عودة عمليات داعش في سوريا
بعد إعلان تنظيم الدولة الإسلامية في سوريا والعراق داعش ما يسمى الخلافة في حزيران/ يونيو 2014، ونجاحه في السيطرة على مساحات كبيرة من الأراضي السورية، وتنفيذه عدداً كبيراً من العمليات الإرهابية واتخاذه الأراضي السورية قاعدة للانطلاق نحو تصدير الإرهاب لدول المنطقة، شكّلت محافظة (الرقة) في شرق سوريا المعقل الأبرز للتنظيم في البلاد، وشهدت على فظاعات وإعدامات وحشية، حيث نجح في بث الرعب فيها، وبدأت قوات سوريا الديمقراطية (قسد) التابعة للإدارة الذاتية لشمال وشرق سوريا في مواجهة مرتزقة داعش، بمساندة من التحالف الدولي الذى تقوده الولايات المتحدة الامريكية، وبعد معارك عنيفة خاضتها ضد تنظيم الدولة، تمكنت (قسد)، من طرد التنظيم من الرقة في تشرين الأول/ أكتوبر 2017، واستمرت في معاركها حتى استطاعت تحرير معظم أراضي شمال وشرق سوريا التي كان يسيطر عليها داعش في آذار/ مارس 2019، واعتقلت أكثر من عشرة آلاف من المرتزقة، وعشرات الآلاف من أسرهم. وقد أوضح البيان الصادر عن القيادة المركزية الأمريكية بداية العام الحالي حول الوضع الحالي للحرب ضد تنظيم داعش، وجود ثلاث فئات من التنظيم الآن: الأولى هي المقاتلون المنتمون إلى التنظيم والمحتجزون في سجون العراق وسوريا، والثانية أسرهم المعتقلون وهم عبارة عن نحو خمسة وخمسين ألف امرأة وطفل محتجزين في المخيمات، والثالثة قادة وعناصر داعش الذين مازالوا مستمرين في القتال ويحتمون ببعض المناطق، وشدد البيان على أنه رغم كل الجهود المستمرة والناجحة لإضعاف داعش عسكرياً، فإن أيديولوجية التنظيم لا تزال قائمة، وأن الحاجة تدعو إلى استمرار العمليات المشتركة لمواجهة داعش في سوريا. لكن المفاجأة أن التنظيم عاد في الفترة الأخيرة لتنفيذ عمليات إرهابية ونوعية، حيث شن يوم الجمعة الماضي هجوما على حافلة عسكرية في شرق سوريا أسفر عن مقتل 33 جنديا من الجيش السوري وإصابة أكثر من عشرة، وأعلن مسؤوليته عن الهجمات التي يقوم بها عبر خلايا نائمة في أراض كان يحكمها ذات يوم خاصة في محافظة دير الزور الصحراوية الشاسعة، والتي يتقاسم السيطرة عليها الجيش السوري، وقوات سوريا الديمقراطية، ووصف المرصد السوري لحقوق الإنسان الهجوم بأنه الأكثر دموية الذى ينفذه تنظيم داعش حتى الآن خلال هذا العام، بعد أن اتجه التنظيم إلى العمل السري منذ خسارة آخر الأراضي التي كان يسيطر عليها في شرق سوريا في 2019.
والغريب أنه في أول شهر آب/ أغسطس الحالي، أي قبيل هذا الهجوم مباشرة، أكد نائب رئيس مركز المصالحة الروسي في سوريا، اللواء بحري فاديم كوليت، أن روسيا تشعر بقلق بالغ إزاء المعلومات التي تشير إلى أن إرهابيين يستعدون بنشاط لهجمات ضد أهداف ودوريات الجيش السوري والقوات المسلحة الروسية في سوريا، وأشار إلى أن القوات الروسية ستتخذ أكثر الإجراءات حسماً وصعوبة ضد المسلحين، الذين يخططون لشن هجوم على الجيشين الروسي والسوري.
