مقاتلات وحدات حماية المرأة هنّ درع حماية سد تشرين
في وسط الحرب وفي جبهة سد تشرين، تستمر مقاتلات وحدات حماية المرأة بنضالهن بشجاعة منقطعة النظير.
في وسط الحرب وفي جبهة سد تشرين، تستمر مقاتلات وحدات حماية المرأة بنضالهن بشجاعة منقطعة النظير.
لقد أصبحت المرأة الكردية رمزاً للثورة والمقاومة في قلب نضال طويل الأمد ضد الظلم والقمع والاستعمار، وفي المجتمعات التي فرضت فيها القيود الاجتماعية على المرأة وقللت من دورها السياسي والعسكري، قررت المرأة الكردية الوقوف في وجه هذه الأنماط السائدة وإثبات أن الحرية لا يمكن أن تتحقق إلا من خلال المشاركة الفعالة في جميع مجالات الحياة، وكانت وحدات حماية المرأة بداية التحول في هذه المعادلة، حيث خرجت المرأة الكردية وأعلنت أن النضال من أجل الحرية هو حق غير قابل للتصرف مهما كانت المشاكل أو العوائق.
منذ بداية الحرب السورية في عام 2011، ظهرت وحدات حماية المرأة في شمال وشرق سوريا لتكون قوة أساسية في مقاومة التنظيمات الإرهابية، مثل داعش. لم يكن دور المرأة في هذه الوحدات مجرد دور تقليدي، بل أصبحت هي المحرك الأساسي لحماية حقوق الإنسان، خاصة حقوق النساء، والدفاع عن الأرض والإنسان في آن واحد. المعركة لم تكن مجرد حرب دفاعية، بل كانت قتالًا ضد الظلم الذي طال النساء.
إن انتصار المرأة الكردية في وحدات حماية المرأة لا يقتصر فقط على المعركة العسكرية ضد داعش، بل يتعدى ذلك إلى التحرير الاجتماعي والسياسي للنساء من القيود الثقافية التي فرضتها المجتمعات التقليدية. لقد أصبحت هذه الوحدات رمزًا لحركة نسائية تهدف إلى تحقيق التوازن بين الرجل والمرأة في مختلف المجالات الاجتماعية والسياسية.
لم يكن نضال وحدات حماية المرأة مجرد معركة ضد تنظيم داعش الإرهابي، بل كان أيضًا مواجهة مع القوى المعادية التي تسعى لإجهاض حلم الحرية والمساواة. من أبرز هذه القوى كانت الدولة الاحتلال التركي، التي ترى في وحدات حماية المرأة تهديدًا ليس فقط للأمن القومي، بل أيضًا للنظام الاستبدادي الذي تفرضه على مناطق متعددة. لذلك، تعرضت وحدات حماية المرأة لعدوان مستمر، من خلال حملات عسكرية وغارات جوية استهدفت مواقعها وقياداتها العسكرية.
مارست الدولة التركية العديد من أساليب القمع ضد المقاتلات الكرديات في وحدات حماية المرأة، سواء عبر الهجمات المباشرة أو من خلال دعم المرتزقة التي تستهدفهن. كما رافقت هذه الحملات العسكرية حملات إعلامية تهدف إلى تشويه سمعة هذه الوحدات في محاولة لتحطيم معنوياتهن وتشويه صورة النساء المناضلات. لكن على الرغم من كل ذلك، ظلت المقاتلات صامدات ومصممات على مواصلة النضال.
المفارقة تكمن في أن الدولة الاحتلال التركي، التي تتبنى سياسة قمعية ضد حقوق المرأة داخل حدودها، تسعى لتدمير النموذج الكردي الذي نجح في تمكين النساء من لعب دور حيوي في المجتمع، سواء في المعركة أو في السياسة. بذلك، تحاول تركيا سحق نموذج تحرر المرأة الذي أثبت فاعليته في تغيير الأدوار الاجتماعية والسياسية.
"المرأة المقاتلة رمز للتغيير"
في مواجهة التحديات العسكرية والسياسية، أثبتت المقاتلات في وحدات حماية المرأة أنهن أكثر من مجرد مقاتلات في ساحة المعركة. لقد كسرن القيود الاجتماعية والثقافية التي كانت تحد من دور المرأة في المجتمعات التقليدية. وفي الميدان، أظهرن قدرة غير محدودة على التكيف والصمود، وجعلن من النضال ضد الظلم هدفًا حياتيًا.
