الشرق الأوسط: السؤال المرعب متى سيضرب زلزال إسطنبول؟
دقت كارثة زلزالي 6 فبراير (شباط) المنصرم، التي ضربت 11 ولاية في جنوب وشرق وجنوب شرقي تركيا، وخلفت أكثر من 44 ألف قتيل،
دقت كارثة زلزالي 6 فبراير (شباط) المنصرم، التي ضربت 11 ولاية في جنوب وشرق وجنوب شرقي تركيا، وخلفت أكثر من 44 ألف قتيل،
فضلاً عن تدمير مئات الآلاف من المباني في المنطقة التي يقطنها 14 مليون نسمة، ناقوس الخطر بشدة، وعمقت من المخاوف بشأن زلزال مدمر جرى الحديث عنه لأكثر من عقد من الزمن، في إسطنبول وإن كان علماء الجيولوجيا والزلازل يرفضون تسميته «زلزال إسطنبول» لأنه حال حدوثه سيضرب منطقة مرمرة على غرار الزلزال الكبير الذي وقع فيها في أغسطس (آب) عام 1999 وكان مركزه بلدة غولجوك التابعة لولاية كوجا إيلي في شمال غربي البلاد.
طال ذلك الزلزال المدمر، الذي خلَّف أكثر من 17 ألف قتيل، مدينة إسطنبول في ذلك الوقت، ودمر مناطق مطلة على ساحل مرمرة بأكملها. وتجدد الحديث بكثافة شديدة عن الزلزال المرتقب، الذي يتوقع أن تتراوح شدته بين 7 درجات و7.5 درجة على مقياس ريختر بعد وقوع زلزالي 6 فبراير.
فتحت الكارثة أيضاً الحديث عن خريطة المناطق المعرضة للزلازل في تركيا وعن معايير البناء وإعادة إعمار المناطق المنكوبة، فضلاً عن بدء إجراءات قانونية ضد المقاولين والمتورطين في مخالفات البناء.
ومع حالة الهلع الشديد، التي انتابت سكان إسطنبول، البالغ عددهم 16 مليوناً، تحركت بلديتها على الفور لإجراء عمليات المسح الضوئي للمباني، وعمليات هدم وإعادة بناء للمباني التي يعود تاريخها إلى ما قبل عام 1999. والتي افتقدت معايير مقاومة الزلازل، في تصعيد لتحرك بدأته منذ عام 2019 للتوعية بخطر الزلزال والاستعداد له. كما تحركت ولاية إسطنبول وقامت بإغلاق 93 مدرسة وعدد من المستشفيات لأن مبانيها قديمة ولن تتحمل أي زلزال قادم.
وأدلى وزير البيئة والتحضر وتغير المناخ، مراد كوروم، بتصريح لافت، الثلاثاء، ومهم بشأن مبانٍ في إسطنبول تشكل خطراً في حال حدوث الزلزال المحتمل في مرمرة. وقال كوروم: «سننقل 1.5 مليون مسكن محفوف بالمخاطر في إسطنبول إلى منطقتين محميتين حددناهما في الشطرين الأوروبي والآسيوي للمدينة».
ويقول خبراء لـ«الشرق الأوسط»، إن الزلازل المحتمل سيدمر 25 في المائة من المباني الخطرة في إسطنبول، وأنه ستكون هناك صورة مؤلمة للغاية في حال حدوثه، ولذلك بدأت بلدية إسطنبول بتحليل متانة المباني، واستقبلت نحو 80 ألف طلب بعد زلزال كهرمان ماراش.
التسمية الصحيحة
بداية، رفض الأستاذ في «مركز تطبيقات وبحوث هندسة الزلازل» بجامعة غازي في أنقرة، الدكتور بولنت أوزمان الربط بين زلزالي 6 فبراير والزلزال المحتمل في منطقة مرمرة، الذي درجت وسائل الإعلام على تسميته «زلزال إسطنبول»، مشيراً إلى أنه «من غير المحتمل أن يتسبب الزلزال الذي يحدث في خط الصدع في شرق الأناضول في حدوث زلزال في خط مرمرة، وأن جميع الدراسات أكدت أن خطر زلزال بحر مرمرة يستمر على الدرجة نفسها، التي كان عليها قبل زلزالي 6 فبراير في كهرمان ماراش».
وأضاف أوزمان، أن تسميته «زلزال إسطنبول»، هي تسمية غير دقيقة وأن الصحيح هو تسميته «زلزال مرمرة»، لأن الزلزال سيحدث في بحر مرمرة، وسيؤثر على جميع المدن التي لها ساحل على هذا البحر، وبخاصة إسطنبول.
