تدق أجراس الكنيسة الأرمنية في القاهرة لتذكر العالم بالجريمة البشعة التي حدثت منذ 108عام على يد الجيوش العثمانية، يصطف الحضور وقوفا إجلالاً للذكرى، ويقوم الآباء الكهنة بالترتيل باللغة الأرمنية الممزوجة بالألحان الحزينة التي تملاً المكان، وتتفحص عيون الحاضرين ما بين شيوخ وعجائز أصروا على الحضور إلى براعم وفتيات ينتصبن في وقفة عسكرية ويرتدين شارة الكشافة الأرمينية، ويصر جميعهم على استرداد حقوق الآباء والأجداد ممن ذبحوا دون جريمة أقترفوها سوى التثبث بوطنهم.
"من قام بالمذابح لابد أن يدفع الثمن" بتلك الكلمات بدأ مطران الأرمن الأرثوذكس في مصر وعموم أفريقيا آشود مناتساكانيان، حديثه عن الذكرى الـ 108 للمذابح الأرمنية، مبينا أنه يجب لنظر إلى أهمية المذابح لا إلى أنها حدثت منذ فترة طويلة، لأنه إذا لم تتخذ أي إجراءات أو خطوات للأمام ستكرر المذابح مرة أخرى ولن يدفع أحد الثمن.
وأكد مناتساكانيان في تصريح لوكالة فرات، أن هذا لا يتعلق فقط بمذابح الأرمن فأي قومية تعيش على أرض ما لها الحق أن تعيش على هذه الأرض بأمان وسلام وأن تبني ذاتها، ولا يحق لأحد أن يدخل ويعرقل تطور تلك القومية، والأتراك العثمانيين أخذو الدولة والبلد وذبحوا 1.5 مليون أرمني، ومع ذكر المذبحة كل مرة ندين المذابح بشكل عام وليس مذابح الأرمن فقط.
ووصف مطران الأرمن الأرثوذكس، المذابح بأنها آلام الشعب الأرميني الداخلية، مشيرا إلى أن الشعب الأرميني استمر وناضل ضد المذابح، وقام بكل مجهوداته للحفاظ على أرمينيا الشرقية والتي حصلت على استقلالها وأصبحت دولة أرمينيا المستقلة وجزء ناغورني كاراباخ، ولكن لا تزال أذربيجان تستمر في خطتها ضد هذا الجزء الصغير المتبقى يريدون أن يأخذوه من الأرمن.
وأوضح مناتساكانيان، أنه لم يأت حق الأرمن بعد رغم مرور كل تلك السنوات، ويجب على الحكومة التركية الحالية أن تعتمد وتقر بواقع المذابح وتقدم كل ما يفيد ذلك، ولكنها تنكر أن تلك المذابح التي قامت من الأساس، وهذا كله من ميراثها العثماني.
وأردف، أنه بعد أن تصدى الأرمن لتركيا في أرمينيا حالوا أن ينزعوهم من شتى دول العالم، وأي مظاهر ثقافية حاولوا أن يمحوها ولكن الأرمن لم ينجحوا فقط في التعايش مع واقعهم الجديد ولكن احتفظوا بالهوية واللغة والثقافة، وظواهر الحياة الإجتماعية، وواجبهم أن يورثون كل هذا للأجيال القادمة لأن بتوارث الأجيال المسألة تستمر.
وأشار المطران أن جرائم ناغورني كاراباخ، تؤكد أن نفس الشعب يتعامل بنفس الطريقة من نفس الدولة، مما يدل على وجود مخطط ويتم تنفيذه من القدم وحتى الآن خطوة بخطوة.
وأختتم المطران حديثه قائلاً: "دورنا أن نرفع صوتنا ونوضح للعالم، ولا تزال المذابح مستمرة ولطالما هناك بشر تموت، ولا تزال دول تؤخذ بالقوة وتغتصب من شعبها".
كشف د. ارمين مظلوميان، رئيس الهيئة الوطنية الأرمنية في مصر، أنه اليوم، لا نحتاج إلى الحديث طويلاً عما حدث من ١٠٨ سنوات. العالم كله يدرك الإبادة الجماعية وعواقبها، وكثير من الدول والمنظمات الدولية ادانت ما حدث للأرمن من أجل الإنسانية، والشهادات في كل مكان تصرخ "العدالة".
وأكد مظلوميان في تصريح لوكالة فرات، أنه لسوء الحظ، الإبادة الجماعية ضد الارمن مرت دون عقاب الجاني وأدى ذلك إلى ظهور إبداعات شنيعة في الإنكار. لم تتوقف الإبادة الجماعية في عام 1915 انما استمرت بسبب إنكار الجاني وانعدام العدالة، واليوم، وبنفس الاتساق، يمكننا القول إن التهديد بتكرار الإبادة الجماعية للأرمن هو حقيقة يومية في الحياة الأرمينية، لذلك نطالب بالعدالة ومحاسبة الجاني لمنع إبادات أخرى لشعوب أخرى.
