اعادة تشكيل السياسة اللبنانية/ 1

لا شك بان التغيرات التي خضع لها المشهد السياسي اللبناني نتيجة الانتخابات النيابية الاخيرة سيكون لها تاثيرات جمة بعضها قد يظهر بشكل فوري.

 ان نتائج الانتخابات اللبنانية لم تكن متوقعة على الاطلاق، حيث لم يكن احد يتصور بان يتم اختراق الكتل السياسية التقليدية والاطاحة ببعض الرموز الكبيرة التي كانت تعتبر خطوطا حمراء لا يمكن المساس بها، كالامير طلال ارسلان ونائب المجلس النيابي ايلي الفرزلي والقيادي في الحزب القومي الاجتماعي اسعد حردان، والاهم من كل هذا اختراق لوائح تنظيمات سياسية كبيرة من قبل ناشطين مدنيين وثوار 17 تشرين وهو امر كان حتى عشية اقفال صناديق الاقتراع مستبعدا تماما.

الشارع السياسي في لبنان كان مقوسما بين تياري الرابع عشر والثامن من اذار، ومؤخرا شهد تيار 14 اذار تشرذما مما فرض هيمنة حزب الله بشكل واسع على القرار السياسي الداخلي، بسبب السيطرة على الحكومة والمجلس النيابي بالاضافة طبعا الى الرئاسة الاولى، وهذا الامر ربما ما دفع بالكثير من المحللين الى استبعاد تغيير المشهد السياسي ولو بشكل جزئي.

الانتخابات افرزت تيارا سياسيا جديدا وهو تيار التغيير الذي استطاع الحصول على 15 مقعدا نيابيا موزعين على جميع الدوائر الانتخابية من الحدود الشمالية حتى الجنوبية والبقاع وبيروت والجبل، وهذا لم يكن بحسابات التيارات السياسية الاساسية كحزب الله وحركة امل والتيار الوطني الحر وحزب القوات اللبنانية والحزب التقدمي الاشتراكي، مما يفرض واقعا لا يمكن الاغفال عنه باعتباره بداية التغيير الحقيقي للواقع اللبناني البعيد عن المحاصصة السياسية الطائفية، فالتغيريون ينتمون الى كل الطوائف بطريقة مدنية خالصة بعيدة عن الاصطفاف الطائفي، وان استمر عملهم في المجلس النيابي بشكل مستقر وناجح فانهم سيشكلون المجلس النيابي القادم وباكتساح كبير.

الاحزاب التقليدية هزمت في عقر دارها، حتى لو كانت الهزيمة عبارة عن اختراقات تعتبر محدودة الا ان الاختراق بحد ذاته يعتبر تهديدا مستقبليا، علما ان الاختراقات حصلت في مناطق تعتبر قلاعا حصينة كمنطقة المتن وبشري والجنوب والبقاع، علما ان اكثر الاختراقات اهمية كانت في بشري حيث خسرت القوات اللبنانية نائبا في عقر دارها وهو ما يعني تغيرات كبيرة حصلت على التمثيل المسيحي الذي بات موزعا بين اطراف عديدة لا يمكن لاي احد السيطرة عليها.

فالمجلس النيابي الجديد بات حاليا منقسما بين تيار حزب الله وحلفائه، ومجموعة التغيير، وحزب القوات اللبنانية، والحزب الاشتراكي بالاضافة الى نواب مستقلون وبعضهم كان عضوا بتيار المستقبل، اي انه لا يوجد غالبية نيابية على الاطلاق مما يفرض تحالفات جديدة لتامين الغالبية النيابية التي تستطيع التصويت لانتخاب رئيس جديد للمجلس النيابي بالاضافة الى التحكم بقرارات المجلس خلال الفترة المقبلة.

ولا بد من الاشارة وبصدق نابع عن الامانة المهنية، فان الفترة المقبلة ستشهد تحالفا غريب جدا لتفرز واقعا جديدا مغاير للمشهد السياسي اللبناني، فالقوات اللبنانية وحتى ان حازت على التمثيل المسيحي الاكبر الا ان التيار الوطني الحر يتخلف عنه بصوتين فقط، مما يجعله (اي التيار الوطني) ورقة رابحة بيد حزب الله الذي يسعى الى لم شتاته بعد الضربات التي تلقاها، اما تيار التغيير فلا مجال امامه الا التحالف مع من اعتبرهم في وقت سابق من السلطة التي دمرت البلد كحزب القوات والحزب التقدمي الاشتراكي لتشكيل قوة ضاربة داخل المجلس النيابي، والمعركة الكبرى ستكون للحصول على اصوات المستقلين كاسامة سعد والدكتور عبد الرحمن البزري ومن فازوا في دوائر بيروت والمتن وخاصة حزب الكتائب، لكن الوقائع تشير وبحسب مصادر موثوقة فان سعد والبزري والكتائب قد ينضمون لمجموعة التغيير

لتشكيل كتلة نيابية لمواجهة حزب الله في المجلس النيابي، وربما تنضم اليهم القوات اللبنانية لكن يبقى الحزب التقدمي الاشتراكي ومن خلال تمثيله بتسعة نواب وفيا لصديقه المقرب نبيه بري، لذا فان التحالفات النيابية انتهت وبدأت مرحلة التحالفات الجديدة او بمعنى اصح التحالفات الحقيقية.