النظام الإيراني في مواجهةٍ جديدة مع ثورةٍ شعبية

"من خلال مشروع الشعوب الديمقراطية ومشروع النضال المشترك، يمكن أن نفشل مخططات النظام الرامية إلى إحداث شرخ وتوسيع الهوة بين الشعوب في إيران وبهذا الصدد في روج هلات هناك عقلية تؤمن بهذا المشروع وآن الأوان أن يتحول من الناحية النظرية إلى الواقع العملي".

بدأت في مدينة مشهد الفارسية، لتتوسع رقعة الاحتجاجات وتنفجر في كردستان غرباً، وبلوشستان شرقاً وتصل إلى إقليم الأحواز جنوباً، لم تخمد بل وصلت إلى أذربيجان، لتستمر لخمسة أيام على التوالي عاصفة الغضب الشعبي في إيران، احتجاجا على القمع الذي يمارسه النظام الإيراني إضافة إلى الضائقة المالية والبطالة والفساد المستشرية في البلاد.  التظاهر كان لافتاً في كرمنشاه وسنندج في كردستان، وطهران وتبريز واردبيل وكرج وعبادان والأحواز ورشت على الرغم من الإجراءات الأمنية المشددة، وامتدت إلى تشابهار وبندر عباس ودهشت وياسوج وشاهين شهر، وتاكستان، وزنجان، وايذج، وبحسب المراقبين فإن ما تشهده الجمهورية الإيرانية الإسلامية هذه المرة مختلف بشكل تام عن التظاهرات الاحتجاجية التي شهدتها إيران خلال الأعوام الماضية.

هذه المرة النظام أمام تحدٍ مختلف،  ففي كل مرة كانت تهتز جنبات إيران على وقع احتجاجات عادة ما يتصدرها شعب من شعوب جغرافية إيران، يتعامل معها النظام الإيراني باعتبارها مؤامرات خارجية من تدبير أجهزة استخبارات غربية وإسرائيلية وإقليمية، وتظل إستراتيجية نظام ولاية الفقيه في التعاطي مع التركيبة الإثنية في بلاده لغما أمام أي نضال سياسي معارض، أو حراك احتجاجي، وأداة بيد النظام لذرع الفتن بين القوميات والإثنيات في إيران، إلا أن تفاقم المشاكل الاقتصادية والسياسية، نتيجة سياسات إيران  الداخلية والخارجية،  وحد الشعوب الإيرانية حول الملف الاقتصادي وملفات الفساد القمع الممنهج،  ما قد يُفشِل محاولات النظام هذه المرة في تحوير المسار الاحتجاجي وإظهاره على انه حركة انفصالية أو صراع طائفي أو تمرير أجندة خارجية.

وأرجع عضو اللجنة القيادية  في  (kodar)  اهون جياكو، الحراك الاحتجاجي في إيران إلى أسباب عدة أبرزها "هو ممارسات النظام الإيراني ومختلف أنواع القمع والاضطهاد ضد أبناء الشعوب في إيران، ومن ضمنهم بالتأكيد الشعب الكردي، ولم يتوقف عن هذه الممارسات يوماً، إلى جانب وجود صراع بين أجنحة النظام، و يوما بعد يوم الصراع على السلطة  يطفو على السطح، إضافة إلى وجود ضغط  دولي على إيران، وملف الحصار الاقتصادي عليه"، ملفتا إلى انه" هناك مشاكل داخلية في إيران تتعلق بالصراع داخل بنية النظام، وممارسات النظام القمعية التي تعتبر بمثابة القاعدة و الأساس الذي لا يمکن المساس به، إضافة إلى الأزمة الاقتصادية، كل ذلك يضاف إلى سياسات إيران الخارجية التي فاقمت أزمتها مع المجتمع الدولي، وانعكست على الأوضاع الداخلية ".

 ويتابع جياكو في حوار مع وكالتنا " كل هذه الأسباب مجتمعة تؤدي إلى الآنفجار، وغضب المواطنين نابع من شعورهم بالظلم والقمع في جميع النواحي السياسية والمجتمعية والاقتصادية، خاصة أن إيران بلد يعيش فيه شعوب مختلفة، هذه الشعوب يوما بعد يوم تجد أن هويتها وثقافتها ولغتها تواجه التهديد، والخطر، و ما يحدث اليوم رد فعل طبيعي لشعوب إيران أمام ظلم  4 عقود لينتفضوا ضد الواقع الذي لم يعد مقبولا وما عادت تتحمله الشعوب في إيران".

