مستقبل العملية السياسية في سوريا.. التدخلات الخارجية واختلاف الرؤى

تشهد سوريا تحدياً مستقبلياً في ظل التغيير السياسي الجديد، وسط تساؤلات حول العملية السياسية، ودستور البلاد، ومؤسساتها، ويأتي ذلك في ظل حالة من الارتباك بين مجموعات المعارضة والفصائل المسلحة بشأن مواقفها من شكل الدولة والاستحقاقات الدستورية.

الإدارة الذاتية الديمقراطية لإقليم شمال وشرق سوريا، كانت سبّاقة بإعلان موقفها الواضح والجلْي عبر طرح مبادرة تحت عنوان «الحوار السوري لبناء سوريا الجديدة»، واصفة المبادرة بالمصيرية لمستقبل الشعب السوري، وحثت جميع القوى والفصائل على ضرورة التعاون بين الإدارة الذاتية والإدارة السياسية في العاصمة السورية بما يصب في صالح الجميع، مُثمنة الدور الإيجابي للدول العربية والأصدقاء في دعم سوريا وأهلها. 

الأفق السياسي

وأكدت الرئاسة المشتركة للمجلس التنفيذي للإدارة الذاتية «حسين عثمان، وأفين سويد»، تفاصيل المبادرة في مؤتمر صحفي، كشفا خلاله أن الوحدة والتكاتف ضرورة لرسم خريطة طريق مشتركة، وهذه الوحدة لن تتأتى إلا بمراجعة مقاربات جميع الفاعلين السياسيين تجاه بعضهم البعض وإعلاء المصلحة الوطنية، ووجهت نداء للقوى السورية للتعاون وتحقيق عدة خطوات أبرزها الحفاظ على وحدة وسيادة الأراضي السورية وحمايتها من الهجمات التي تشنّها الدولة التركية ومرتزقتها ووقف العمليات العسكرية في كامل الأراضي السورية وبدء حوار وطني شامل وبنّاء، والابتعاد عن خطاب الكراهية والتخوين بين السوريين، إلى جانب ضمان عودة السكان الأصليين والمهجرين قسراً إلى مناطقهم، والحفاظ على إرثهم الثقافي وإنهاء سياسات التغيير الديموغرافي، تزامناً مع محاربة الإرهاب، لضمان عدم عودة تنظيم داعش الإرهابي، بالتعاون المشترك بين قوات سوريا الديمقراطية وقوات التحالف الدولي، وإنهاء حالة الاحتلال، وترك القرار للشعب السوري لرسم مستقبله وتطبيق مبدأ حسن الجوار.

ورحبت الرئاسة المشتركة للمجلس التنفيذي للإدارة الذاتية بالدور البنّاء للدول العربية، والأمم المتحدة، وقوى التحالف الدولي، وجميع القوى الدولية الفاعلة في الشأن السوري، مشددة على ضرورة المشاركة بتقديم المشورة والدعم للشعب السوري، وتقريب وجهات النظر بين أطيافه ومكوناته بما يضمن الحفاظ على الاستقرار والأمن، ووقف التدخلات الخارجية في الشأن السوري.

تخوفات مشروعة 

الدكتور علي ثابت  الكاتب الصحفي والمحلل السياسي قال في اتصال لوكالة فرات للأنباء «ANF »،  إنّ «انعدام الثقة في التحول الديمقراطي هي أكبر التخوفات، نظراً للتدخلات الإقليمية والدولية في الشأن السوري بشكل واضح، إلا أن التدخلات التركية هي الأبرز والأوضح، منذ تمويلها للتنظيمات المتأسلمة وعلى رأسها داعش وجبهة تحرير الشام، وكذلك موقفها الواضح للعيان من الكرد والقضية الكردية في تركيا والذي لا يختلف عن موقفها من الإدارة الذاتية في شمال وشرق سوريا، ولذلك تمثل التدخلات التركية الخطر الأكبر على سوريا ووحدتها، وعلى هذا النحو، لا بد من توافق عربي لحل الأزمة السورية، ويؤكد وجهة نظر أسير إمرالي القائد عبدالله أوجلان، بأن حلول مشاكل شعوب ومجتمعات الشرق الأوسط تنبع من الداخل، لأن التدخلات الدولية تمثل رغبة القوى الدولية في إعادة رسم خريطة المنطقة، كذلك يكمن التخوف الأكبر على الشعب الكردي في سوريا وتركيا من مشروع العثمانية الجديدة، وهو ما يحدث الآن فعلياً في كوباني».