واتفق مدير «مرصد قنديللي للزلازل» بجامعة بوغازيتشي في إسطنبول، الدكتور دوغان كالافات، مع هذا الرأي، مؤكداً أن الزلزال لن يضرب إسطنبول وحدها، بل سيضرب منطقة مرمرة، التي يبلغ عدد سكان الولايات فيها نحو 25 مليون نسمة، منهم 16 مليوناً في إسطنبول وحدها.
أما عن الموعد المحتمل لوقوع الزلزال، فقال كالافات، إن احتمال وقوع الزلزال، الذي ستبلغ قوته 7 درجات بحلول عام 2030 هو 64 في المائة، واحتمال حدوثه في الخمسين سنة القادمة 75 في المائة، ونسبة احتمال حدوثه بحلول عام 2120 تبلغ 95 في المائة.
ورأى كالافات أن الأخبار المتواترة عن الزلزال وتسميته بزلزال إسطنبول تضر بالحياة الاجتماعية والاقتصادية أكثر من الزلزال نفسه، «وما نريد القيام به أولاً هو نشر الوعي بالكوارث في المجتمع وتقليل الأضرار المحتملة للزلزال».
وتابع، أنه «من المهم جداً ضمان تشييد المباني وفق المواصفات الهندسية التي تجعلها أكثر مقاومة للزلازل وتقلل الخسائر في الأرواح»، مشيراً إلى أن إسطنبول برزت مرة أخرى بعد زلزالي 6 فبراير بعد أن حفرت اسمها كموطن للزلازل بسبب الزلازل التي شهدتها في السنوات 447 - 542 - 1296 - 1509 - 1719 - 1766 - 1894 - 1912 - 1935 - 1963 - 1999.
معايير البناء
كارثة الزلزال الأخيرة فتحت الباب أيضاً أمام التساؤلات حول «معايير وقوانين البناء» ومدى تطبيقها في تركيا، لا سيما بعد أن وضعت لائحة تعنى بهذه الأمور عقب زلزال 1999.
يقول عضو هيئة التدريس في جامعة يلدز التقنية في إسطنبول، الدكتور مراد سردار كيرشيل، إن المبنى المقاوم للزلازل هو في الواقع المبني، المصمم وفقاً للقواعد المحددة في قانون الزلازل الحالي، فلدينا تصميم زلزال يقوم على افتراض حدوث الزلزال بنسبة 10 في المائة خلال 50 عاماً، وهذا يمثل خطراً معيناً، بمعنى أنهم يفترضون أن العمر الاقتصادي للسكن أو محل العمل هو 50 عاماً، ويتم إعداد اللوائح وفقاً لذلك.
وأضاف: «إننا نعتمد على احتمال مواجهة حمولة زلزال أكبر من حمولة الزلزال، التي نبني عليها تصميمنا، أي أنه بعبارة أخرى، ستتعرض المباني لحمل زلزال أصغر من حمل الزلازل التي نأخذها في الاعتبار عند التصميم بنسبة 90 في المائة، وتنص اللائحة على وجوب تنفيذ المبنى، وفقاً لهذا التصميم حتى يسمى مبنى مقاوم للزلازل».
واضح، أنه من خلال هذا التصميم «يكون من المتوقع أن ينجو المبنى من الزلازل المعتدلة التي قد يتعرض لها بشكل متكرر، دون أضرار أو بأضرار خفيفة لا تذكر، ومن المتوقع أن ينجو من الزلازل الشديدة بمستوى ضرر قابل للإصلاح، حتى لو كان الزلزال الشديد سيحدث أو سيتصادف أن يحدث مرة واحدة في العمر الاقتصادي للمبنى (50 عاماً)، وفي هذه الحالة حتى لو تضررت المباني إلى درجة لا يمكن معها استخدامها، فإنها لا تنهار، إذ لا يتوقع أن ينجو المبنى المقاوم للزلزال من مثل هذه الزلازل الشديدة دون أن يتضرر بأي شكل من الأشكال، لكن احتمال انهيار مبنى مصمم وفقاً للوائح الحالية يبقى منخفضاً للغاية».
وأشار كيرشيل، إلى أنه «يمكن إقامة المباني على كل أرض، أو على خطوط الصدع، لكن من المهم مراعاة كل هذه المخاطر والتخطيط وفقاً لذلك قبل التصميم»، موضحاً أن «النقطة التي وصلت إليها تكنولوجيا البناء اليوم، تسمح ببناء جميع أنواع المباني في كل مكان، ولا يوجد عائق أمام ذلك».
ونبَّه، إلى «أن هناك قصوراً في الإشراف على المشاريع والتصاميم، لا يمكننا القول بعدم وجودها تماماً، لكن المشاكل التي نواجهها حالياً نابعة من أن المباني لا يصممها مهندسون، وفي الواقع، نصيبهم في هذا هو الأقل».
