بينما تتسارع الجولات والزيارات المكوكية التي يقوم بها القادة العرب استباقًا للقمة المرتقبة مع الرئيس الأمريكي جون بايدن، يبدو هناك ترتيبات تتم وأن تلك القمة ستكون حافلة بالرؤى وربما المطالب.
ويبدو أن ترتيبات إقليمية كبيرة تتم وتقودها القاهرة التي باتت وجهة للقادة العرب والخليجيين، والذين من المقرر أن يشاركوا في قمة جدة المرتقبة منتصف الشهر الجاري.
وفي توصيفه لتلك اللقاءات والزيارات المتبادلة يقول دكتور أكرم حسام، أستاذ العلوم السياسية، مدير مركز رع للدراسات، في تصريحات خاصة لوكالة فرات للأنباء: إن هذه الزيارات تأتي في توقيت دقيق للغاية حيث تمر المنطقة العربية بضغوط مختلفة ومتصاعدة نتيجة لأحداث عالمية فرضت نفسها على الساحة الإقليمية بشكل كبير وتبلورت في عدة مشكلات بعضها يتعلق بمستقبل الأمن الغذائي في المنطقة العربية، نتيجة لاعتماد عدد من البلدان العربية على الصادرات أو على استيراد بعض السلع الغذائية من الخارج وتحديدًا من الدول المنخرطة في هذا الصراع روسيا وأوكرانيا وبالتالي التحذيرات أصبحت عالية المستوى بخصوص إمكانية حدوث مشاكل واضطرابات فيما يتعلق بسوق إمدادات الغذاء التي تصل الى العالم العربي. بالإضافة ايضا إلى بعض المشكلات التي بدأت تتفرع عن نقص الطاقة العالمي وما وما يحويه من أيضا من فرص وتحديات لبعض الدول العربية.
وأكد أن هذه الزيارات تأتي بالفعل في توقيت حساس ودقيق يستوجب أن يكون هناك تنسيق عربي عربي مشترك للبحث في كيفية التعامل مع التحديات الموجودة حاليا والمستقبلية بالإضافة للبحث عن الفرص المتاحة لتعظيم القدرة الشاملة العربية والقدرة على مواجهة الراهنة خصوصا مشكلتي الغذاء والطاقة.
وحول الأبعاد الدولية الراهنة وتأثيرها على المنطقة ومن ثم على سياقات التحرك العربي، أوضح: منطقة الشرق الأوسط ليست بأي حال من الأحوال بعيدة عن السياقات العالمية المضطربة حاليا، والتي كشفت عنها أحداث الأزمة أو أحداث الحرب الروسية الاوكرانية. بالإضافة إلى الأحداث الأخرى، والتي ضربت العالم خلال العامين السابقين والتي لم يتخلص منها العالم بعد، جائحة كورونا ما تزال موجودة في بعض البلدان وآثارها ما تزال باقية.
وتابع: للأسف خرج العالم من جائحة كورونا بمستويات من التراجع الاقتصاد تراجع النمو الاقتصادي العالمي. وكان هناك تحذير من دخول العالم في موجة من التضخم. وما لبس اندلعت الحرب في شهر فبراير الماضي. لتضيف تعقيدات إضافية للمشهد الدولي ولحجم المشكلات التي بدأت تبرز على المستوى الاقتصادي، وعلى المستوى الاستراتيجي وكذلك الأمني.
وأكد أن الوضع بالغ التعقيد، وأن تحليل الوضع الاستراتيجي الراهن للتحديات الموجودة بإقليم الشرق الأوسط وبالمنطقة العربية يكشف عن تعدد مستويات التهديد منها على المستوى الاقتصادي المتعلق بالأمن الغذائي والطاقة ومنها على المستوى الأمني المتعلق بتزايد احتمالات عودة التنظيمات المتشددة مرة أخرى، أمن الإقليم وتهديد بعض دول المنطقة.
واستطرد: شاهدنا في سوريا عودة تنظيم داعش لتنفيذ بعض العمليات، انتعاش أو محاولة تنظيم داعش أيضًا والقاعدة. وبعض التظاهرات المتطرفة، تنفيذ بعض العمليات المسلحة الإرهابية في بعض دول القارة الإفريقية. وبالتالي التهديدات على المستوى الأمني أيضا موجودة، التهديدات الأخرى متعلقة بارتفاع وتيرة التهديدات وبشكل أساسي من جانب بعض الوكلاء المحليين أو الوكلاء والأزرع الإقليمية لبعض القوى الإقليمية في المنطقة. والتي بدأت تتزايد أيضًا ما يعني ارتفاع نفوذها ووجودها في المنطقة نتيجة لانشغال القوى الكبرى بهذه الحرب التي يمكن توصيفها (الحرب الأوكرانية) بأنها أقرب إلى شكل أو نمط الحرب العالمية. والمتوقع معها أن يرتفع حجم نفوذ ودور القوى المحلية التخريبية، والتي بامكانها زعزعة أمن الإقليم.
