منذ تدشين المشروع النووي الإيراني، تحاول طهران شرعنته دولياً من خلال ممارسة الضغوط على القوى الدولية وخاصة الولايات المتحدة الأمريكية عبر التلويح بضرب مصالحها في المنطقة، واتخذت من الهجمات الحوثية ضد مصافي النفط السعودية وتداعياتها على أسعار النفط العالمية ورقة ضد الإدارة الأمريكية التي دخلت معها في مفاوضات 5+1 في عهد باراك أوباما ليتم التوصل إلى اتفاق يقضي بمشروعية النووي الإيراني وسرعان ما أعلن الرئيس المنتخب دونالد ترامب الانسحاب من الاتفاق في ولايته الأولى.
رفض الرقابة على المشروع النووي
اعتادت طهران على منع الوكالة الدولية للطاقة الذرية من مباشرة أعمالها في الرقابة على المشروع النووي ومتابعة مستويات تخصيب اليورانيوم لضمان عدم وصول نسب التخصيب إلى حد يمكنها من صناعة القنبلة النووية، ما دعا الوكالة إلى تقديم العديد من التقارير في هذا الصدد، للجهات الأممية مؤكدة أن طهران تتعمد تعطيل كاميرات المراقبة الخاصة بالوكالة في العديد من المفاعلات النووي، فضلاً عن عدم كشفها عن مواقع نووية أخرى، مما يعد مخالفة للقوانين والمعاهدات الدولية.
وسبق وأن وافق مجلس محافظي الوكالة الدولية للطاقة الذرية الذي يضم 35 دولة، على ضرورة تحسين تعاون إيران مع المنظمة التابعة للأمم المتحدة، وطلب من الوكالة الدولية للطاقة الذرية إصدار تقرير شامل عن المشروعات النووية، وإدانة إيران للمرة الثانية لعدم تعاونها الكامل، كما طلب ضرورة التوضيح بشأن العثور على جزيئات اليورانيوم في موقعين تقاعست طهران في الإعلان عنهما كموقعين نوويين.
مؤخراً، وفي خطوة هي الأولى من نوعها منذ بدء الأزمة النووية الإيرانية، أكدت طهران استعدادها للحد من تخصيب اليورانيوم بنسبة 60 %، وهو ما اعتبرته خطوة إيجابية، إلا أن مدير الوكالة أشار إلى أن طهران بحاجة إلى اتخاذ إجراءات ملموسة لضمان عدم التوسع في هذا المجال، مؤكداً اتخاذ المفتشين الدوليين قرارات صارمة بشأن مراقبة الأنشطة الإيرانية لضمان التزامها بهذا التوقف.
إذعان لشروط الوكالة
وأبدت طهران تعاونها مؤخراً مع الوكالة الدولية للطاقة الذرية وذلك في أعقاب إعلان فوز الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بانتخابات الرئاسة وهو ما وصفه حميد أمشطر المحلل السياسي الإيراني بأنه القرار يستهدف مناورة الرئيس الأمريكي الجديد الذي سبق وأعلن انسحابه من الاتفاق النووي وأضاف في اتصال لوكالة فرات للأنباء «ANF»، أنّ «هناك تخوفات إيرانية من إقدام ترامب على دعم الخطط الإسرائيلية في استهداف المفاعلات النووية في إيران»، ويأتي هذا التخوف تزامنا مع الضربة التي تلقتها طهران وموسكو في سوريا بسقوط حليفهما وما ترتب عليه من تغيرات جيوسياسية ضخمة قطعت خطوط الإمداد العسكري بين إيران وحزب الله، الأمر الذي وضع حكومة طهران في تحدٍ جديد يتطلب مرونة لتفادي مخطط ضرب مشروعها النووي.
أوراق الضغط
فيما يرى الدكتور خالد أبو فيصل المحلل السياسي الإيراني، أن حكومة طهران تعيش أضعف لحظاتها، مشيراً في اتصال لوكالة فرات للأنباء «ANF»، إلى أنّ «إيران اعتمدت على توسيع نفوذها الإقليمي لممارسة الضغوط على المجتمع الدولي ودول الشرق الوسط تزامناً مع إطلاق برنامجها النووي كسلاح ردع ومن ثم فإن ما حدث مؤخراً في سوريا أفقدها أحد أهم أوراق الضغط التي كانت تستخدمها في المساومة على المشروع النووي وشرعنته على الصعيد الدولي وبالتالي أصبحت بلا أوراق ضغط وقد يفضي الأمر بالفعل إلى ضرب مشروعها النووي».
وتصر إسرائيل على ضرورة استهداف المفاعلات النووية في طهران وهو ما كان محل خلاف بين إدارة الرئيس الأمريكي جون بايدن وبنيامين نتنياهو، إلا أن تغير الإدارة الأمريكية قد يغير من قواعد اللعبة خاصة بعد الخسارة التي طالت محور الشرق في المنطقة، وهو ما يجبر حكومة طهران على الإذعان للشروط الدولية الخاصة بالبرنامج وعلى رأسها الرقابة من قبل وكالة الطاقة الذرية في محاولة منها للحد من الخسائر المحتملة خلال المرحلة المقبلة.