بعد ادعاءات تركية واضحة ومحاولات لتلطيف العلاقات مع الدول العربية الكبرى وفي مقدمتها مصر ودول الخليج خاصة السعودية والإمارات، تعود القضية كلها للمربع صفر فيبدو أن العرب باتوا على ثقة من أن تركيا بنظامها الحالي لن تحرك ساكنا وستبقى في سياساتها المضرة بأمن الإقليم.
بينما تنطلق، غدًا، أعمال القمة العربية في دورتها الحادية والثلاثين وبعد غياب ثلاث سنوات بسبب جائحة كورونا وغيرها من الأوضاع الأخرى يترقب المتابعون في الإقليم مخرجات القمة التي بات واضحا أنها تولي أهمية للقضية الفلسطينية، بفعل رئاسة الجزائر للقمة وما أولته من جهود في شأن تفعيل مصالحة فلسطينية- فلسطينية احتضنتها الجزائر مؤخرا، وكذلك الاهتمام بملف الأمن الغذائى في ظل الأوضاع الدولية والإقليمية المؤثرة والتي تهدد المنطقة بأزمة غذاء طاحنة، كذلك مسألة العلاقات البينية والتي أدت بالجزائر إلى إطلاق تسمية قمة لم الشمل على القمة التي تعد رابع قمة تحتضنها الجزائر منذ تأسست الجامعة العربية وانضمت لها الجزائر.
القمة أيضا تأتي في الأول والثاني من نوفمبر، وهي ذكرى اندلاع ثورة التحرير الجزائرية ربما لتفتح باب الأمل المعقود على أن تكون ثمة تغييرات للدول العربية التي تراوح مكانها في ظل أزمات وحروب وتشاحنات داخلية كبرى تسارعت حدتها على مدار العقد الماضي الأليم.
تبقى في خضم كل الملفات التي سيبحثها القادة العرب، الذين من المقرر أن تبدأ الجزائر في استضافتهم بدءًا من مساء اليوم الاثنين، والتي يرفعها وزراء الخارجية العرب على أعمال مجلس الجامعة على مستوى القمة بعد جهود حثيثة أيضا لمناقشتها ولتحضير مشاريعها، ملفات وقضايا شائكة حول الأوضاع في ليبيا وسوريا واليمن، وكذلك سبل دعم لبنان وغيرها من مشاريع القرارات المدرجة، إضافة إلى بنود خاصة بالتدخلات الخارجية في الإقليم، لاسيما تركيا وإيران، والتي من الواضح أنها لن تتغير عن سياقاتها السابقة بأي صورة كانت لاسيما بالنسبة لتركيا التي حاولت التقارب مع الدول العربية خلال العامين الماضيين بصورة فقط ترفع عنها أزمات التقييد والمقاطعة دون اتخاذ أي موقف يذكر تراعي فيه عدم المساس بالأمن الإقليمي العربي، والذي تواصل تركيا انتهاكه في كل من سوريا والعراق، وكذلك ليبيا التي لا تزال مصرة على تواجد قواتها فيها رغم القرارات الدولية، والرفض المصري الذي أعلنته القاهرة صراحة في الجولتين الاستكشافيتين من المباحثات المشتركة التي استضافتهما القاهرة ثم أنقرة دون أي تحرك فعلي يغير ما تم الحديث بشأنه.
وزير الخارجية المصري سامح شكري والذي تستضيف بلاده أيضا قمة المناخ بعد أيام، تحدث صراحة عن العلاقة بين مصر وتركيا لافتا أنه لا تغير طرأ على الممارسات التركية بعد الجلستين الاستكشافيتين، ملمحا إلى أن ليبيا والتواجد التركي فيها ستبقى العقبة الأهم التي تحول دون أي حديث عن ليس علاقات، وانما لاستئناف حتى مسار الحوار البيني أملا في الوصول إلى أرضية مشتركة.
وقال سامح شكري في مقابلة مطولة مع قناة العربية: أتاحت الجلستين الاستكشافيتين لنا الفرصة للتعبير عن شواغلنا بالنسبة للمارسات والأوضاع الإقليمية.. لم يتم استئناف المسار لأنه لم تطرأ تغيرات في الممارسات من قبل تركيا، فالأمر يرجع مرة أخرى إلى ضرورة الالتزام بالقواعد والمعايير الدولية.
وأضاف "هناك إشارة لما تم في برلين ١،٢ أو في باريس، وهذه اجتماعات حضرتها كل الدول الكبرى وطالبت بخروج القوات الأجنبية، لم يحدث أي إجراء حاسم".
وأكد شكري على أن "هذه من الأمور تثير القلق لانها تبرهن أن المجتمع الدولي يعمل على تحقيق المصالح وليس لاعتماد مبادئ يجب أن تكون راسخة في إدارة العلاقات الدولية".
