السياسية والقوى الموالية لإيران.
في هذا السياق، يقول حازم العبيدي المحلل السياسي العراقي إن مجالس المحافظات كانت قد ألغيت تحت ضغط الاحتجاجات الشعبية التي خرجت تنديداً بالفساد وأعمال النهب والسرقة التي كانت تحدث بداخلها من قبل الفصائل والأحزاب الموالية لإيران، معتبراً أن عودتها تعني رغبة تلك الأحزاب المعروفة بقربها من إيران مرة أخرى في الاستفادة من مقدرات المحافظات للحصول على تمويلات لأعمالها السياسية والحزبية.
ويرى "العبيدي"، في اتصال هاتفي لوكالة فرات للأنباء (ANF)، أن مسألة انسحاب التيار الصدري من المشهد وعدم خوضه انتخابات مجالس المحافظات تأتي في إطار لعبة إيرانية ليظهر الصدريون بدور المعارضة كإجراء شكلي أمام العالم بأن هناك معارضة، كما أن انسحابه أعطى الفرصة للسيطرة التامة على كافة مفاصل الدولة من بقية الأحزاب والقوى الأخرى الموالية للنظام الإيراني.
وعن مشاركة السنة في هذه الانتخابات، يقول المحلل السياسي العراقي إن هؤلاء المترشحين لا يمكن حسابهم على المكون السني، بل هم أيضاً يدخلون في إطار موافقة من إيران، فكما التيار الصدري يلعب دور التيار الشيعي المعارض، فإن إيران وظفت بعض السنة لتكملة المشهد الذي تقوم برسمه كما شاءت.
وانتقد "العبيدي" كذلك قانون الانتخابات الذي صدر في مارس/آذار والذي خلق دوائر انتخابية ذات حجم كبير، ومثل هذا الأمر من شأنه إضعاف الأحزاب السياسية الصغيرة وكذلك فرص المستقلين، على نحو يصب بشكل أو بآخر لمصلحة أحزاب ما يسمى بـ"الإطار التنسيقي" الذي هو عبارة عن ائتلاف للأحزاب الشيعية الموالية لإيران.
وكانت مجالس المحافظات جرى حلها تحت ضغط شعبي في أعقاب تظاهرات غير مسبوقة شهدتها البلاد عام 2019، فيما كان "السوداني" قد قطع وعداً بإعادة المجالس التي سبق وتم انتخابها عام 2013 حيث تشمل 15 محافظة، فيما تم استبعاد 3 محافظات تقع في نطاق إقليم كردستان شمال العراق المتمتع بحكم ذاتي.
وتسود توقعات بتراجع تحالف "تقدّم" في المحافظات السنية والذي كان يقوده محمد الحلبوسي رئيس مجلس النواب العراقي المقال، عقب قرار المحكمة الاتحادية العليا في نوفمبر/تشرين الثاني بإقالته منصبه كرئيس لمجلس النواب.
توقعات نسبة إقبال ضعيفة
بدورها، أعربت الكاتبة الصحفية العراقية لينا مظلوم عن توقعاتها بضعف الإقبال على التصويت، وربطت ذلك بعدة أسباب أولها انسحاب التيار الصدري أو دعوة مقتدى الصدر الذي يملك شعبية كاسحة في الشارع العراقي إلى المقاطعة، وبالتالي ستكون نسبة المشاركة منخفضة خصوصا في الجنوب، أيضا يمتلك التيار قدرة تأثيرية في وسط العراق والمحافظات التي حولها.
وأضافت، في اتصال هاتفي لوكالة فرات للأنباء (ANF)، أن السبب الثاني الذي يقف خلف توقعاتها بتراجع الإقبال، يعود إلى أن المواطن العراقي أصبح يرى أنه لا أمل في ظهور وجوه وطنية تعمل للمشروع الوطني العراقي، وإنما نفس الوجوه المكررة التي تنتمي إلى أحزاب لديها أجنداتها غير الوطنية، وفي ظل تسيد تلك الأحزاب المشهد السياسي تتراجع نسبة المشاركة.
وانتقدت الكاتبة الصحفية العراقية كذلك المناخ الذي تجري فيه الانتخابات، قائلة إنه لا يمكن وصفها بالشفافية التامة، فهناك تهديدات تصل إلى مرشحين عبر مواقع التواصل الاجتماعي، وهناك وسائل غير قانونية تستخدم في الانتخابات، وبالتالي لا نستطيع أن نجزم بشفافيتها، كما أنها تجري في ظروف أمنية دقيقة جدا بالنسبة للعراق.
موقف رئيس الوزراء العراقي
ويرى مراقبون أن الانتخابات الحالية تكتسب أهمية كبيرة لا سيما لدى رئيس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني، الذي يضع على رأس أولوياته تطوير البنى التحتية في مختلف المحافظات والمدمرة نتيجة الصراعات التي يشهدها العراق، فضلا عن الارتقاء بالخدمات المقدمة للمواطنين.
وتعلق لينا مظلوم على موقف "السوداني"، فتقول إنه محاط بوجوه من الإطار التنسيقي الشيعي، وهو يحاول دائماً إظهار أنه مستقبل، ولكي نكون منصفين كانت لديه إيجابيات منها محاربة الفساد، لكن عندما يتعلق الأمر بالمشروعات، فإنه مقيد بضغوط من هذه التيارات والأحزاب الولائية التي تشعر أنه يدين لها بالفضل بشغله منصب رئيس الوزراء.
وشهدت عدة مناطق قيام أنصار التيار الصدري بتمزيق الملصقات الانتخابية بينما تم تخريب العديد من مكاتب الحملات السياسية، وفي مدينة النجف الجنوبية، معقل الصدر، تظاهر الآلاف قبل يومين لحث المواطنين على مقاطعة الانتخابات، فيما تعهد الناشطون الذين كانوا سبباً من قبل في حل تلك المجالس بمقاطعة التصويت.