ولفت إلى أننا أمام بيئة استراتيجية مضطربة في منطقة الشرق الأوسط تستدعي التنسيق قراءة التحديات برؤية مشتركة البحث عن دور مشترك لمواجهة هذه التحديات.
وأشار أيضًا إلى التدريبات العسكرية المشتركة خلال الفترة الأخيرة في البحر الأحمر والمساعي التي جرى الحديث عنها بتشكيل مظلة للدفاع الجوي المشترك، مضيفًا؛ "لا شك أن ما نشهده حاليا من كثافة للحركة الدبلوماسية المنبثقة أو المعبر عنها في هذه التحركات العربية. اعتقد أنها ليست ببعيدة بأي حال من الأحوال عن جزء من هذه الترتيبات التي يتم التجهيز لها للتعامل مع التحديات الموجودة في المنطقة، وعلى رأسها طبعا التحدي الايراني".
وأكد أن زيارة الرئيس جو بايدن منتصف الشهر القادم هي المحور الرئيسي لكل هذا الحراك الدبلوماسي العربي باتجاه مصر، لافتا إلى أن الدول العربية المدعوة إلى هذه الطاولة تحتاج للتعرف على وجهة نظر الدولة المصرية باعتبارها الدولة القائدة الآن في النظام الإقليمي العربي لقوة الموقف المصري ولإدراكهم لقدرة المؤسسات المصرية على التنبؤ بما يمكن أن يتم طرحه على المنطقة وعلى القادة العرب في هذه القمة. والتحسب طبعا مسبقا بردود عربية مقنعة تحقق للجانب العربي مصالحه بالأساس لأن الرئيس الامريكي سيأتي إلى هذه القمة محملا بأجندة تتعلق ربما بموضوع أمن الطاقة ومحاولة سحب الموقف العربي باتجاه الضغط على روسيا بصورة أو بأخرى للتأثير على أسواق النفط، إمدادات الغاز وغيرها وربما أيضا يكون هناك محاولة لسحب الموقف السياسي العربي باتجاه الموقف الغربي أو الموقف الأوكراني من هذه الحرب، وربما التراجع عن بعض التطور في العلاقات العربية مع روسيا أو الخليجية مع روسيا بالتحديد.
وأضاف، "هذه الأجندة لا شك أنها ستكون أجندة ضاغطة على الدول التي ستشارك في هذه القمة، وبالتالي الاجتماعات العربية المكثفة مع الرئيس عبدالفتاح السيسي تأتي لمحاولة تنسيق المواقف العربية تجاه التعامل مع أية مطالب أمريكية متوقعة خلال القمة الخليجية الأمريكية العربية المرتقبة، بتقديم أيضا روزنامة أو مجموعة من المطالب التي تحدد المصالح العربية الأساسية والرؤية العربية لكثير من القضايا الدولية والإقليمية".
وأردف: واعتقد أن القضية الخاصة بالقضية الفلسطينية لابد أن تكون على رأس الأولويات فيما يتعلق بطرحها على هذه الطاولة، مطلوب موقف أمريكي حاسم فيما يتعلق بمسألة حل الدولتين. والضغط على إسرائيل بصورة حقيقية للجلوس إلى طاولة المفاوضات ومحاولة الوصول بخطوات متقدمة نحو السلام والتوقف عن الانتهاكات التي يتعرض لها المسجد الأقصى والأماكن المقدسة من جانب الإسرائيليين بشكل يومي، كذلك القضية ربما أيضا ستكون ملحة وأعتقد أنها يجب أن يتم طرحها. الموقف من إيران. المحاولات الأمريكية التي ظهرت خلال الأشهر التي سبقت الحرب الأوكرانية لمحاولة تعويم إيران بالمنطقة من خلال منحها اتفاق يعني موافقة على البرنامج النووي وإن كان سلميا أوله جانب عسكري أو تحت أية شروط دون التطرق لمسألة دور إيران الإقليمي المزعزع للاستقرار المنطقة والبرنامج الصاروخي وبرنامج الطائرات المسيرة الإيرانية وغيرها من القدرات التي بدا واضحا أنها أصبحت من المهددات الرئيسية لأمن الإقليم ولأمن الخليج بشكل أساسي وكذلك لأمن الملاحة في بحر العرب وفي الخليج العربي وصولا إلى باب المندب وهو المدخل الجنوبي لقناة السويس وبالتالي أصبحت أيضا واقعة في دوائر التهديد للأمن القومي المصري بصورة أو بأخرى.
