لكن الأمر يتعلق بما هو أبعد من مجرد قضية يربحها العراق في مواجهة النظام التركي، لأن مكسب العراق للقضية كشف مجددا عن أطماع رجب طيب أردوغان في ثروات العراق وسوريا وخصوصا النفط، فإما يحصل عليه باتفاقات قانونية يمكن القول إنها "تبرم من تحت الترابيزة"، أو من خلال جماعات إرهابية كما حدث مع تنظيم "داعش" الإرهابي.
"أردوغان" يعتبر سوريا والعراق أراض عثمانية
في هذا السياق، يقول الدكتور رائد العزاوي رئيس مركز الأمصار العراقي للدراسات، في تصريحات لوكالة فرات للأنباء، إن تركيا بكل تأكيد في عهد رجب طيب أردوغان تعتقد أن أراضي سوريا ولبنان والعراق مجرد أراض تابعة للإمبراطورية العثمانية.
وأضاف أن هذه القناعة التي رسخها حزب العدالة والتنمية والرئيس التركي هي من دفعت "أنقرة" للأسف الشديد إلى التدخل في العراق وسوريا، كما تعتقد تركيا أنه في أي وقت من الأوقات يمكنها السيطرة على الدولتين على اعتبار أن العراق وسوريا كانتا تابعتين للدولة العثمانية.
ولفت "العزاوي" إلى أن الأوضاع الداخلية في الدولتين سواء الخلافات السياسية أو التنظيمات الإرهابية والاضطرابات كلها عوامل ساعدت تركيا على التدخل في شؤونهما، مضيفا: "أما عن قرار القضاء الدولي بوقف نقل النفط العراقي عبر ميناء جيهان التركي، فإنه يشكل مكسبا كبيرا للحكومة العراقية".
وأشار مدير مركز الأمصار العراقي إلى أن تركيا تلعب دورا كبيرا فيما يتعلق بالنفط، من ذلك أنها ساعدت إيران على الإفلات من العقوبات الدولية من خلال شراء النفط المهرب، أيضا "أنقرة" كانت تشتري النفط الذي يهربه تنظيم "داعش" الإرهابي.
العلاقات بين عائلة البرزاني وأردوغان
وتحدث رئيس مركز الأمصار عن طبيعة العلاقة بين حكام إقليم كردستان من عائلة البرزاني والرئيس التركي أردوغان، وقال إن هناك برغماتية تركية في التعامل مع كرد العراق وتحديدا مع عائلة البرزاني.
وأوضح أن هذه البرغماتية تتيح للرئيس التركي وحزبه أن يتقبل وجود حكومة يقودها الكرد في شمال العراق ويتعامل معها مقابل الامتيازات التي يحصل عليها، وفي نفس الوقت تتيح له القيام بعملية عسكرية واسعة ضد الكرد في شمال العراق وسوريا، بل وحتى الكرد داخل تركيا يعانون من سطوة الحكومة التركية.
وفي ختام تصريحاته لوكالة فرات، قال "ألعزاوي" إن هذا التعامل من قبل "أردوغان" مع عائلة البرزاني، أو هذه البرغماتية ساعدت الرئيس التركي على الاستفادة من الكرد في العراق.
تفاصيل القضية العراقية ضد تركيا
وبدأت قضية العراق ضد تركيا عام 2014، حيث اتهمت بغداد أنقرة بانتهاك الاتفاقية المشتركة الموقعة بين البلدين من خلال سماحها لحكومة إقليم كردستان بتصدير النفط عبر خط الأنابيب لميناء جيهان التركي، معتبرة أن تلك الصادرات غير قانونية.
وأُنشئ خط أنابيب العراق - تركيا بموجب اتفاق ثنائي بين البلدين وقد تم تطويره لكي يتمكن العراق من تصدير أكثر من مليون برميلٍ من النفط الخام يومياً إلى منطقة المتوسط عبر ميناء جيهان التركي.
وربما لن يتوقف الأمر عند مجرد الحكم الأولي ووقف العمل بآلية نقل نفط كردستان بالشكل الحالي، وإنما ربما يتطور الأمر إلى مطالبات من بغداد بتعويضات تركية في جلسات إضافية عبر غرفة التجارة الدولية.
تحركات "أردوغان" لسرقة نفط سوريا والعراق لا تتوقف
بدوره، يقول محمود الشناوي مدير تحرير وكالة أنباء الشرق الأوسط المصرية إن محاولات الرئيس التركي أردوغان لسرقة ثروات الشعوب لا تتوقف عند حدود المحيط الإقليمي له سواء سوريا والعراق، وإنما امتدت لمناطق بعيدة عنه مثل ليبيا وجيبوتي والصومال واليمن.
وأضاف "الشناوي"، في تصريحات لوكالة فرات للأنباء، إن هذه المحاولات التي لا تتوقف من قبل النظام التركي للسيطرة على ثروات الدول دفع بعض الدول الأوروبية مثل روسيا إلى فضح هذه التحركات، من ذلك ما أفصحت عنه وزارة الدفاع الروسية في أكثر من مرة بأن الرئيس التركي يتاجر في النفط غير المشروع وبأسعار بخسة مع التنظيمات الإرهابية وعلى رأسها "داعش" في سوريا.
وذكر مدير تحرير وكالة أنباء الشرق الأوسط أن وزارة النفط الليبية كانت بدورها تحدثت عن السرقة الممنهجة من قبل النظام التركي للبترول الليبي، مشيرا إلى إن ما يقوم به النظام التركي سببه الأوضاع الاقتصادية الصعبة في تركيا نتيجة المغامرات التي لا تتوقف للرئيس التركي وامتداد ذراعه العسكرية لأماكن بعيدة عنه، وبالتالي يحاول تعويض ذلك من خلال الاستيلاء على ثروات تلك الدول.
وقال "الشناوي" إن الرئيس التركي دائما يحاول أن يضفي صبغة قانونية على الأنشطة الإجرامية التي يقوم بها لسرقة ثروات الشعوب، وقد فعل ذلك مع حكومات ليبيا وحكومة كردستان العراق، والأخيرة دفعت الحكومة العراقية لرفع دعوى قضائية وتفوز بها، إذ أن إدارة النفط جزء من اختصاصات الحكومة الفيدرالية.
أحلام استعادة الإمبراطورية العثمانية
وأضاف أنه بالنسبة لسوريا لم يلجأ الرئيس التركي إلى مسألة الاتفاقات، نظرا لهشاشة الوضع في سوريا وتداخل الأطراف والقوى الدولية وحالة السيولة التي تشهدها الساحة السورية وتشابك المصالح، ما أدى إلى أن تطلب "أنقرة" من روسيا رسميا أن تشاركها في إدارة بعض مناطق النفط في سوريا مثل "دير الزور" بعد انهيار التنظيمات الإرهابية التي كانت تتاجر معها في النفط.
وأكد "الشناوي" أن هذه المطامع من قبل "أردوغان" جزء من أحلام استعادة الإمبراطورية العثمانية التي يحلم بها أو "العثمانية الجديدة"، بعد انتهاء عهد اتفاقيات سيفر ولوزان، فيحاول أن يكون لديه فائض في القوة الاقتصادية ليعيد السيطرة على كل ما تستطيع الذراع العسكرية التركية الوصول إليه.