بسبب التأثير السياسي لسلطات الحزب الديمقراطي الكردستاني على وسائل الإعلام، تكاد تنعدم الأخبار المستقلة، حيث يتم التضييق على أصوات الحقيقة بشكل متعمد من خلال الاختطاف وتلفيق التهم والأكاذيب، وفي المقابل يستمر كفاح الصحافيين في الدفاع عن حقوقهم، حيث في المقابل، يكون مصيرهم الاختطاف ومن ثم تلفيق تهم مختلفة لهم ومنها التجسس.
وفي موازاة ذلك، لا يكاد يمر تقرير لمنظمة معنية بشؤون الصحافة والحريات بدون تقييم لواقع الصحافة في جنوب كردستان والذي وصل لمستويات متدنية من خلال التقييم والانتقاد، بسبب سياسات الحزب الديمقراطي الكردستاني المتمثلة في اعتقال الصحفيين وتقييد عملهم وتحركاتهم، بل واحياناً التغطية على الجرائم المرتكبة ضد الصحفيين العاملين في جنوب كردستان، ولعل أبرزها اغتيال مراسل وكالة روج نيوز، وداد حسين منذ سبع سنوات، الجريمة التي هزت الرأي العام، حيث لايزال مرتكبو تلك الجريمة احراراً.
ومن أبرزها أيضاً، اتخاذ محكمة جنايات هولير التابعة للحزب الديمقراطي الكردستاني في 20 تموز المنصرم، قرارٍ بالسجن أربع سنوات إضافية على شيروان شيرواني، الصحفي المستقل ورئيس التحرير السابق لجريدة باشور الشهرية.
وكان شيرواني قد اعتقل عام 2020 مع أربعة من زملائه وهم كل من: "كهدار زيباري وهريوان عيسى وأياز كرم وشفان سعيد"، في سياق عمله الاستقصائي في قضايا فساد تورَّط فيها عدد من قادة ومسؤولي جنوب كردستان، من ضمنهم أشخاص من عائلة البرزاني.
ومؤخراً وليس أخيراً، عمدت سلطات الحزب الديمقراطي الكردستاني إلى اختطاف محرر وكالة روج نيوز، سليمان احمد، حيث لايزال مصيره مجهولاً منذ أكثر من شهرين، ولاقى هذا الفعل تنديداً واسعاً من قبل منظمات ومؤسسات إعلامية محلية وعالمية والتي ضرب بها الحزب الديمقراطي الكردستاني عرض الحائط.
تفاصيل عملية الاختطاف
توجه الصحفي ومحرر القسم العربي لوكالة روج نيوز، سليمان أحمد لزيارة عائلته في مدينة حلب في 1 تشرين الأول، بعد وفاة والده محمد أحمد عن عمر يناهز الـ 66 عاماً.
وأثناء عودته من سوريا عند معبر فيش خابور، أقدمت سلطات الحزب الديمقراطي الكردستاني على اختطافه، ليُفقد الاتصال به بشكلٍ كامل منذ ذلك التاريخ.
بدورها، منعت قوات الأمن التابعة للحزب الديمقراطي الكردستاني، المحامين من اللقاء به، فيما أكد أحد المحامين بأن ملف سليمان تحول إلى جهاز "البارستن" التابع للحزب الديمقراطي الكردستاني.
مطالبات بالكشف عن مصيره
في المقابل، طالبت ومازالت تطالب عشرات المؤسسات الإعلامية، المحلية منها والإقليمية والدولية، سلطات الديمقراطي الكردستاني بالكشف عن مصير الصحفي سليمان أحمد والإفراج عنه، حيث أصدرت كل من منظمات (CPJـ CPT-RSF) المعنية بحقوق الصحفيين على المستوى العالمي بإسقاط التهم الموجهة للصحفي سليمان والإفراج الفوري عنه، كما انتقدت هذه المنظمات سلطات جنوب كردستان بسبب انتهاكاتها المستمرة للقوانين الدولية الخاصة بحماية الصحفيين.
كما وطالب 212 صحفياً وكاتباً وشخصية من منظمات ومؤسسات مختلفة إعلامية وغيرها من منظمات تعمل في مجال الحريات الصحافية، بالإفراج الفوري عن الصحفي سليمان أحمد لدى الحزب الديمقراطي الكردستاني.