وبصرف النظر عن ذلك، من المهم استخدام مواد بناء ذات جودة مناسبة أثناء التنفيذ في الموقع، والتحكم في كل هذه الأشياء، فإذا كانت جودة المواد أقل من الطبيعي تكون هناك مشكلة، مشيراً إلى أن «هذه النواقص تكون عن وعي في بعض الأحيان، وأحياناً تكون ناجمة عن الجهل بالمعايير وأسس البناء».
تجديد المخزون
وأكدت «جامعة إسطنبول التقنية» في تقرير أولي أعدته حول زلزالي 6 فبراير، الحاجة إلى تجديد مخزون البناء القديم والضعيف، مشيرة إلى أنه «لوحظ في مناطق مثل هطاي وأديامان وكهرمان ماراش، أن المباني انهارت في وضع مائل عن طريق غرقها في الأرض بسبب التربة، وتأثير التميع».
وأضاف: «الأسباب الأكثر وضوحاً لانهيار تلك المباني، كانت لأنها لم تبنَ وفق المعايير، إلى جانب عيوب أخرى في البناء ومستويات الطوابق المختلفة للمباني المقامة بالترتيب المجاور في ولايتي كهرمان ماراش وأديامان، حيث لوحظ أن الطوابق الأولى من المباني في حالة دمار كلي أو جزئي، وانهيار جميع الطوابق على شكل شطائر فوق بعضها بعضاً».
كما اتضح، «أن جميع الهياكل، مثل المباني الخرسانية المسلحة، والمستشفيات وبعض المباني العامة، التي تم إنشاؤها وفقاً لمعايير لائحة الزلزال يمكن أن تصاب بأضرار محدودة للغاية».
ولفت التقرير إلى أن «هناك العديد من العوامل الفعالة في تدمير المباني المنهارة، منها عمر المباني، وضعف قدرة الأراضي التي وضعت عليها الأساسات على التحمل، وجودة المواد المستخدمة في البناء، وأبعاد المقطع العرضي للمبنى، والأعمدة والعوارض ومقدار التعزيز، وعدم البناء وفقاً للوائح المعمول بها في سنوات إنشاء المباني».
وأكد أحمد يلديز تورون، أحد المهندسين المدنيين الذي شارك في فحص 500 مبنى في هطاي لـ«الشرق الأوسط»، أن العيوب التي تسببت في الدمار «كانت إما بسبب عمود ضعيف، أو استخدام حديد مسطح، أو أضرار للعناصر الحاملة، أو التقسيم غير الملائم، أو التباعد غير المناسب للأعمدة وعدم ربط الأعمدة بالعوارض أو الأرضية اللينة أو تسييل التربة، واستخدام مواد غير جيدة مثل رمل البحر الخشن، وهي أخطاء فادحة ومتكررة».
ولفت إلى «أن المشكلة الأكثر شيوعاً كانت رداءة نوعية الخرسانة، أي أنها لم تكن تتمتع بالقوة المطلوبة، وأن التعزيزات كالحديد لم تكن بالقطر والهيكل المطلوبين».
محاسبة الجميع
وألقت السلطات التركية القبض على 203 من المقاولين الذين انهارت مبان كانوا مسؤولين عن إنشائها في الولايات المنكوبة، منهم رئيس بلدية نورداغي في غازي عنتاب، أككوش كاواك، المنتمي إلى حزب «العدالة والتنمية» الحاكم، الذي شيد مبنيين انهارا في الزلزال، حيث يملك شركة مقاولات بالشراكة مع مقاول آخر، قبض عليه أيضاً، وكان عضواً في مجلس البلدية.
وقال كاواك إنه تنازل عن حصته في الشركة لشقيقه بعد أن أصبح رئيساً للبلدية، وتبين أن جميع المباني التي أقامتها الشركة لم تتم مراجعتها من قبل البلدية للتأكد من سلامتها.
وقال رئيس بلدية هطاي، لطفي صاواش، إنه يعد تقريراً عن المباني التي دمرت في الزلازل سيعلنه خلال أقل من شهر، مؤكداً أن البلديات لا تتحمل كل المسؤولية، فهناك 4 مكونات في تشييد المباني ويجب أن تكون المحاسبة للجميع.
وأضاف أن «البلدية ليست المكون الوحيد، هناك شركات مقاولات، وشركات تفتيش على المباني، والبلدية والحكومة، هناك مقاولون وشركات مقاولات لديهم رسم المشاريع يحضرون المشروع إلى البلدية وتفحصه، وتمنح الترخيص، وتصدر وزارة البيئة والتحضر رخصة فحص البناء. ويقوم المقاول وشركة التفتيش بالتشييد معاً. شركة التفتيش هي الضامن لهذا العمل».