ويشير إلى أن "التظاهرات شملت مدن كردستان الشرقية، خاصة في كرمنشاه وامتدت إلى سنندج  والمدن الأخرى، وما يحدث اليوم بداية لتغييرات جديد في إيران، وكردستان الشرقية. إنها بداية نهاية نظام دولة القومية والمذهب"، مضيفا أن "النظام خلال اليوم الأول والثاني أراد أن يظهر الاحتجاجات على أنها ضد شخصيات معينة في النظام، أو أنها ضد جناح معين في النظام، ولكن لاحقا ظهر للنظام وللعالم الوجه الحقيقي للاحتجاجات على أنها ضد النظام ككل وليس كجزء، ضد النظام الإيراني الفاشي، وشعارات المحتجين اظهر ذلك جليا، ويوم  بعد يوم الحراك ينظم بشكل اكبر، وياخذ منحا راديكاليا من خلال الشعارات التي تطالب بإسقاط النظام، وتطالب بالتغيير الجذري وليس الجزئي الذي يحاول النظام الإيحاء له، إذن الاحتجاجات تهدف إلى إحداث تغييرات جذرية تطال رأس النظام، ورأينا كيف تم إحراق صور الخميني رمز الثورة الإسلامية في إيران، وتم إحراق صور خامنئي وولاية الفقيه، وصور رموز النظام ومنهم قاسم سليماني، ورأينا أن النظام بدا في البداية عاجزا على مجاراة سرعة الحراك ومجابهته، ونتوقع أن تتسع التظاهرات في الأيام القادمة بشكل اكبر وبالتالي سيلجأ النظام إلى قمعها بأي شكل من الأشكال، لكن إيران لن تعود إلى ما قبل ".

 وعن الوضع في روج هلات (كردستان الشرقية) يوضح جياكو "لطالما كانت روج هلات دائما السباقة والمتقدمة في النضال ضد النظام الإيراني، والآن يجب أن تتضاعف جهود التنظيمات المدنية، ويبدؤوا بتنظيم صفوفهم وتشكيل مجالسهم الثورية والديمقراطية للحفاظ على الحراك السلمي والاستعداد لمواجهة أي  محاولات للنظام القمعي الإيراني بتحريف الاحتجاجات، وإخماد فتيل الفتن التي يحاول النظام إشعالها بين الشعوب التي تعيش في إيران بضم مختلف شرائح ومكونات المجتمع في تلك المجالس التابعة  للأقاليم التي يعيش فيها أكثر من شعب، وهنا اقصد بعض مناطق كردستان والتي نتعايش فيها مع الأخوة الأذريين وتشمل عدة محافظات، يجب أن نكون واعينَ بهذا الخصوص، لا سيما أن الجمهورية لها تجربة وخبرة في زرع بذور الفتن بين الكرد والأذريين لكي يشغلهم عن مطالبهم الشرعية".

ويضيف أن "مشروع الشعوب الديمقراطية ومشروع النضال المشترك، من خلاله يمكن أن نفشل مخططات النظام الرامية إلى إحداث شرخ وتوسيع الهوة بين الشعوب في إيران وبهذا الصدد في روج هلات هناك عقلية تؤمن بهذا المشروع وآن الأوان أن يتحول المشروع من الناحية النظرية إلى الواقع العملي"، مشيرا إلى" وجود تنسيق فعلي في العمل السياسي بين بيجاك والقوى السياسية المعارضة في إيران،  وإذا تطورت الأمور في روج هلات، فإنه بالتأكيد سيكون لنا تحرك على مختلف المستويات وقتها يمكن أن نشكل قوة عسكرية تتكون من جميع الشعوب".

وبهذا الصدد يكشف أيضا عن "عقد كونفرانس بعد أيام  في البرلمان الأوروبي سيحضره مختلف شعوب جغرافية إيران، سيناقش الكونفرانس أوضاع الشعوب في إيران وحقوق الإنسان وحقوق المرأة وحقوق المكونات وما يتعرضون له وسيُطرَح مشروع الحل الديمقراطي ومشروع الشعوب الديمقراطية".