فيما أعربت منظمة مراسلون بلا حدود عن قلقها إزاء اختطاف الصحفي سليمان أحمد من خلال منشور لها على منصة "X" أشارت فيه إلى أنه اختُطِف من قبل الحزب الديمقراطي الكردستاني، وشددت على ضرورة إطلاق سراحه على الفور.
وجاء في نصه: "تم اعتقال سليمان أحمد من قبل الحزب الديمقراطي الكردستاني على الحدود السورية، ويجب على القوات الأمنية في إقليم كردستان إطلاق سراحه بشكل فوري".
روج نيوز تفند ادعاءات الديمقراطي الكردستاني
ومن جانبها، نوهت وكالة روج نيوز بأنها لجأت إلى استخدام الدستور العراقي والسير عبر أنظمة القوانين التي توجد في جنوب كردستان على الرغم من تهرّب السلطة وعدم اعترافها بالقوانين التي شاركت هي نفسها بإدراجها ضمن الدستور.
وقالت إن هذه التحركات تحتاج إلى لقاء أولي مع سليمان لاستلام الوكالة الرسمية منه للعمل على إطلاق سراحه، مبينة أن التهم الموجهة له هي تلفيق وأكاذيب لتضليل الواقع والإضرار بعمل الوكالة.
وأكدت الوكالة أنها تعمل على تحضير ملف كامل بشأن تصرفات الحزب الديمقراطي الكردستاني تجاه الصحافة والصحفيين وانتهاكات القوانين والدستور، بالإضافة إلى وضع قضية سليمان أحمد في مقدمة الملف.
وأشارت إلى مرور أكثر من سبع سنوات على اغتيال مراسلها وداد حسين في قضاء بهدينان وأن القتلة مازالوا أحراراً بدون عقاب مع إغلاق سلطات الأمن في هولير لهذا الملف، داعية إلى معاقبة الجناة بمحاكمة عادلة ونزيهة.
وأكدت أنها ستستمر في كشف الحقائق التي تخدم القضية الكردية، ومن يخدم الشعب الكردي، وحتى الشعب الشرق أوسطي، لإحلال السلام فيه، وتوعدت بفضح كل من يتعامل مع الأعداء لمصالحه الشخصية والحزبية والعائلية.
احصائيات حول الانتهاكات ضد الصحافة في جنوب كردستان
وتتحدث منظمات دولية عن التضييق الذي تمارسه سلطات الحزب الديمقراطي الكردستاني بحق الصحفيين في جنوب كردستان، أبرزها منظمة مراسلون بلا حدود التي تحدثت عدة مرات عن الانتهاكات بحق الصحفيين في تلك المنطقة.
وأحصت المنظمة في الفترة الممتدة بين مطلع عام 2023 ونهاية شهر أيلول المنصرم، "اعتقال نحو عشرين فاعلاً إعلامياً" في جنوب كردستان.
ودقت المنظمة "ناقوس الخطر" بشأن تزايد وتيرة الانتهاكات ضد حرية الصحافة في جنوب كردستان.
وقالت: "أحصت مراسلون بلا حدود اعتقال نحو عشرين فاعلاً إعلامياً في مختلف أنحاء هذا الإقليم منذ مطلع عام 2023، علماً أن الأيام القليلة الماضية شهدت تفاقماً ملحوظاً في وتيرة الانتهاكات ضد حرية الصحافة".
فيما رصدت "نقابة الصحفيين في إقليم كردستان" 44 حالة انتهاك للحريات الصحفية والإعلامية خلال النصف الأول من عام 2023، بينما قال اتحاد صحفيي كردستان، إن "الأشهر الستة الأولى من عام 2023 شهدت تعرض 80 صحفياً لـ 41 مرة للانتهاكات".
وخلال عام 2021، كشف "مركز ميترو المعني بحرية الصحافة والإعلام في جنوب كردستان" عن حدوث 353 حالة انتهاك مورست ضد 260 صحفياً ومؤسسة إعلامية.
أما في عام 2022، فحسب بيانات مركز مترو لحماية حقوق الصحفيين، فقد تم ارتكاب 431 انتهاكاً بحق الصحفيين، بينما تشير "نقابة الصحفيين في جنوب كردستان" إلى تسجيل 73 انتهاك بحق الصحفيين.
ويُذكر أن العراق يقبع في المرتبة 163 (من أصل 180 بلداً) على جدول التصنيف العالمي لحرية الصحافة، الذي نشرته مراسلون بلا حدود في وقت سابق هذا العام.