تشهد القاهرة اجتماعات ثلاثية، دبلوماسية وأمنية، بين مصر والاردن والعراق، بالتزامن مع زيارة رئيس الوزراء العراقي لمصر في أول زيارة خارجية له منذ توليه منصبه، حيث تكتسب تلك التحركات أهمية خاصة في ضوء ما أعلنه قوات سوريا الديمقراطية من انتصارا نهائيا في آخر معاقل تنظيم داعش الارهابي، حيث تسعى مصر ودول الجوار العربي السوري إلى دعم تلك الانتصارات وترسيخ الاستقرار وصولا إلى الحل السياسي للأزمة السورية التي دخلت عامها التاسع، حسبما أكدت مصادر دبلوماسية متطابقة في البلدان الثلاث لوكالة فرات للأنباء (ANF).
وصرح السفير بسام راضي المتحدث الرسمي باسم رئاسة مصر أنه تم عقد جلسة مباحثات ثنائية أعقبها جلسة موسعة ضمت وفدي البلدين.
وذكر المتحدث الرسمي أن الرئيس المصري أكد موقف مصر الثابت من العراق والداعم لوحدته واستقراره وسلامة أراضيه وعدم التدخل في شئونه الداخلية، كما وجه سيادته التهنئة على الانتصارات التي حققتها القيادة والجيش العراقي، لطرد التنظيمات الإرهابية من الأراضي العراقية، ونجاح العمليات العسكرية في استئصال تلك التنظيمات من مراكز نفوذها في المحافظات العراقية، بما يمهد الطريق لاستقرار العراق وعودته للقيام بدوره الفاعل في محيطه العربي، ليكون أحد عوامل الاستقرار والأمن والنمو الاقتصادي في المنطقة، وبما يساهم في تعزيز التكاتف والتضامن بين الدول العربية، في ظل الأزمات الإقليمية التي تواجه الأمة في الوقت الراهن.
وعلى صعيد العلاقات الثنائية بين البلدين، تم التباحث حول سبل تعزيز أوجه التعاون المشترك خاصة في المجالات الاقتصادية والتجارية، واستثمار الإمكانيات المتوفرة لدى البلدين في هذا الإطار، وكذلك في إطار التعاون مع سائر الأشقاء من الدول العربية، خاصة في ضوء القمة الثلاثية المقرر عقدها غداً بالقاهرة مع جلالة الملك عبد الله الثاني بن الحسين ملك الأردن.
كما تم خلال المباحثات استعراض التجربة المصرية في مجالات تطوير البنية التحتية، حيث أعرب السيسي عن استعداد مصر لنقل تجربتها للعراق بما يساهم في عملية إعادة إعمار المناطق التي تضررت بها، فضلاً عن الاستعداد لعقد برامج ودورات تدريبية للكوادر العراقية في مختلف المجالات وفقاً لاحتياجاته. كما تم التطرق إلى سبل تعزيز التعاون في المجال الأمني ومكافحة الإرهاب، خاصة لدرء خطر انتقال العناصر الإرهابية من المقاتلين الأجانب إلى مناطق أخري بدول المنطقة. كما تم التوافق على سرعة الانتهاء من التحضير لعقد الاجتماع الأول اللجنة المشتركة العليا برئاسة رئيسي وزراء البلدين قريباً بما يساهم في دفع التعاون المشترك بين الجانبين.
وأضاف السفير بسام راضى أن اللقاء تطرق أيضاً إلى عدد من الموضوعات الإقليمية حيث توافقت رؤى الجانبين حول أهمية تعزيز العمل العربي المشترك لمواجهة التحديات الإقليمية والتهديدات المشتركة، والتوصل إلى تسويات سياسية للأزمات المختلفة التي تشهدها المنطقة، والحفاظ على المؤسسات الوطنية بالدول التي تشهد هذه الأزمات، وصون سيادتها ووحدة أراضيها، حسبما افاد بيان للرئاسة المصرية اليوم.
وفي كلمة السيسي خلال المؤتمر الصحفي المشترك مع عادل عبد المهدي رئيس وزراء جمهورية العراق، أعرب الرئيس المصري عن اعتزازه وتقديره لاختياره مصر لتكون أولى زياراته الخارجية، الأمر الذي يعبر عن المكانة الغالية التي تحتلها مصر لدى العراق، ويعكس بالمثل الاهتمام البالغ الذي توليه مصر لعلاقاتها المتميزة مع العراق، و"هو ما ليس بغريب على البلدين، في ضوء العلاقات التاريخية والأخوية التي تربط بينهما منذ قديم الأزل، فتلك الروابط والعلاقات الوطيدة تستند في تميزها وخصوصيتها إلى حقائق الجغرافيا والتاريخ المشترك، بحكم الانتماء الواحد لأمتنا العربية، والمساندة المتبادلة بين البلدين لبعضهما البعض في أوقات الشدائد".
