رئيس الحزب الديمقراطي المصري: الفاشية إلى زوال ونحن بأمس الحاجة إلى التحالف لمواجهتها
يرى الدكتور فريد زهران رئيس الحزب المصري الديمقراطي الاجتماعي أن منطقة الشرق الأوسط تشهد لحظة تاريخية صعبة، حيث تعيد الفاشية إنتاج نفسها بأبشع صورها.
يرى الدكتور فريد زهران رئيس الحزب المصري الديمقراطي الاجتماعي أن منطقة الشرق الأوسط تشهد لحظة تاريخية صعبة، حيث تعيد الفاشية إنتاج نفسها بأبشع صورها.
جاءت تصريحات الدكتور فريد زهران، خلال ندوة عقدت عبر الفضاء الإلكتروني مساء أمس الأول، لمناقشة واقع الأحزاب السياسية في الشرق الأوسط والتحديات التي تواجهها وآفاق المستقبل، التي نظمتها المبادرة العربية لحرية القائد عبدالله أوجلان بالتزامن مع الذكرى الـ46 لتأسيس حزب العمال الكردستاني، وسط مشاركة عدد من قادة الفكر والرأي والسياسة من العرب والكرد.
وفي بداية حديثه، أبدى زهران سعادته أن يكون بين المشاركين في هذه الندوة، قائلاً: "إننا نشهد لقاءً فريداً يجمع قامات كبيرة وقيادات لها سجل بارز في النضال الديمقراطي والوطني والإنساني العالمي، من خلفية يسارية لها منابع مختلفة وآفاق قد تكون متباينة، لكن يجمع بينها هذا التطلع الإنساني الراغب فعلاً في تغيير العالم باتجاه أفضل وأكثر إنسانية".
فاشية أكثر وحشية
وقال زهران إننا نتحدث في ظل ظروف صعبة للغاية، لأن هذه النزعة الإنسانية التي تم بناؤها منذ الثورة الفرنسية مروراً بالثورات الكبرى، مثل الثورة الروسية والتغيرات العظمى التي تمت في العالم، وانتصرت فيها قوى السلام والتقدم على الفاشية في الحرب العالمية الثانية، إلا أنه بعد كل هذا التاريخ المجيد فنحن نشهد اليوم مستوى من الفاشية غير مسبوق في أداءات إسرائيل ونتنياهو المدعوم بإدارة أمريكية تكاد تكون طبعة جديدة من النازية في أحط صورها.
وأضاف أنه وبالتالي فنحن في لحظة صعبة جداً، منوهاً إلى أنه لا يقول ذلك كاستهلال بعيد عن موضوع الندوة، بل على العكس فإن ما يريد الحديث فيه هو أن أكبر صعوبة وتحد في وجه الأحزاب السياسية اليوم – في العالم بصفة عامة وفي منطقتنا بشكل خاص جداً – هذا النمو غير الطبيعي للنزعة الفاشية، وقدرتها على أن تبدو منتصرة وأن تبدو قادرة على هزيمة أصحاب النزعات الإنسانية سواء كانت نزعات اشتراكية أو نزعات ليبرالية.
ويقول السياسي المصري إن الفاشية التي تضرب اليوم بكل بطش وإجرام كل صوت في المنطقة، وتحاول أن تديرها بهذه النزعة الإجرامية الفاشية، تجعل كل صوت ديمقراطي يبدو واهماً ويبدو ضعيفاً ويبدو مهزوماً، كما تجعل دعاة التغيير الآمن والسلمي والديمقراطي ودعاة النزعة الإنسانية كأنهم يقولون حديثاً غير منطقي وغير ممكن وغير عملي.
ويضيف زهران متسائلاً: "كيف تكون قادراً على الحديث عن التنظيم أو التظاهر أو الاعتصام أو الإضراب، أو أي أسلوب من أساليب النضال السلمي أو صندوق الانتخاب – باعتبار كل هذه وسائل للتغيير – في ظل نجاح قوى الفاشية في فرض إرادتها بالصواريخ والقنابل وإراقة الدماء؟".
تراجع الحلم
وهنا أعرب السياسي المصري البارز عن اعتقاده أن أهم عقبة تواجه الأحزاب الديمقراطية الإنسانية في عالمنا العربي هي عقبة الفاشية، وهذا ما يجعل شعوبنا أو الجمهور بمعناه الواسع يحلم طوال الوقت بالمخلص الفرد، ويحلم بالجماعة التي تستطيع تحقيق إنجاز سريع، من خلال استخدام نفس الأساليب أو ربما أساليب قريبة من أساليب العدو، وهي أساليب العنف المباشرة.
وأوضح أنه أي أن يحلم الناس بأنهم يمكنهم أن يستيقظوا صباحاً فيجدوا جماعة ما قادرة أن تقتل بنيامين نتنياهو أو أمثاله، فيفرح هؤلاء لذلك ويحتفلون، مضيفاً أن الناس لم يعد لديهم قدرة على الحلم بنضال طويل النفس وطويل المدى، من خلال أحزاب سياسية، ومن خلال صناديق الاقتراع وحشد وتعبئة التأييد الدولي للقضايا الإنسانية، مشدداً على أن هذا الحلم يتراجع في المنطقة.