المرأة في وحدات حماية المرأة ليست مجرد مقاتلة، بل هي رمز للحرية والمساواة والتغيير الاجتماعي. النضال الذي قمن به لم يكن قاصرًا على الحرب ضد داعش فقط، بل شمل أيضًا تعزيز حقوق المرأة والمساواة في مختلف جوانب الحياة الاجتماعية والسياسية. هذا المسار الجهادي لم يمثل تحررًا فرديًا للمرأة فحسب، بل كان يمثل تحريرًا للمجتمع ككل من كل أشكال الاضطهاد والتخلف الاجتماعي.
"إرث الشهيدات وأثرها في بناء المستقبل"
لقد تركت الشهيدات الكرديات اللواتي ضحين بأنفسهن في سبيل النضال ضد الاحتلال الإرهابي، إرثًا عميقًا في التاريخ الكردي والعالمي. الشهيدات مثل سلافا، أفيستا خابور، بارين كوباني، وأرين ميركان، سوسن بيرهات، وروناهي يكتا هن تجسيد للبطولة والتضحية. لم يكن نضالهن مجرد محاولة للبقاء على قيد الحياة في وجه القمع، بل كان محاولة لإعادة صياغة صورة المرأة في المجتمع الكردي والمجتمعات التي تسعى لتحقيق الحرية. تضحياتهن ألهمت الأجيال القادمة من النساء للمضي قدمًا على خطاهن، وتأكيد حقهن في تقرير مصيرهن. إن هذه الشهيدات لم يقتلن في المعركة فحسب، بل حطمن الحواجز التي كانت تحبس النساء في الأدوار التقليدية.
ورغم الهجمات المستمرة من قبل دولة الاحتلال التركي وغيرها من القوى المعادية، تظل وحدات حماية المرأة تقاوم بكل شجاعة. هذه المقاومة لا تقتصر على الجبهات العسكرية فقط، بل تمتد أيضًا إلى الجبهات السياسية والاجتماعية. المرأة الكردية تقاوم على عدة مستويات: في ساحة المعركة، في وسائل الإعلام، وفي السياسة. وهن يواصلن النضال من أجل مجتمع أفضل، حيث تكون النساء شريكات حقيقيات في صنع القرار، وتضمن لهن حقوقهن الكاملة.
إن هذه المقاومة ليست مجرد رد فعل على العدوان الخارجي، بل هي جزء من مشروع اجتماعي وثقافي يهدف إلى بناء مجتمع كردي جديد يعتمد على مبادئ المساواة بين الجنسين، ويعزز كرامة الإنسان بغض النظر عن جنسه أو انتمائه. ومع استمرار التحديات والعدوان، تظل المرأة الكردية ثابتة في موقفها، تحمل شعلة الحرية في ظل الظلم.
المقاتلات لا يرون 8 آذار مجرد يوم احتفال بالنضال، بل كل يوم هو نضال مستمر.
في قلب معركة سد تشرين، حيث تدور أشرس المعارك، تحارب المقاتلات في وحدات حماية المرأة بكل بسالة، متحديات كل أنواع الخوف والمخاطر. فهن يقاومن ليس فقط من أجل الحفاظ على أرضهن، بل من أجل الدفاع عن كافة المكونات في شمال وشرق سوريا. هذا النضال الذي يتساقط فيه الشهداء يومًا بعد يوم ليس مجرد معركة عسكرية، بل هو رمز للصمود والكرامة التي تستحق أن تُخلَّد في التاريخ.
غياب المقاتلات عن احتفالات 8 آذار، يوم المرأة العالمي، هو تعبير واضح عن أن نضالهن لا يتوقف في يوم واحد، بل هو نضال مستمر. هن لا يرون 8 آذار مجرد يوم احتفال أو ذكرى، بل كل يوم يمر في الخطوط الأمامية هو نضال مستمر واحتفال حقيقي. هذا النضال يتجسد في الأفعال، في الشجاعة التي لا تقهر، وفي التضحية التي لا حدود لها.