وكانت تركيا الوجهة الرئيسية أمام السورين الذي فروا من جحيم الحرب الأهلية منذ عام 2011، حيث تشير تقديرات إلى أن أعدادهم تتجاوز 3.6 مليون لاجيء، في وقت تسعى روسيا الحليف القوي للنظام السوري إلى دعم صفقة سياسية من شأنها إعادة هؤلاء إلى وطنهم.
"أردوغان" تاجر باللاجئين السوريين
وكانت دائما السباقات الانتخابية السابقة كاشفة لاستغلال النظام التركي للاجئين السوريين ومتاجرته بهم، إما من خلال منح الجنسيات لبعضهم في عدد من المناطق مقابل التصويت له ولحزب العدالة والتنمية، أو حتى تحقيق منافع سياسية من ورائهم من خلال تصدير النظام نفسه بأنه نصير المستضعفين كما يزعم دائما.
كما كان اللاجئين السوريين كذلك واحدة من أهم ورقات الضغط التي استخدمها "أردوغان" في مواجهة الدول الأوروبية التي كانت تنتقد سياساته، فكان في المقابل يهدد ويلوح دائما بفتح حدود بلاده مع أوروبا أمام هؤلاء اللاجئين، إلى جانب توظيف بعضهم في حربه على الشمال السوري.
لكن الانتخابات المصيرية المقبلة تشهد تحولا كبيرا في مواقف حزب العدالة والتنمية وأيضا موقف أردوغان نفسه، فبعد أن كان يعارض مواقف المعارضة الداعية للتطبيع مع النظام السوري تدور الآن الجلسات والأحاديث عن لقاء بشار الأسد وأردوغان.
وبينما كان الرئيس التركي يتفاخر دائما بفتح الباب أمام اللاجئين السوريين، فالآن يرى ضرورة إعادتهم إلى سوريا مرة أخرى، فضلا عن كثير من التضييقات التي تمارس بحق اللاجئين السوريين خلال الفترة الأخيرة، وكأن مهمتهم انتهت بالنسبة لمصالح الرئيس التركي.
موقف كمال كليجدار أوغلو من قضية اللاجئين السوريين
مجلة فورين بوليسي كانت سلطت الضوء في تقرير صدر حديثا عن الموقف الذي سيتخده كمال كليجدار أوغلو حال فوزه بانتخابات الرئاسة المقبلة تجاه اللاجئين السوريين، وقالت المجلة الأمريكية الشهيرة إنه مثل حزب العدالة والتنمية، فإن كما كليجدار أوغلو وزملاؤه يريدون أيضًا إعادة اللاجئين السوريين إلى وطنهم.
وأشارت المجلة إلى أن حزب العدالة والتنمية بالأساس كان من أفكاره دعم اللاجئين السوريين، لكنه استولى على فكرة إعادتهم إلى سوريا من المعارضة التركية، لتدعو المجلة إلى التخيل بأن السوريين الذين أصبح لهم مكانة شعبية في المجتمع التركي وساهموا فيه، هؤلاء الذين فروا من أجل النجاة بأرواحهم سيعيدهم على الفور كمال كليجدار أوغلو إلى قيضة النظام السوري الذي لا يرحم، وفق المجلة.
وأشارت "فورين بوليسي" في هذا السياق إلى موقف المنافس الرئيسي لـ"أردوغان" من النظام السوري، إذ أنه بالأساس كان مواليا لنظام بشار الأسد طوال فترة الصراع السوري، قائلة إنه لا يجب أن يتفاجيء أحد إذا وجد أن دمشق بين المحطات الأولى لجولات كليجدار أوغلو الخارجية حال فوزه بالرئاسة.
سبب من أسباب التقارب بين النظامين السوري والتركي
في هذا السياق، تقول مجلة "أل – موينتور" المعنية بالشؤون الدولية إن كل من كليجدار أوغلو وأردوغان لا يمانعان عودة اللاجئين السوريين، لكن الرئيس التركي يريد الاستفادة انتخابيا من هذا الملف بتقديم نفسه على أنه الشخص القادر على التفاوض بشأن عودتهم إلى بلادهم.
وأضافت المجلة أن هذا يأتي في ظل ضغوط اقتصادية تعيشها تركيا خلال الفترة الأخيرة، كون هؤلاء اللاجين يشكلون عبئا على الاقتصاد التركي، وهو الأمر الذي يتفق عليه أيضا كرم سعيد الخبير في الشأن التركي، والذي قال في تصريح لوكالة "فرات" إن الرئيس التركي يبدو خلال الفترة الأخيرة لديه قناعة بأن الانخراط في الأزمة السورية أصبح غير ذي جدوى بل وله تكلفته الاقتصادية.
وبحسب "سعيد"، فإن مسألة اللاجئين السوريين باتت من العوامل الضاغطة على تركيا والنظام التركي في ظل إقباله على انتخابات مفصلية، وبالتالي فإن النظام يرى أن استعادة العلاقات مع النظام السوري يساعده في إعادة السوريين إلى سوريا سواء قصرا أو طواعية.
وتابع: "وبالتالي، فإن عودة اللاجئين السوريين سيخفف كثير من الضغوط على النظام التركي"، ولهذا فإن اللاجئين مسألة مهمة تفسر جانبا مهما من مساع التقارب بين النظامين السوري والتركي خلال الفترة الأخيرة.
وتحذر كثير من المنظمات والجهات الدولية من خطورة إعادة اللاجئين السوريين في الوقت الحالي، في ظل عدم وجود صيغة نوافق سياسي في البلاد، ووسط مخاوف من أن يتم التنكيل ببعضهم من قبل النظام.