ويقول زهران إنه دائماً ما يقول إن الخصم الرئيسي لنا ليس السلطة السياسية بكل ما تقوم به من إجراءات وتسن من قوانين وتتخذ من أساليب، بل الخصم الرئيسي لنا أصبح هذا المستوى من اليأس، وهذا المستوى من الإحباط، وهذا المستوى من العزوف عن المشاركة، مشدداً على أن "هذا ما جعل قدرتنا على تحقيق أي إنجاز محدودة".
ويؤكد رئيس الحزب المصري الديمقراطي أن قوة الأنظمة السياسية ليست التي "تجعلنا بهذا القدر من الضعف والهوان"، وإنما انصراف الجمهور وعزوفه وإحباطه هو السبب الرئيسي، ويتساءل: "من أين يأتي هذا العزوف؟، من أين يأتي هذا الإحباط؟، من أين يأتي كل هذا اليأس؟"، مجيباً: "يأتي من نجاح قوى البطش والفاشية في فرض إرادتها – وللأسف أني أقول ذلك وأضع تحته 40 خطاً – بهذا القدر من النجاح".
عقبات رئيسية
ويرى السياسي المصري أنه في تصوره فإن هذه هي العقبة الرئيسية التي تواجه الأحزاب السياسية، لافتاً إلى أن الأخيرة تعتمد على فكرة النضال طويل النفس باستخدام أدوات الحشد والتعبئة، وباستخدام حرية الرأي والتعبير المكفولة مهما كانت حدودها ضيقة، وباستخدام أساليب التنظيم المختلفة في نقابات وجمعيات، مشدداً على أنه مهما كان هذا الهامش ضيقاً فإن هذا النضال طويل النفس يواجه بإحباط ويأس وعزوف عن المشاركة.
ويضيف أنه هذا الإحباط والعزوف يأتي بسبب النزعة الفاشية التي تبدو وكأنها تحقق انتصارات، مشيراً إلى أن هذا في تقديره العقبة الأولى والرئيسية، أما العقبة الثانية – المهمة جداً – فهي عدم تجسد الحلم الإنساني في صورة واضحة، الذي كان في لحظة من اللحظات كتب أو كتابات أو شعارات مثل "يا عمال العالم اتحدوا"، أو انتصار الثورة السوفيتية، أو انتصار الثورة الصينية، أي كانت هناك أشياء ملهمة، وأفكار كبرى ملهمة، سواء كانت أفكار كبرى كالثورة الفرنسية أو الأفكار الكبرى للثورة الروسية، أو في لحظة تاريخية معينة تكون أفكار رئيس ما مثل ماو، أو نموذج مناضل مثل كيفارا.
ويقول زهران إنه قد كانت هناك نماذج وأفكار ملهمة، وكلها تحت مظلات كبيرة لها طابع إيديولوجي متناغم ومنسجم يعبر عن حلم إنساني، إلا أن اليوم هذا الحلم يكاد يكون غير موجود، وقد تم تفتيت الأفكار الكبرى، وافترق سبل الكثير من المفكرين المحسوبين على اليسار أو المحسوبين حتى على التيار الإنساني بصفة عامة، وأصبحت الأحزاب في مجملها – بكل أسف – أحزاب أقرب إلى أن تكون أحزاب برغماتية برنامجية، ليس لديها إلا ما تقوم به خلال خمس أو عشر سنوات، وأصبح هناك ترويجاً واسعاً لهذه الفكرة فيما يخص الأحزاب، مضيفاً: "ولهذا بقينا أمام تناقض صارخ ما بين جمهور عازف، وأحزاب منصرفة إلى تحقيق أهداف محدودة وملموسة على مدى مباشر".
لكن الدكتور فريد زهران يرى في الوقت ذاته أن الأحزاب "معذورة"، لأنها ترى أن هذا هو المنطقي، وأن العمل التراكمي طويل النفس يقتل هذه الروح البرغماتية، ويقتل تحقيق إنجازات ملموسة كل يوم بيومه، في ظل أن الجمهور لا يستطيع أن يتمسك أو لا يستطيع أن يضحي من أجل أفكار جزئية أو إنجازات جزئية، كما أن الجمهور لا يزال في داخله رغبة جامحة تتطلع إلى حلم كبير.
ويضيف أن هذا التناقض بين أداء الأحزاب السياسية وبين إمكانية الحشد والتعبئة على أساس حلم أو فكرة أو عقيدة أو إيديولوجيا، كل هذا يشكل العقبة الثانية أمامها، أما العقبة الأولى – مرة أخرى – فكانت الانتصارات التي تحققها الفاشية على الأرض.
ويجدد فريد زهران التفاؤل رغم كل ذلك، فيقول إن الفاشية يبدو أن ما تحققه انتصارات، إلا أن كل ذلك إلى زوال قريب – بإذن الله – فكما قال لينين إن القمع يؤرخ للثورة، فإن هذه الانتصارات المزعومة تؤرخ لتغيير كبير، إلا أن ما يبدو ظاهراً من انتصارات كبيرة تحققها الفاشية تشكل عقبة كبيرة أمام الأحزاب، من حيث أن مسار الأحزاب أو رؤاها أو طريقتها مختلفة، وإنجازاتها ليست ملموسة بقدر كاف بالنسبة للناس، والعقبة الثانية هي الافتقاد إلى الحلم.
