وأمام هذا الوضع، تبذل بعض الجهات الدولية جهوداً من أجل إخماد هذا الصراع مبكراً قبل أن يدخل في مرحلة اللاعودة، وفي هذا السياق عرضت مصر وجنوب السودان، اليوم، الوساطة بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع بعد المواجهات التي اندلعت في العاصمة الخرطوم وعدد من المدن الأخرى.
مصر وجنوب السودان تعرضان الوساطة لتهدئة الصراع
وأجرى الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي اتصالات بنطيره الجنوب سوداني سلفاكير ميارديت بحثا خلاله تطورات الوضع في السودان، وناشدا الأطراف السودانية "تغليب صوت الحكمة والحوار السلمي".
وأعرب الرئيسان عن استعداد مصر وجنوب السودان للقيام بالوساطة بين الأطراف السودانية، حيث أن تصاعد العنف لن يؤدي سوى إلى مزيد من تدهور الوضع، بما قد يخرج به عن السيطرة، مؤكدين أن ترسيخ الأمن والاستقرار، هو الركيزة الضامنة لاستكمال المسار الانتقالي السياسي، وتحقيق البناء والتنمية في السودان.
وقالت مصادر دبلوماسية، لوكالة فرات للأنباء، إن "القاهرة" فتحت خطوط اتصال مع الأطراف المتنازعة في السودان، وكذا مع بعض الأطراف الدولية المعنية، من أجل الإسراع في إنهاء هذا الصراع الذي ينذر بعواقب وخيمة على منطقة الشرق الأوسط وعلى قارة أفريقيا.
في هذا السياق، قال محمد فتحي الشريف الباحث في الشؤون العربية، لوكالة فرات للأنباء، إن وساطة مصر إلى جانب جنوب السودان لتهدئة الأوضاع في السودان أمر منطقي، لما للبلدين من علاقات وروابط تاريخية مع جمهورية السودان، وفي نفس الوقت من مصلحتهما السعي من أجل الوساطة، نظرا لأن الدولتين ستكونان الأكثر تأثرا بما يجري في السودان.
وأعرب "الشريف" عن اعتقاده بأن "القاهرة" يمكنها أن تلعب دوراً محورياً في التوصل إلى تهدئة بين طرفي الصراع، في ظل موقف مصر المحايد تجاه السودان وحرصها خصوصا خلال السنوات الأخيرة على وحدة واستقرار السودان، ومواصلة الانتقال السياسي وفق مسار سلمي يحقق طموحات الشعب السوداني.
وشدد الباحث في الشؤون العربية على أن مصر تهتم اهتماماً بالغاً بتطورات الوضع في السودان، خصوصاً وأن الأخيرة تشكل جزء مهماً من العمق الاستراتيجي للأمن القومي المصري، كما أن "القاهرة" ستعمل بكل ما أوتيت من قوة وبكل السبل على وقف إطلاق النار، لحقن دماء الشعب السوداني، والذي هو من سيدفع الثمن.
مجلس الجامعة العربية في حالة انعقاد دائم
على المستوى العربي، شاركت مصر المملكة العربية السعودية في الدعوة إلى عقد اجتماع طاريء لجامعة الدول العربية على مستوى المندوبين، لمناقشة تطورات الوضع في السودان، والذي عقد بالفعل اليوم على مستوى المندوبين الدائمين لدى الجامعة العربية.
وأعرب مجلس جامعة الدول العربية عن الأسف الشديد لسقوط ضحايا خلال الاشتباكات الأخيرة، كما تقدم بخالص العزاء لذوي الضحايا والشعب السوداني بأكمله، مطالبا بضرورة الوقف الفوري لكافة الاشتباكات المسلحة حقناً للدماء وحفاظاً على أمن وسلامة المدنيين ومقدرات الشعب السوداني ووحدة أراضي السودان وسيادته. وأكد البيان أهمية العودة السريعة إلى المسار السلمي لحل الأزمة السودانية، والتأسيس لمرحلة جديدة تلبي طموحات وتطلعات الشعب السوداني الشقيق وتسهم في تعزيز الأمن والاستقرار السياسي والاقتصادي في هذا البلد الهام.
