اللاجئون السوريون.. أداة احتلال بيد الدولة التركية

أفضت أزمة تدفق اللاجئين السوريين على أوروبا عبر تركيا، إلى نوع من الابتزاز التركي لدول الاتحاد الأوربي، حيث عولت الدول الأوربية على تركيا في منع هذا التدفق، فيما رأت فيها أنقرة الفرصة الأنسب لفرض سياساتها في شمال وشرق سوريا.

مسألة اللاجئين السوريين في تركيا تعتبر أحدى الأوراق التي طالما لعبت عليها الدولة التركية، وابتزت الدول الأوربية بهذا الصدد، مهددة بفتح أبواب جهنم على أوربا، في إشارة إلى فتح باب الهجرة عبر الأراضي التركية إلى أوربا.

وبحسب الأرقام الرسمية لدى مكتب اللاجئين في تركيا، يبلغ عدد اللاجئين السوريين المسجلين في القيود 3 ملايين و644 ألف لاجئ سوري، موزعين في 20 ولاية تركية إلى جانب المخيمات المقابلة للحدود السورية في كل من ( أضنة وكلس وأورفا وعنتاب....).

وتحتل تركيا المرتبة الأولى من حيث أعداد اللاجئين السوريين، حيث ارتفعت أعداد اللاجئين مع تصاعد وتيرة الحرب الداخلية السورية.

وفي الوقت الذي تتم فيه الإشارة إلى اللاجئين السوريين، كمدنيين هربوا من هول الكوارث الإنسانية التي جلبتها الصراعات المحتدمة ما بين فصائل المعارضة السورية المسلحة وبين النظام السوري، لا يخفى أبداً دعم ومساندة الدولة التركية لهذه الفصائل من حيث إنشاء معسكرات التدريب والدعم العسكري والطبي والمادي.

وتشير التقارير الإعلامية إلى أن المصالحات التي جرت برعاية روسية في الفترة التي تلت التدخل الروسي المباشر في سوريا في عام 2015، كانت لها الدور الأبرز في نقل الكثير من فصائل المعارضة المسلحة وعوائلهم إلى أقصى الشمال الغربي من سوريا وإلى مخيمات اللاجئين في الداخل التركي أيضاً.

وعلى الرغم من محاولات الدولة التركية المتكررة لاستخدام اراضيها كجبهة خلفية لوجستية وتدريبية لتلك الفصائل ومنصة لإطلاق هجماتها على الداخل السوري، على أمل تقويض النظام السوري والحصول على حصة الأسد في تقسيم الكعكة السورية، لكن صمود النظام السوري والدعم الروسي إلى جانب قوة الميليشيات الايرانية حالت دون ذلك، مما انعكست سلباً على حسابات الدولة التركية.

وأدركت تركيا أن التركيبة الديمغرافية للاجئين السوريين التي تتواجد في ولاياتها ومدنها ومخيماتها، أصبحت تشكل مع الوقت خطراً على المجتمع التركي ذاته، وأصبحت تخشى من انتقال الصراعات السورية على أراضيها، وخاصة تمن تلك الفصائل ذات الجذر السلفي التكفيري المتشدد.

وكانت للدولة التركية علاقات وثيقة مع هذه الفصائل المسلحة ذات الجذر والطابع السلفي التكفيري، منها رسمية تجسدت في احتلال الدولة التركية لجرابلس وإعزاز والباب وعفرين، ومنها استخباراتية مخفية وغير رسمية مثل علاقاتها مع داعش، تلك العلاقات التي وثقتها العديد من الفيديوهات والصور والمساعدات التركية المقدمة لهم، وكذلك اعترافات عناصر داعش المعتقلين لدى قوات سوريا الديمقراطية.

حيث أدركت الدولة التركية هذا الخطر خاصة بعد الهزائم التي تلقتها الفصائل المسلحة الموالية لها، وبالتحديد على خلفية هزيمة داعش في منبج، وبادرت على الفور لاحتلال جرابلس والتوسع صوب الباب وإعزاز، لعدة أسباب منها؛ قطع الطريق أمام قوات سوريا الديمقراطية ومنعهم من الوصول إلى مدينة الباب ومنها إلى عفرين، وكذلك إيجاد منطقة داخل الحدود السورية، من أجل البدء بعملية ترحيل اللاجئين السوريين.

وفي يناير/كانون الثاني 2018، أطلقت دولة الاحتلال التركي إلى بقايا جماعات مسلحة تكفيرية متشددة موالية لها أكبر عملية احتلال للأراضي السورية، في منطقة عفرين تحت ذريعة "تهديد الأمن القومي التركي" وبهدف ضرب التجربة الديمقراطية القائمة في شمال وشرق سوريا، ومنع أي إنجاز نحو الحل في سوريا يتضمن اعترافاً بالكرد.

وتمكنت دولة الاحتلال التركي بالتواطؤ مع عدة قوى من فصائل المعارضة السورية المسلحة المقهورين أصلاً في العديد من المناطق السورية، وبالتآمر مع روسيا وفي ظل الصمت الدولي المخجل من احتلال مدينة عفرين وما حولها بعد 58 يوماً من المقاومة التي أبداها أهالي عفرين إلى جانب أبنائهم من قوات حماية الشعب والمرأة (YPG-YPJ) كتفاً إلى كتف.