وأضاف رئيس الهيئة الوطنية الأرمينية، أن الحقائق التي لا يمكن إنكارها وشهادات شهود العيان، يؤكدون أن الشعب الأرميني تذوق مرارة المعاناة، لكنه لم نشعر بالمرارة أبدا، لقد أصبح ضحية أفظع الشرور، لكنه لم يكن شريرا أبدا، قائلاً: "بفضل فضائلنا، نحن قادرون على التشبث بالحياة، الخير والسمو، نحن قادرون على العيش والإبداع".
بينما كشف المهندس بورج هالاجيان، عضو المجلس الملي للطائفة الأرمينية، أن حقوق الأرمن لا تزال تحتاج لمجهود كبير لإعادتها، بعد المذبحة الأرمينية عام 1915 والتي راح ضحيتها مليون ونصف أرمني في الأناضول من البطش العثماني، مشيرا إلى أن كان أحدهم والده وهو طفل نجا من المذبحة ولم يكن يعرف أنه الناجي الوحيد من أهله، ولم يكن يعرف أين والده ووالدته وأقاربه، ذهب بعد المذبحة لملجئ سوري ثم إلى لبنان ومنها إلى مصر وكانت مستقره الأخير، وحاليا يوجد على أرض مصر الجيل الرابع من الأرمن.
وأكد هالاجيان في تصريح لوكالة فرات، أن ما يحدث الآن من أذربيجان تجاه أرمينيا نفس الشكل ونفس النمط للمذابح القديمة، والتي تعتبر نفس السياسة العثمانية القديمة يستكملها كلاً من الأتراك والآذريين، ورغم ذلك الغرب والأمم المتحدة يقفان موقف المتفرج، وتصدر كلها قرارات دون أي تنفيذ، ولكن يوجد جيل جديد في الكنيسة الأرمينية يعبر عن أن تتبع طلب حقوق الأرمن لن يتوقف وسيظل مستمرا.
بينما كشف سيمون شنقرتيتان، رئيس مدرسة كالودسديان نوباريان الأرمينية في مصر، أن ذكرى المذبحة تعد يوماً حزيناً في حياة الأرمن في شتى بقاع العالم، وهم يحيون تلك الذكرى منذ عام 1915، على امل أن يعترف العالم بالمذابح التي قامت بها الإمبراطورية العثمانية والتي هي تركيا حاليا، مبينا أنه لا يوجد فرق بين ممارسات تركيا الحالية والدولة العثمانية حيث يرتكب الإثنين نفس الإنتهاكات.
وأكد شنقرتيتان، أنهم في المدارس والنوادي والكنيسة يغرسون في الأطفال موضوع المذابح وكل القيم الأرمينية الموجودة فلن تجد طفلاً لا يعرف الموضوع أو ينساه، مبينا أن المذابح إذا حدثت في الوضع الراهن كان الوضع سيكون مختلفا مع السوشيال ميديا ولكن في عام 1915، ولم تكشف تلك المجازر الرهيبة إلا عبر ما نشره بعض الصحفيين عنها، والتي بدأت بشكل فعلي منذ عام 1800م.
وأوضح مدير مدرسة كالودسديان نوباريان الأرمينية في مصر، أنه لا يوجد شيئ عاد، ولكن الدول الكبرى لم تفعل شيئ وخاصة أن تركيا عضو في حلف شمال الأطلسي ولها علاقات قوية مع أمريكا ولطالما لا توجد مصلحة مع الدولة الأرمينية توجد صعوبة في استرجاع الحقوق.
وأردف، أن أذربيجان جزء لا يتجزأ من تركيا والجرائم التي حدثت في ناغورني كاراباخ كانت بمساعدة تركيا مباشرة، وهي محاولة إبادة جديدة ولكن لن ينجحوا بها لأن الوضع اختلف عما كان عليه في عام 1915.
"لطالما نعيش سنطالب بحقنا" بتلك الكلمات استهل كيفورك كازنجيان، الأستاذ بكلية الأداب جامعة القاهرة، والمدير الأكاديمي لمدرسة كالودسديان نوباريان الأرمينية في مصر، مبينا أنه وبعد 108 عام أصبحت المطالبة بمحاسبة مرتكبي المذابح الأرمينية تساوي الهوية الأرمينية، ولا يدين الأرمن فقط الحكومة العثمانية التي حدثت في عصرها المذابح ولكن الحكومة الحالية التي ورثت هذا الإرث، بمساوئه أو محاسنه ويجب أن تدفع الثمن، وعدم المطالبة بحقوق الأرمن يعني محو التاريخ والهوية الأرمينية في العالم.
وأكد أن الأعتراف بالمذابح الأرمينية لن يجر مشاكل لتركيا فقط ولكن سيفتح الباب لإدانة مذابح أخرى وهو ما ليس في مصلحة بعض الدول لأنها ساهمت في مذابح مماثلة إن لم تشترك في مذابح الأرمن، ولذلك فإن مذابح الأرمن أصبحت رمزاً لأي مذابح تتم ضد الإنسانية عموما.
وأضاف أن التخطيط ما زال مستمرا، خاصة مع وجود أجزاء كثيرة محتلة من الوطن الأرميني ولكن الشتات الأرميني حول العالم يحاول الحفاظ على التاريخ والثقافة الأرمينية وكنائسه ومدارسة واللغة الأرمينية لأنه مع موت لغة الهوية يضيع كل شيئ.