الوضع برمته يؤكد أن العرب الذين يتابعون مواقف النظام التركي والذي يهيمن عليه حزب العدالة والتنمية منذ عشرين عاما لم يعد آملا أي تغيير فعلي يطرأ من جانب تركيا وبالتالي من المتوقع أن القرارات التي تخرج عن القادة العرب في قمتهم التي تعقد لأول مرة منذ ثلاث سنوات ستناقش ما ترفعه اللجنة الوزارية المعنية بمتابعة التدخلات التركية في الشؤون الداخلية للدول العربية، برئاسة مصر وعضوية كل من السعودية والإمارات والبحرين، والأمين العام للجامعة العربية أحمد أبو الغيط، ومن المتوقع أنها ستدور في إطار بياناتها السابقة والتي كان آخرها في سبتمبر الماضي في الاجتماع الدوري لمجلس الجامعة الوزاري بمقر الأمانة العامة وقرارات المجلس، والذي لم يغير النبرة المستمرة والرافضة للموقف التركي تجاه الدول العربية والتي تعبر عن سياسة واضحة لم تسع تركيا إلى تغييرها على الإطلاق.
كثيرة هي القرارات السابقة التي تطرقت إلى تدخلات تركيا وعدوانهاةعلى دول المنطقة، من بينها قرار مجلس جامعة الدول العربية رقم 8454 الذي اعتمده المجلس في دورته غير العادية يوم 12 أكتوبر/ تشرين أول 2019 ، بشأن العدوان التركي على سوريا، القرار رقم 8542 بتاريخ 9 سبتمبر / أيلول 2020، بشأن انتهاك القوات التركية للسيادة العراقية، قرارات مجلس جامعة الدول العربية على المستوى الوزاري ذات بشأن التدخلات التركية في الشؤون الداخلية للدول العربية في دوراته الأخيرة.
وبينما أن لا شيء تغير في السياق فإن النقاط المهمة التي قد تدور حولها مخرجات القمة العربية، والمأخوذةومن القرارات والبيانات السابقة لمجالس الجامعة العربية ستدور في التالي:
- التعبير عن القلق ورفض استمرار الوجود العسكري التركي على أراضي عدد من الدول العربية والتدخلات التركية في الشؤون الداخلية العربية، والانتهاكات التركية المتكررة لقرارات مجلس الأمن ذات الصلة بفرض حظر السلاح على ليبيا.
- التأكيد على عدم شرعية تواجد القوات التركية في كل من دولة العراق ودولة ليبيا والجمهورية العربية السورية، والتشديد على ضرورة سحب تركيا لقواتها بشكل فوري دون قيد أو شرط.
- رفض استمرار تركيا بعمليات رعاية وتجنيد وتدريب ونقل المقاتلين الإرهابين الأجانب والمرتزقة لداخل حدود البلاد العربية.
- رفض واستنكار المساس بالتركيبة الديموجرافية في بعض المناطق العربية الواقعة تحت قوات التركية على غرار شمال شرق سوريا، والانتهاكات المستمرة لسيادة بعض الدول
- دعوة الحكومة التركية إلى احترام الحقوق المائية لكل من جمهورية العراق والجمهورية العربية السورية، ووقف إقامة السدود على منابع نهري دجلة والفرات، مما يؤثر سلباً على الحصص المائية للدولتين العربيتين، فضلا عما تتسبب فيه تلك الممارسات من أضرار بيئية واقتصادية جسيمة على كلا الدولتين.
- إدانة استضافة تركيا للعناصر التابعة للجماعات المتطرفة وتوفير ملاذ آمن لها على الأراضي التركية، وتمويل ودعم تركيا الدائم لمنصات إعلامية تحرض على استخدام العنف لزعزعة أمن واستقرار الدول العربية.
وفي السياق تبقى فكرة العلاقات العربية التركية التي باتت تراوح موت سريري جديد مفتوحة لإبداع القادة العرب رأيا بشأنها إذ كانت البيانات والقرارات السابقة ترحب وتراقب المخرجات وفي الوقت نفسة تشدد على العمل مع المنظمات الإقليمية والدولية لرفض انتهاكات تركيا للأمن الإقليمي العربي وهو الأمر الذي لم يتغير بل تصاعد مؤخرا بمساعي تركيا لبناء علاقات والخروج باتفاقيات مع حكومة منتهية الصلاحية في طرابلس لتفتح باب جديد من الأزمات تدور كلها في شرق المتوسط الذي تتأزم فيه الآن علاقات تركيا واليونان بشكل يستدعي الحديث بين حين وآخر من جانب قادة الاتحاد الأوروبي لرفض ممارسات تركية تجاة اليونان وغير ذلك.