الإمارات وتركيا.. كواليس الصراع الخفي على الأراضي السورية
يبدو أن العلاقات بين الإمارات وتركيا في مرحلة توتر مكتوم، على خلفية نفوذ أنقرة المفتوح في الأراضي السورية، حتى لو لم يأخذ هذا التوتر طابعاً علنياً بين البلدين.
يبدو أن العلاقات بين الإمارات وتركيا في مرحلة توتر مكتوم، على خلفية نفوذ أنقرة المفتوح في الأراضي السورية، حتى لو لم يأخذ هذا التوتر طابعاً علنياً بين البلدين.
بالوقوف عند العلاقات الإماراتية – التركية فإنها شهدت على مدار السنوات الماضية تطورات دراماتيكية، وصلت في بعض الأحيان إلى تلاسن علني أقرب إلى الشتائم بين الدولتين، في خلافات ارتبطت بكثير من الملفات، لا سيما وأن تعقيدات الشرق الأوسط تتصاعد يوماً تلو الآخر، لتكون سوريا إحدى ساحات المواجهة بين أبو ظبي وأنقرة.
ويشكل الدعم التركي لتيارات الإسلام السياسي في المنطقة "مربط الفرس" فيما يتعلق بالتوترات التركية – الإماراتية، خاصة وأن تلك التيارات لا تتوقف عن محاولات زعزعة استقرار دول الخليج وعلى رأسهم الإمارات، إلى جانب الصراع الجيوسياسي على الزعامة والنفوذ، من ذلك في سوريا، وما يرتبط بذلك من ملفات منها إعادة الإعمار في الأراضي السورية ومن يظفر بهذا الملف.
أبعاد اقتصادية وسياسية
يقول محمد صابر الباحث السياسي بمركز آتون للدراسات السياسية، في تصريحات لوكالة فرات للأنباء (ANF)، إن موقف الإمارات يأتي متسقاً مع كثير من مواقف الدول العربية التي لديها بواعث قلق كبيرة تجاه النفوذ التركي داخل الأراضي السورية، وعمل أنقرة على توسيعه لا سيما وأن هناك انتشاراً لقوات تركية.
ويرى "صابر" أن الإمارات كدولة لديها تحفظات على مستوى التعامل مع الإدارة التابعة لهيئة تحرير الشام، ربما لا يكون لديها مشاكل مع أبو محمد الجولاني بقدر ما أن مشكلتها الرئيسية ترتبط بالنفوذ التركي، ومن ثم فإن الأمور يمكن أن تتغير في علاقة أبو ظبي مع الهيئة إذ تقلص النفوذ التركي.
ويقول الباحث السياسي إن الإمارات تسعى إلى أن تكون اللاعب الاقتصادي الرئيسي في إعادة إعمار سوريا، بينما تسعى تركيا في المقابل إلى فرض نفوذ تجاري بسوريا، وبالتالي فأي اتفاق بين دمشق وأنقرة على المستوى الاقتصادي يقلص الدور الإماراتي، مطالباً الإدارة التابعة لهيئة تحرير الشام باتخاذ موقف متوازن كي تقلل حدة هذا التوتر الإقليمي.
الأمر أبعد من سوريا
وقبل سقوط حكومة بشار الأسد في 8 ديسمبر/كانون الثاني الماضي كانت العلاقات بين أبو ظبي ودمشق في أفضل مراحلها، فقد كانت الإمارات من أوائل الدول العربية المسارعة إلى فتح علاقات مع هذا النظام وإعادة فتح السفارات، بل واستقبلت الأسد، ويبدو أنها كانت ستلعب دوراً حيوياً في ملف إعادة الإعمار، وهو ما يعود ربما في جزء منه إلى الصراع الكبير بين الإماراتيين والأتراك.
ولعل هذا التوتر بين أنقرة وأبو ظبي يشبه بدرجة كبيرة ما يجري بينهما في ليبيا، حيث دعمت الأولى قوات الجيش الوطني الليبي بقيادة الجنرال خليفة حفتر، في المقابل دعمت الثانية حكومة طرابلس في الغرب الليبي، المرتبطة بتنظيمات الإسلام السياسي والتي تناصب الإمارات العداء، وأبرم الرئيس التركي معها اتفاقات أمنية واقتصادية كانت مثيرة للجدل.
عدم ثقة في النظام التركي
يقول الدكتور محمد اليمني الخبير في العلاقات الدولية، في تصريح لوكالة فرات للأنباء (ANF)، إن أردوغان استغل سقوط نظام بشار الأسد لدعم الفصائل المسلحة وتيارات الإسلام السياسي على كافة المستويات، ما أثار قلق الإمارات التي تضع في اعتبارها التعاون المستمر بين النظام التركي وكذلك النظام القطري مع تلك التيارات، باعتبارهم أصحاب مشروع واحد.
ويؤكد "اليمني" أن الإمارات لديها تخوفات كبيرة، حتى لو كانت العلاقات الإماراتية – التركية في العلن جيدة، من تمدد النفوذ التركي بشكل كبير في الشرق الأوسط، خصوصاً أن تركيا تبدو كما لو كانت احتلت دور إيران في الأراضي السورية، مشيراً إلى أن القلق يتعلق بحالة عدم الثقة في أفكار وأطماع النظام التركي.
صعود وهبوط.. ولكن!
وتعود جذور الصراع بين تركيا والإمارات في السنوات الأخيرة إلى دعم أردوغان لجماعة الإخوان التي كانت اللاعب الرئيسي فيما عرف بـ "الربيع العربي"، حين تمت الإطاحة بعدد من الأنظمة العربية بداية من عام 2011، في وقت خططت تلك الجماعة لتكرار الأمر في الخليج، حيث يتمسك قادة مجلس التعاون بأن أي دعم للإخوان بمثابة تجاوز للخطوط الحمراء.
ثم بلغ الخلاف أوجه عام 2017 عندما اتهم أردوغان الإمارات بالوقوف وراء محاولة انقلاب عام 2016 – يقال إنها مسرحية مدبرة بمعرفة النظام لتضييق الخناق على معارضيه – لكن تحت ضغط الأوضاع الاقتصادية تراجعت أنقرة عن كثير من مواقفها، وأعادت ضبط علاقتها بأبوظبي.
لكن يبدو أننا أمام فصل جديد في سوريا من الخلاف تحسم حدته تفاهمات الفترة المقبلة، إذا وضع في الاعتبار ما ذكرته وسائل إعلام غربية من اتفاق بين أبو محمد الجولاني وأردوغان على إنشاء قواعد عسكرية تركية على الأراضي السورية، إضافة إلى عدم الارتياح الإماراتي بالأساس من التواجد العسكري التركي في الشمال السوري.