ووثقت العديد من الجهات الحقوقية والمنظمات الدولية، انتهاكات الدولة التركية والمرتزقة التابعة لها، حيث تسببت الحملة العسكرية لدولة الاحتلال التركي على عفرين وممارسات الجماعات السورية المسلحة بنزوح ما يزيد عن 300 ألف مواطن من أبناء عفرين إلى مناطق الشهباء المتاخمة جغرافياً لعفرين للعيش في المخيمات، بالإضافة إلى انتشارهم في العديد من مدن شمال شرق سوريا، وانتقال البعض منهم إلى مدينة حلب.

ولم تتردد دولة الاحتلال التركي ومرتزقتها من حاملي الفكر العنصري المتشدد، منذ اللحظة الأولى لدخولهم مدينة عفرين، في إظهار الحقد الدفين والكراهية تجاه كل ما هو كردي وله صلة بتاريخ وتراث المنطقة الأصيل.

وقد وثق مركز روج آفا للدراسات الاستراتيجية (NRLS) جميع انتهاكات دولة الاحتلال التركي ومرتزقتها، منذ اليوم الأول من بدء الحملة التركية العسكرية على عفرين، وقام المركز من جهته بمحاولات عدة لشد انتباه الراي العام العالمي إلى الانتهاكات الخطيرة بحق الشعب والأرض والتاريخ في عفرين، وانتهاج دولة الاحتلال التركي لسياسة التهجير القسري والتغيير الديموغرافي التي تندرج من ضمن جرائم الحرب، بادر المركز إلى عقد منتدى دولي في الثاني من كانون الأول 2018، بحضور المئات من الشخصيات السياسية المحلية والإقليمية والدولية، والعشرات من مؤسسات المجتمع المدني.

وفي هذا السياق قدمت 12 منظمة حقوقية مذكرة إلى الأمم المتحدة، تتضمن جميع انتهاكات الدولة التركية ومرتزقتها في عفرين بالأدلة والوثائق، وكسف مصطفى أوسو مدير مركز (عدل) لحقوق الانسان عن المطالب التي تقدموا بها وقال "أهم المطالب التي تقدمنا بها بشكل شفوي وخطي، أولاً إصدار تقارير بخصوص منطقة عفرين، والتركيز على الانتهاكات التي تجري فيها بحق المدنيين. واعتبار تركيا دولة احتلال، إلى جانب إلزامها بتنفيذ واجبات دولة الاحتلال، وإجبارها على الحد من انتهاكات الفصائل المسلحة التابعة لها بحق المدنيين، بالإضافة إلى العمل على إنهاء هذا الاحتلال".

ووصفت الدكتورة في التاريخ الحديث والمعاصر والمتخصصة في الشؤون الإيرانية والتركية وقضايا الشرق الأوسط، فرح صابر "الاحتلال التركي ليس فقط احتلالاً عسكرياً، إنما هو غزو ثقافي وفكري وحضاري وتركيا بذلك تكون قد ارتكبت نوعاً من الجينوسيد اللغوي والثقافي في عفرين."

ولدى عودة بعض النازحين بعد رحلة محفوفة بالمخاطر إلى منازلهم في عفرين، لم يجدوا سوى منازل خاوية، وفي حالات أخرى، وفي معظم الحالات وجدوا منازلهم مسكونة من قبل أفراد الجماعات المسلحة وأسرهم.

إعادة السوريين إلى وطنهم، ذريعة تروج لها الدولة التركية في المجتمع الدولي، مقابل إقامة "مناطق آمنة" في الشمال السوري ذات الغالبية الكردية، والحقيقة في ذلك هو سعي تركيا إلى توطين جميع اللاجئين السوريين لديها في مناطق شرق الفرات، بهدف إحداث تغيير ديموغرافي في المنطقة واستخدام اللاجئين السوريين العرب من شتى المناطق السورية كـ" سد بشري" يفصل بين شمال كردستان وروج آفا على طول الحدود السورية التركية.

وتخطط دولة الاحتلال التركي لتوطين 700 ألف لاجئ سوري في المناطق الواقعة ما بين سري كانيه ( رأس العين) وكري سبي ( تل أبيض)، داخل الحدود السورية، كدفعة أولية من مخططها الرامي إلى نقل كافة اللاجئين السوريين إلى مناطق شرق الفرات والبالغ عددهم 3 ملايين و644 ألف لاجئ.

ويذكر أن حزب البعث الحاكم للنظام السوري، قد أقدم على سياسة التغيير الديموغرافي في ستينيات وسبعينيات القرن الماضي، وتأتي سياسات دولة الاحتلال التركي هذه متممة لسياسات النظام السوري بهدف اقتلاع الكرد من أراضيهم.

وينظر العديد من الباحثين السياسيين إلى هذه الخطوة، ويعتبرونها بالغة الخطورة، من حيث تسببها في إحداث شرخ مجتمعي يؤدي إلى تناحر مجتمعي واقتتال قد يدوم عقوداً من الزمن.