وتمت الدعوة إلى إبقاء المجلس في حالة انعقاد دائم لمتابعة تطورات الوضع في السودان، ودعوة مجموعة السفراء العرب المعتمدين في الخرطوم إلى التنسيق فيما بينهم والتواصل المستمر مع السلطات والاطراف والمكونات السودانية وتقديم الدعم اللازم للمساهمة في استعادة استقرار الأوضاع في السودان، والتنسيق مع الأمانة العامة والدولة الرئيس للمجلس على المستوى الوزاري في هذا الشأن.
انتهاء أزمة "أسر عناصر من القوات المسلحة المصرية"
ولم يكن انخراط مصر في الأزمة السودانية مرتبطاً فقط بمتابعة الوضع وعرض الوساطة، حيث توترت الأجواء مع نشر قوات الدعم السريع مقطعاً مصوراً لما زعمت أنه أسر لقوات مصرية عند قاعدة مروى، ما تسبب في حالة غضب واسع جرى التعبير عنها عبر مواقع التواصل الاجتماعي في مصر.
وظهر في الفيديو عدد من الجنود المصريين وهم جالسون على الأرض وقد أحاط بهم عناصر من قوات الدعم السريع، كما أظهر قيام ضابط مصري بالتعريف عن نفسه وأنه المسؤول عن الجنود المصريين الموجودين في القاعدة.
ونشر المتحدث باسم الجيش المصري بياناً على حساباته على مواقع التواصل الاجتماعي قال فيه إن الجيش المصري يتابع التطورات في السودان وينسق مع الجهات المعنية لضمان تأمين القوات المصرية الموجودة في إطار تدريبات مشتركة مع الجيش السوداني.
وفي بيان لوزارة الخارجية المصرية، دعت القاهرة أطراف النزاع الجاري في السودان، على ضوء استمرار العمليات العسكرية واحتمالات التصعيد، إلى الوقف الفوري للعمليات العسكرية حقناً لدماء أبناء الشعب السوداني الشقيق، وتغليب لغة الحوار من أجل حل الخلافات، حفاظاً على سلامة واستقرار البلاد، وحماية مقدرات الشعب السوداني وطموحات ثورته المجيدة.
وإذ تعبر مصر عن أسفها الشديد وخالص عزائها لسقوط ضحايا ووقوع إصابات بين صفوف الأشقاء في السودان، سواء من العكسريين أو المدنيين، جراء المواجهات العسكرية الجارية، فإنها تؤكد على أنها لن تألو جهداً في القيام بالجهود اللازمة بالتعاون مع الدول الصديقة والشقيقة، من أجل نزع فتيل الأزمة الراهنة. وقد جاءت المبادرة المصرية/ السعودية بالدعوة إلى عقد إجتماع طارئ لمجلس جامعة الدول العربية على مستوى المندوبين الدائمين، ومبادرة الوساطة المصرية/ الجنوب سودانية، والإتصالات والمشاورات التي تضطلع بها مصر حالياً مع الأطراف المعنية داخل السودان وخارجه، من أجل تحقيق هذا الهدف.
وتشدد جمهورية مصر العربية على ضرورة عدم استغلال أي طرف خارجي للتطورات الجارية في السودان من خلال القيام بأعمال تؤجج من حدة الصراع أو تهدف للنيل من سلامة أراضيه، وبما يؤثر على أمن واستقرار وسلامة الشعب السوداني الشقيق. كما تؤكد على ضرورة الحفاظ على أمن وسلامة الجالية المصرية في السودان، وكذلك المنشآت والممتلكات الخاصة بالبعثات الرسمية المصرية.