ما الذى أعاد الروح مرة أخرى لتنظيم داعش في سوريا، بعد أن نجحت قوات سوريا الديمقراطية في هزيمته، الحقيقة أن هناك مؤشرات كثيرة على وجود أطراف إقليمية ودولية مازالت تدعم التنظيم بهدف استمرار حالة الفوضى في سوريا، واستخدام هذه المجموعات الإرهابية أداة ضغط لفرض اتجاهات وأوضاع سياسية معينة في بعض مناطق الشرق الأوسط، ففي شهر نيسان/ أبريل الماضي عثرت قوات سوريا الديمقراطية خلال هجوم على مزرعة تابعة لداعش في ريف محافظة الرقة على أموال بلغت قيمتها مليون دولار وبراميل معبأة بالذهب، وهو الأمر الذى يؤكد ارتفاع مستويات التمويل لدى التنظيم، ويثير التساؤلات حول كيفية وصول هذه الأموال إلى تلك المزرعة رغم الأحوال الديموغرافية الصعبة للمنطقة، واستمرار العمليات العسكرية ضد التنظيم وكوادره، ومنها اعتقال السلطات العراقية المشرف المالي للتنظيم سامى الجبوري في تشرين الأول/ أكتوبر الماضي.
في الوقت نفسه تعانى الإدارة الذاتية لشمال وشرق سوريا مشكلة أخرى بسبب داعش، هي وجود نحو عشرة آلاف عنصر من داعش، كلهم أجانب، محتجزين لديها، وقررت البدء بمحاكمتهم، وفق القوانين الدولية والمحلية الخاصة بالإرهاب، وقالت في بيان لها إن ذلك سيتم بمحاكمات علنية وعادلة وشفافة، بما يحفظ حقوق المدعين من الضحايا وأفراد أسرهم، مؤكدة أن قرارها جاء بسبب عدم تلبية المجتمع الدولي لنداءاتها ومناشداتها الدول لتسلم مواطنيها من التنظيم، وإحقاقاً للحق، وإنصافاً للضحايا، وتحقيقاً للعدالة الاجتماعية وكانت الإدارة الذاتية قد طالبت المجتمع الدولي بتحمل مسؤولياته في إيجاد حلول لملف عناصر داعش المحتجزين لديها، وطرحت مبادرات من أجل تشكيل محكمة دولية أو تحمل طابعاً دولياً، بما يتوافر لديها من أدلة تُدين العناصر، ونوهت إلى أن هذا لا يعنى عدول الإدارة عن رأيها في ضرورة إنشاء محكمة دولية، أو محكمة ذات طابع دولي خاص بملف إرهابيي داعش، كما أننا مازلنا نصر على مطالبتنا المجتمع الدولي بالتجاوب مع مطالبنا في تشكيل محكمة دولية، ودعت في بيانها التحالف الدولي لمحاربة الإرهاب، والأمم المتحدة والمنظمات الحقوقية الدولية المعنية، والمنظمات المحلية، للانخراط بشكل إيجابي وتقديم الدعم خلال جميع مراحل المحاكمات، ويعتبر ملف عناصر داعش الأجانب عبئاً كبيراً وتحدياً يواجه الإدارة الذاتية، كما أن بقائهم في مراكز الاحتجاز دون محاكمة أمر منافٍ للقوانين والاتفاقيات الدولية، بالإضافة إلى تزايد خطورة الوضع الأمني في حال بقائهم واستمرارهم على هذا الحال. كما أن الكثيرين من قادة التنظيم الذين استهدفتهم قوات قسد والقوات الأمريكية متهمون بالتخطيط لهجمات إرهابية في الشرق الأوسط وأوروبا، مما يدل على أن تنظيم الدولة الإسلامية يعيد إعطاء الأولوية للعمليات الخارجية في جميع أنحاء أوروبا وآسيا، فهل نرى موجة جديدة من إرهاب داعش في الفترة المقبلة في ظل غياب استراتيجية دولية لمكافحة الإرهاب.
من صحيفة الأهرام المصرية