وتابع السيسي: "كما تُعد تلك الزيارة مناسبة طيبة، لنحتفل معاً بما حققه العراق حتى الآن بسواعد أبنائه من مختلف فئاته وأطيافه من انجازات في سبيل تحقيق أمنه واستقراره ووحدة أراضيه، وتحرير المدن العراقية من سيطرة تنظيم داعش الإرهابي بعد سنوات طويلة واجه العراق خلالها تحديات جسيمة وظروفاً بالغة الصعوبة"..
وشدد الرئيس المصري على ضرورة استكمال الجهود العربية والدولية، لمحاربة الإرهاب بجميع صوره وأشكاله، فلا سبيل للقضاء على هذا الوباء اللعين إلا بالمواجهة الشاملة، بما في ذلك التصدي بحزم لكل من يدعم الإرهاب والتطرف بالمال أو السلاح، أو بتوفير الملاذ الآمن له أو حتى التعاطف معه. كما دعا المجتمع الدولي، لوضع آلية فعالة للتعامل مع ظاهرة انتقال المقاتلين الإرهابيين الأجانب من مناطق النزاع وانتشارهم في باقي دول المنطقة، باعتبارها إحدى توابع ظاهرة الإرهاب، التي باتت تؤرقنا جميعاً بعد النجاح في دحر تنظيم داعش الإرهابي.
وقال السيسي أنه لمس و"بحق" رئيس الوزراء العراقي، إرادة سياسية وعزماً حقيقياً لاستكمال جهود بناء عراق جديد قوي وواعد يفتح ذراعيه لأبناء الوطن كافة، ولتحقيق مزيد من الانفتاح تجاه تعزيز العلاقات مع مصر وكل الأشقاء العرب، وتطوير علاقات التعاون والتكامل الاقتصادي فيما بينهم.
وتابع: "اتفقنا على أهمية تنسيق المواقف فيما بيننا حيال الشأن الإقليمي الراهن، ومختلف الأزمات التي تعاني منها المنطقة، لاسيما مع قرب انعقاد القمة العربية المقبلة في تونس نهاية الشهر الجاري.. كما احتلت موضوعات التعاون الاقتصادي أولوية متقدمة، انطلاقاً مما لدى البلدين من قدرات، ورغبة في الاستفادة من الإمكانيات والخبرات المتاحة على الجانبين في مختلف المجالات، ولاسيما الاسهام في إعادة إعمار المناطق العراقية المحررة، في ظل وجود العديد من الشركات ورجال الأعمال المصريين الذين سبق لهم العمل بالسوق العراقي، إلى جانب تجربة مصر في إقامة مشروعات قومية كبرى في الآونة الأخيرة، وذلك على أسس المنفعة المتبادلة والمتوازنة، وآخذاً في الاعتبار وجود آفاق واسعة، تمكن الدولتين من تحقيق طفرات اقتصادية في المستقبل بالتعاون مع أشقائنا العرب، وسيكون هذا الأمر محل نقاش واسع مع العاهل الأردني الملك عبدالله الثاني خلال قمتنا الثلاثية غداً".
واتفق الجانبان العراقي والمصري على ضرورة تفعيل آليات التعاون الثنائي القائمة بيننا بالفعل، وفي مقدمتها البدء الفوري في التحضير للجنة العليا المشتركة بين البلدين المنتظر عقدها في بغداد برئاسة رئيسي الوزراء، وتبادل الزيارات رفيعة المستوى على الجانبين، ومتابعة ما سوف تسفر عنه من توصيات ومشروعات محتملة للتعاون لوضعها موضع التنفيذ.
وبدورها اكدت وزارة الخارجية العراقية اليوم السبت، ان هدف زيارة رئيس الوزراء عادل عبد المهدي لمصر تأتي لتعزيز العلاقات الثنائية بين البلدين.
وقال المتحدث باسم وزارة الخارجية الدكتور احمد الصحاف في تصريح لوكالة الانباء العراقية (واع) إن " الزيارة ستكرس لحوارات مهمة وحساسة على مستوى الامن والارهاب وعلى المستوى الاقتصادي"، مشيرا الى ان "العلاقة بين البلدين مستندة على ملفات مهمة واساسية في مقدمتها ان العراق اجتاز اهم التحديات وهي مواجهة الارهاب الذي استند في تحقيق الانتصار عليه الى مكتسبات الشعب العراقي و تضحيات المضحين من صنوف القوات المسلحة العراقية على اختلاف تشكيلاتهم".
الصحاف: تحركنا نحو مصر لأنها الأكبر عربيا
واضاف الصحاف ان "وزارة الخارجية تنظر ضمن رؤيتها للزيارة بشكل عام إلى ان العراق اليوم يمكن ان يكون محورا مهما وارتكازا متقدما ومنصة متقدمة لشراكات استراتيجية متعددة تسمح بدوائر اقتصادية متعددة و مختلفة للشركاء و الجيران في المنطقة وعلى مستوى العالم لتعزيز تطبيق البرنامج الحكومي 2018_2022، لان الواقع العراقي يستدعي عملية نهضة اقتصادية شاملة"، موضحا ان "الدبلوماسية العراقية تحمل هذا المنظور بهدف بناء هذه العلاقات و التنسيق مع كل الاطراف لا سيما البلدان العربية وبالأخص مصر بوصفها الاكبر عربيا".