واكد عضو اللجنة القيادية  في  (kodar)  اهون جياكو،  أن "الكرد في إيران وحراكهم السياسي ليس ضد أي شعب كان، النضال ضد القمع والظلم، وضد الاحتلال الذي يقمع ويستبد الشعوب كلها، ومنهم الشعب الفارسي".

نظام هش

من جهته، يؤيد يعقوب حر التستري، مسؤول المكتب الإعلامي لحركة النضال العربي لتحرير الأحواز، تصريح القيادي في  (kodar)  اهون جياكو، ويرى أنه "هناك مشكلة حقيقية داخل إيران، وأنه حتى لو استطاعت السلطات قمع الانتفاضة فإن إيران بعد التظاهرات لن تعود إلى ما كانت عليه قبلها، وأن التظاهرات، أظهرت أن هذا النظام فقد رصيده في الداخل، لا سيما ان التظاهرات قامت في 70 مدينة وأظهرت للعالم أيضا هشاشة النظام"، مؤكدا على أن "الأحوازيين مستمرون في مقاومتهم للمحتل الإيراني بكل الطرق المشروعة، وان الوضع في مناطق الأحواز معرض للتصعيد ونحن مستعدون لكل الاحتمالات".

ويضيف التستري في حوار مع وكالتنا أن " الانتفاضة الحالية تجاوزت كل الاحتجاجات السابقة في الشكل والمحتوى وتجاوزت موضوع الثورة الخضراء والإصلاحيين، فالثورة الخضراء كانت مطالبها متعلقة بالانتخابات والصراع بين المحافظين والإصلاحيين على السلطة، وخرجت نتيجة تزوير الانتخابات، أما المظاهرات الحالية فهي تطالب بإسقاط رأس النظام، وهناك في مناطق أخرى تطالب بأكثر من ذلك ففي الأحواز وفي كردستان وفي بلوشستان حتى بأكثر من إسقاط النظام ولكن الشعوب الإيرانية متفقة على انه يجب التركيز حاليا على  مبدأ إسقاط النظام لان إسقاطه يعني إسقاط الدولة".

ويؤكد القيادي الأحوازي على أن ما حدث في إقليم فارس يظهر ان الأمر تجاوز الإصلاحيين وتجاوز الأصوليين، ويقول بهذا الصدد: "استغربنا أن بعض الإصلاحيين ومنهم من أعلن نفسه معارضا، ومنهم من يعيش حاليا في أوروبا، أي خارج حدود البلاد يقف مع النظام،  ففصائل الإصلاحيين الموجودين في لندن وفي الدول الغربية أصبحوا الآن في صف واحد ضد هذه المظاهرات ومع النظام بشكل علني".

وحول التسريبات عن انشقاقات في قوات الباسيج والخلافات بين الجيش الإيراني والحرس الثوري  والترجيحات بأن يتدخل الجيش لجانب المتظاهرين أجاب قائلا : "المليشيات الموجودة التي تعرف باسم الباسيج والحرس الثوري ليس كلهم يؤمن بمبادئ النظام وإيديولوجيته، ومع ذلك يعتبر أكبر جيش إيديولوجي عسكري داخل جغرافية إيران، وهذه التشكيلة العسكرية الكبيرة أمامها جيش إيراني يتكون الصف الأول منه من قيادات وأشخاص يتم اختيارهم من قبل خامنئي أو حتى من قبل الحرس الثوري، ولكن يبقى الجيش الإيراني غير مؤدلج كما الحرس الثوري وهناك احتمال انه في حال حدثت مواجهات عنيفة ودموية بأن تقف قاعدة الجيش ضد قيادته وضد النظام، لكن حالياً لا توجد أي معلومات مؤكدة عن انشقاقات، والمعلومات لم تؤكد من مصادر موثوقة ولكن يبقى هذا الأمر محتمل جداً"، مشيرا في الوقت نفسه إلى أن "التشكيلات الأمنية خارج الحرس الثوري نوعا ما تحاول أن تبتعد عن المواجهة وهذا يدل على أنه يمكن أن تشهد الفترة القادمة انشقاقات داخل الأجهزة الأمنية التابعة للنظام".