وأضاف: هذه الملفات لابد أن تطرح على الجانب الأمريكي لمعرفة وجهة نظره وموقفه من المطالب العربية بخصوص كيفية التعامل مع إيران، ضرورة بلورة موقف أمريكي واضح تجاه الضغط على الأطراف التي ترفض الحلول أو تعرقل الحلول السلمية في ليبيا مثلا، وفي اليمن وربما في دول عربية أخرى تحتاج إلى التهدئة في هذه الظروف. إذا لابد أن ندرك أن الطاولة المتوقع أن يجتمع حولها المتحاورون في السعودية لابد أن يطرح عليها ومن خلالها أجندة متوازنة، مطالب في مقابل مطالب، ومصالح عربية أيضا لابد أن يتم بلورتها بشكل واضح وقابل للتطبيق يراعي كل الحساسيات ويراعي كل الأبعاد. ومن هنا كانت أهمية التحرك العربي باتجاه قلب العالم العربي مصر.
وشدد على أن هذه المرحلة تحتاج بالفعل إلى تكاتف عربي عربي مشترك ووضع رؤية مشتركة للتحديات، ووضع رؤية مشتركة للفرص المتاحة للتقدم نحو وضع أفضل ومركز أفضل للنظام الإقليمي العربي.
وتابع: واعتقد أن جزء مهم من هذه الرؤية المشتركة لابد أن تتضمن تصورا استراتيجيا للتعامل مع القوى الإقليمية الرئيسية في المنطقة وهي إيران وتركيا وإسرائيل، هل يتم وضع القوى الثلاث في كفة واحدة وباعتبارها الأمن الإقليمي العربي. أم انه يمكن التعامل مع كل حالة على حدة باعتبار أن المنطقة الآن تشهد تغير ما في التحول في العلاقة ما بين بعض الدول العربية وإسرائيل، اتفاقات السلام الإبراهيمي. نشهد تطور في العلاقات ما بين المغرب، إسرائيل والإمارات والبحرين ربما السعودية على الطريق، قريبا السودان. أيضا تركيا هناك تحسن في العلاقات مع الإمارات كانت هناك زيارة ولي العهد السعودي عقب زيارته للقاهرة ومنها إلى انقرة وبالتالي هناك تحسن قادم في العلاقات الخليجية بعد تحسن العلاقات السعودية التركية بالأساس بعد التحسن الذي طرأ في العلاقات التركية الإماراتية. وبانتظار المحطة المصرية التركية. وبالتالي تزال إيران هي حتى الآن هي المهدد المحور الذي يتم الاتفاق عليه حاليا خصوصا بين الدوائر الخليجية وربما الدول التي ربما ستشارك في القمة الأمريكية القادمة في منتصف الشهر القادم.
وأكد على ضرورة بلورة رؤية تحدد بالفعل من هو العدو ومن هو الصديق من هو المهدد ومن هي الدول التي يمكن أن يتم التعامل معها ضمن استراتيجية إقليمية واحدة. مع الوضع في الاعتبار عدد من الثوابت العربية المتعلقة بالموقف من فلسطين، تحديدا ضرورة ايجاد حل لهذه القضية أيضا الحفاظ على علاقات عربية متوازنة مع القوى العربية مع القوى الأخرى لأن العالم الآن أو النظام الدولي يشهد تحولات، وبالتالي لا يجب أن يتم الالقاء البيض في سلة واحدة كما يقولون.
واختتم حديثه مؤكدًا: لابد أن يبقى الجانب العربي جزءا من الرهان على القوى الدولية الأخرى التي ربما تكون مرشحة للصعود خلال السنوات وربما خلال العقود القادمة وعدم ضياع أية مكتسبات تم تحقيقها خلال الفترة الماضية إزاء تطوير علاقات ربما مع روسيا مع الصين ومع قوى دولية أخرى وبالتالي هناك حاجة إلى موقف عربي متزن وموقف عربي يعي جيدا مصالحه على المدى القريب والمتوسط والبعيد واضعين في الاعتبار التغيرات التي تحدث في البيئة الاستراتيجية الدولية".