ويضيف قائلاً: "آخر محاولة لصياغة أحلام كبرى أو حلم – في تصوري – كانت حركات الطلبة أو العمال، أو حركات الطلبة تحديداً سنة 1968، وما أعقبها من ظهور الخضر وظهور بعض التجديد في الخطاب اليساري، ولكن كل هذا لم يحقق ما كان مفترض أن نصل إليه من نقلة فكرية تعيد إحياء الحلم الإنساني".
تفسيرات غير منطقية
ويواصل الدكتور فريد زهران حديثه عن العقبات التي تواجه الأحزاب السياسية، فيقول إنه إلى جوار العقبتين السابقتين تأتي عقبات أخرى يراها أقل أهمية، مثل استبداد النظم الحاكمة، معتبراً أنه في حالة مثل مصر فإن الخصم الرئيسي كان بالنسبة له العزوف عن المشاركة والإحباط، معتبراً أن هذا ليس نتيجة القمع بالمعنى المباشر، فهذا غير صحيح وفقاً له.
ويوضح قائلاً: "كنا نقول من قبل إنه كلما يزداد القمع يزداد سخط الناس وينفجرون في وجه الطغاة، لكن هذا لم يحدث، بل يزداد الاستبداد ولا ينفجر الناس في وجه الطغاة، بل وبالعكس نجد من يقولون إن السبب في عزوف الناس هو الخوف، لكن لماذا لم يؤدي القمع من قبل إلى الخوف؟، ولماذا كان يؤدي لسخط ينفجر؟، أو أن يُقال إن الناس منصرفة عن السياسة لأنها لا تجد (لقمة العيش)، رغم أن عدم الحصول على (لقمة العيش) كان يعني أن الناس تنفجر وليست منشغلة بها!".
ويؤكد زهران أن هذه التفسيرات غير منطقية، وتقديره بكل بساطة أن العزوف عن المشاركة نتيجة من ناحية ما يبدو انتصاراً للفاشية كمشروع بدءاً من طبعاتها الاستعمارية المباشرة وانتهاءً بطبعاتها الشعبوية المحلية المتجسدة في الإسلام السياسي أو ما شابه، ومن ناحية ثانية فشل القوى الإنسانية بصفة عامة – اليساري منها والليبرالي – في أن تحقق نجاحات على الأرض، حتى عندما تلوح لها فرصة إلى ذلك.
ويضرب رئيس الحزب المصري الديمقراطي الاجتماعي مثلاً على ذلك بأحداث 25 كانون الأول من عام 2011 في مصر، فيقول إن الجمهور تطلع بكل شوق وأمل إلى إنجازات كبيرة جداً، والقوى التي شاركت في الثورة باعت أحلاماً كبيرة جداً للناس، وباعت آمالاً كبيرة جداً للناس، لكن عملياً القوى هذه خذلت الناس ولم تستطع تحقيق النجاح الذي كان الناس يتطلعون إليه.
ويعدد الدكتور فريد زهران أسباب خذلان تلك القوى للناس، فيقول إن ذلك بسبب عدم جاهزيتها، أو الخلافات التي دبت بينها، أو بسبب عدم وجود مشروع فكري، مضيفاً أنه في النهاية حدث خذلان، فالناس من ناحية ترى الفاشية تحقق الإنجازات، ومن ناحية ثانية ترى قوى التغيير والثورة والإنسانية لا تحقق أي إنجازات كبيرة، بل وتطلب منهم تضحيات طويلة المدى، ومن ناحية ثالثة يغيب المشروع المتكامل المتناغم المنسجم الذي يُقدم للناس، معتبراً أن هذه هي العقبات الرئيسية أمام الأحزاب السياسية، وأن ما عدا ذلك مجرد تفاصيل.
ما المطلوب؟
ويرى الدكتور فريد زهران أن الحل يكمن في الاجتهاد الفكري السياسي، عبر صياغة حلم ومشروع، وكيفية مواجهة المشروع الفاشي بمشروع آخر متكامل ومتناغم وواسع جداً، مثل هذا المشروع الذي واجه الفاشية ودحرها في الحرب العالمية الثانية، مشيراً إلى أنه لم يكن اليسار فقط ولا قوى الثورة فقط، بل كان تحالفاً واسعاً لما يُسمى بالجبهات الشعبية التي تشكلت في أوروبا.
ولفت إلى أن تلك الجبهات كانت تحالفاً واسعاً فيه قوى ليبرالية اجتماعية، وفيه قوى ديمقراطية اجتماعية، وفيه قوى يسار تقليدي بمختلف ألوانه، أي كان تحالفاً واسعاً وجبهة واسعة، مشدداً على أننا في أمس الاحتياج إلى بناء تحالف واسع من هذا النوع، ليس فقط على الصعيد الإقليمي، بل على الصعيد العالمي كذلك.