ويؤكد التستري على أنه " لحد الآن المظاهرات عفوية وان الناس تخرج وتحاول أن تنسق فيما بينها عبر الانترنت أو أن تأتي مجموعات تدخل في الشوارع الكبيرة والناس تنضم لهم تباعا، ولكن ليس هناك شي من قبيل ما حدث في 2009 أو ما شاهدناه في دول عربية حيث كانت هناك شخصيات معينة تدعوا للتظاهر وتأخذ المظاهرات معنى سياسيا صرفا، هذه التظاهرات، النظام ما كان يتوقعها أو يفكر بها نظام الملالي كان يُجهّز نفسه لكافة السيناريوهات إلا هذا السيناريو"، معتبرا ما يحدث بأنه  "ذكاء من هذه الشعوب وانه بالرغم من أن لدى هذه الشعوب مطالب تتجاوز إسقاط لنظام ولكن ممكن في الفترة الحالية يتم التركيز على إسقاط النظام ولا ننسى أن النظام سوف يلعب على وتر القوميات وقضية الانفصاليين محاولاً كسب الفُرس المعارضين لهم وإثارة مخاوفهم واللعب على الوتر القومي".

اكتمال المشهد الاحتجاجي

وبالتأكيد فان مشاركة البلوش في الاحتجاجات وانضمامهم للشعوب الفارسية وغير الفارسية التي سبقتهم بالمشاركة (الفرس والكرد والأتراك والأحواز) يجعل النظام أمام شعب محتج بكامل أطيافه، وبذلك يكتمل المشهد الاحتجاجي.

الناشط عبدالله البلوشي يوضح في حديث مع وكالتنا أن البلوش يطالبون بالاستقلال رغم تهديدات النظام الإيراني وهم تظاهروا وبكل قوة"، مشيرا إلى أنه "وفي أول يوم من المظاهرات تم تفجير أنبوب نفط من قبل المقاومة البلوشيه خارج بلوشستان في مدينة العميدية داخل العمق الإيراني وفي الأحواز تحديداً، وكانت هناك دعوات حتى من قبل رجال الدين  بان يتظاهر البلوشيون ويطالبوا بحقوقهم، وبالفعل فقد خرج مئات المحتجين وتم اعتقال العشرات".

ويكشف البلوشي عن تواجد امني مكثف في مناطق الاحتجاجات في بلوشستان وان أجهزة الأمن والحرس الثوري والاستخبارات جميعهم متعاونين أيضاً وأن هناك مخبرين تابعين لمليشيات باكستانية في إطار التنسيق مع الأجهزة القمعية الإيرانية لقمع انتفاضة بلوشستان"، مشيراً إلى أنه ليس مستبعداً أن "تدخل قوات باكستانيه أو مليشيات في أي وقت والدليل على ذلك أن النظام الإيراني طالب يوم أمس الاثنين، الجانب الباكستاني بضرورة عقد اجتماع طارئ، وقد وافقت السلطات الباكستانية على طلبه وهذه أخبار من وزارة الخارجية في جمهورية باكستان ونتوقع أن الأمر متعلق بما تشهده بلوشستان" حسب ما أفاد الناشط البلوشي.

من جانب آخر، يؤكد عبد الله البلوشي قائلاً إن "علاقات البلوشيين جيدة مع الشعوب الغير الفارسية وهناك تعاون فيما بيننا في جميع مظاهراتنا في أوروبا" وأضاف بأنه "سيكون هنالك تعاون عسكري فيما بيننا في المستقبل وذلك لتحرير أوطاننا".

وبالنظر إلى  إقليم أذربيجان والقومية التركية الأكثر عدداً في إيران، حيث سيكون لخروجهم بالتأكيد دور في قلب المعادلة لصالح إحداث التغيير وإحداث شرخ حقيقي في بنية النظام لأسباب عدة تتعلق بأنهم القومية الغير فارسية الوحيدة التي يضم الجيش والحرس الثوري أبناءها إلى صفوفه.

ويرى البعض أيضا النشطاء أن مخاوف الأذريين تتمحور حول سرقة ثروتهم، وتكرار ما حدث بثورة الخميني.