حسن بديع المحلل السياسي أكد في اتصال لوكالة فرات للأنباء «ANF »، أنّ «هيئة تحرير الشام تصدرت المشهد الأمني منذ بداية التغيير السياسي في سوريا قبل أيام، وسط تصريحات تضم عناوين عريضة دون تفاصيل حول بناء الدولة وشكلها، ما فتح الباب واسعاً أمام السيناريوهات المحتملة المتعلقة بالعملية السياسية في ظل تخوفات أطراف خارجية وداخلية وغموض الأفق السياسي، خاصة بعد تواتر أنباء عن إلغاء التجنيد الإلزامي بالجيش السوري وضم المسلحين إلى الجيش السوري الجديد»، ويأتي هذا وسط دعوات لتنفيذ القرار الأممي 2254 الصادر يوم 18 ديسمبر 2015، وينص على التوقف الفوري من جميع الأطراف عن شن هجمات على أهداف مدنية في سوريا، وأن الشعب السوري هو المخول الوحيد بتقرير مصير بلاده، كما نصّ القرار على ضرورة قيام جميع الأطراف في سوريا بتدابير بناء الثقة للمساهمة في جدوى العملية السياسية، فيما شدد المبعوث الأممي إلى سوريا، «غير بيدرسن»، على الحاجة إلى انتقال سياسي شامل مبني على المبادئ الواردة في قرار مجلس الأمن 2254.

التدخلات الإقليمية

يتردد بين الأوساط السياسية أن الهجوم الشامل الذي شنّته هيئة تحرير الشام والمجموعات المسلحة الأخرى، جاء بناءً على دعم لوجيستي خارجي، وخاصة أن عملية ردع العدوان بدأت عقب تصريح لأردوغان أكد خلاله أنه نصح الأسد بالتفاوض وإطلاق عملية سياسية إلا أنه أبى، معلناً دعمه للجماعات المسلحة في السيطرة على العاصمة دمشق، وبالتالي فإن هيئة تحرير الشام مطالبة بتوضيح المسار السياسي الخاص بها للشعب السوري خاصة بعد مطالبتها للفصائل بالتخلص من أية أجندات خارجية وهو ما يتطلب ضرورة التوافق على محددات العملية السياسية برمتها بداية من المشاركة في كتابة الدستور  وانتهاءً بالاستحقاقات الدستورية التي يجب أن تتضمن مشاركة الجميع.

يأتي ذلك تزامناً مع تخوفات إقليمية ودولية من تدخل بعض الدول في صياغة مستقبل العملية السياسية بما يصب في تحقيق مصالحها، فضلاً عن تربص الدول الخاسرة من الأوضاع الجديدة ومحاولتها إفساد فرحة الشعب السوري من خلال تنفيذ اختراقات للقوى السياسية ومجموعات المعارضة بما يؤثر على العملية السياسية برمتها، ومن ثم يجب أن تتدخل الأمم المتحدة  والدول العظمى لمنع أية اعتداءات على الأراضي السوري وكشف محاولات الاختراق للمجموعات المعارضة تفاديًا لحدوث خلافات قد تعرقل المسار السياسي الجديد، وهو ما جاء في مخرجات مؤتمر العقبة الذي شارك فيه وزراء الخارجية العرب وشددت المخرجات على ضرورة أن تكون سوريا موحدة وأن تشرف الأمم المتحدة والجامعة العربية على المسار السياسي بداية من كتابة الدستور وحتى انتهاء الاستحقاقات الدستورية.