مصر: المؤتمر العالمي لدور وهيئات الإفتاء يبحث التجديد في الفتوى وضبطها وفقاً لمعايير حقوق الإنسان 

عقد دار الإفتاء المصرية عبر الأمانة العامة لدور وهيئات الإفتاء في العالم، وبرعاية الرئيس عبد الفتاح السيسي، اليوم الثلاثاء، مؤتمرها العالمي الرابع، تحت عنوان "التجديد في الفتوى بين النظرية والتطبيق"، وبمشاركة وفود من أكثر من 73 دولة من مختلف قارات العالم.

قال مفتي الديار المصرية الدكتور شوقي علام إن التجديد في الغالب الأعم لا يضطلع به شخص واحد أو بضعة أفراد، بل هو أمر قائم على تعاون أهل العلوم والتخصصات المتنوعة، ولا يقتصر الأمر على العلوم الشرعية فقط بل إن علوم إدراك الواقع وإدراك مكوناته - كعلوم النفس والاجتماع والسياسة والإدارة والاقتصاد وكل ما يوقفنا على إدراك مستجدات العصر، هى علوم لها مكانتها وأهميتها في نجاح عملية التجديد.

وشدد الدكتور شوقي علام على ضرورة وضع رؤية نظرية صحيحة تشتمل على تعريف دقيق وواضح لماهية التجديد، ومجالاته وسبله ووسائله وغاياته، مضيفا: "إذا أُحسن وضع هذا الإطار النظري، وتم اعتماده من قبل المؤسسات المعنية، فإنه كفيل بقطع الطريق على هؤلاء الذين يصطادون في الماء العكر باسم التجديد، وهم يستقون أفكارهم من نماذج معرفية غريبة عن الإسلام، لا تمت إلى النموذج المعرفي الإسلامي الوسطي الأصيل بِصِلة، والتجديدُ عندهم لا يتجاوز معنى التجريد، أي تجريد الإسلام من ثوابته التي تُعرف عندنا بالمعلوم من الدين بالضرورة، تلك الثوابت التي تحفظ الدين ولا تتغير بتغير الزمان ولا المكان، وهي تمثل الصورة الصحيحة للدين التي تنتقل عبر الأجيال بالتواتر العملي والنقلي، بحيث إذا قلنا إنها تمثل عصبَ الدين ولحمتَهُ وسُدَاهُ فلن نكون مبالغين بأي حال من الأحول، فلسنا في وارد أن نسمح لهذا العبث الحداثي أن يمارس تهوره باسم الاجتهاد والتجديد". 

وأوضح علام أن الخطوة الثانية هى مرحلة التطبيق العملي لتلك الرؤية النظرية المحكمة، وهى خطوة في غاية الأهمية، فالأفكار النظرية تظل شيئا قليل القيمة، ما لم تجد من يُفَعِّلُها ويحولُها إلى برامج عمل وتدريب وتعاون، وإلى واقع يعيشه الناس بلا إفراط ولا تفريط، ولن تحقق عملية التجديد غاياتِها وتؤتي ثمارَها إلا

بتحقيق التكامل بين الشق النظري والعملي، وعلى هذا الأساس وضعت محاور مؤتمر "التجديد في الفتوى بين النظرية والتطبيق".
ولفت إلى أن المحور الأول، هو الأصول المنهجية في الفتوى، وسوف يناقش تحت هذا العنوان ماهية التجديد في الفتوى، والمعايير المعتبرة فيمن يتصدى لشأن الفتوى، وأهمية تفعيل دور الاجتهاد الجماعي المؤسسي، جيث إن اجتماع عدد من المتخصصين في تخصصات مختلفة تحت مظلة اجتهاد جماعي معاصر أصبح أمرا لا غناء عنه ولا بديل.

وأوضح أن المحور الثاني للمؤتمر ستناول ضوابط الإفتاء في قضايا حقوق الإنسان، حيث تعالت أصوات مغرضة تربط بين انتهاكات حقوق الإنسان من الجماعات المتشددة وخاصة في قضايا المرأة وحرية المعتقدات وحرية الممارسات والشعائر الدينية وحق التعبير وحرية الرأي بالإسلام، فلا شك أن ضبط الفتوى وفق معايير حقوق الإنسان أصبح أمرا في غاية الأهمية والضرورة.

وأضاف أن المحور الثالث يتناول ضوابط الإفتاء في المستجدات الطبية المعاصرة، حيث تنتشر الآن كثير من القضايا الطبية التي تحتاج إلى اجتهاد معاصر كمسألة القتل الرحيم، والموت الدماغي ومفهوم الحياة والموت في الإسلام وقضية حقوق الجنين، وقضايا أخرى، حيث تتنازع هذه القضايا خلافات فقهية حادة بين المعايير المعاصرة ومعايير الدين والأخلاق التي لا تتعارض مع تحقيق الصحة والسلامة للناس. 

وقال المفتي إن المحور الرابع ستناول ضوابط الإفتاء في المستجدات الاقتصادية المعاصرة، حيث تطورت المفاهيم المتعلقة بالاقتصاد، ونشأت أنواع من المعاملات الحديثة كالتسويق الشبكي ومعاملة الفوركس وتدوال الأوراق المالية، وكذلك أصبحت قضية المعاملات المالية بين الفقه التراثي والفقه المعاصر من أهم القضايا التي تحتاج إلى بحث، أما المحور الخامس فيتناول ضوابط الإفتاء في قضايا الشأن العام والدولة، ويشتمل مفهوم الدولة في الإسلام وعلاقته بالفتوى، وقواعد الإفتاء في القضايا السياسة وشئون الدولة، والإفتاء ودعم الاستقرار في أمور الدولة، وكذلك قضية الإسلام والعلاقات الدولية.

وأوضح علام أن الأمة الإسلامة بل إن العالم بأسره يراقب ويتتبع المؤتمر وينتظر باهتمام كبير ما ستسفر عنه جهود ومناقشات وبحوث المشاركين فيه، ونتائج وتوصيات تتحول في أرض الواقع إلى برامج عمل دؤوب، ومشروعات تدريب منتجة، ومشاريع قوانين، ومناهج تعليم، وتخطيط للمستقبل.

وأكد علام أن الأمانة العامة لدور وهيئات الإفتاء في العالم منذ تأسيسها برعاية من الرئيس عبد الفتاح السيسي في ديسمبر من عام 2015 وحتى الآن، أخذت على عاتقها أن تكون حلقة وصل قوية وفعالة بين مؤسسات وهيئات الإفتاء في العالم، ونجحت أن تجمع تحت مظلتها 45 عضوا يمثلون دولهم وهيئاتِهم، كما تهدف الأمانة إلي إيجاد منظومة علمية وتأهيلية للقيادات المسلمة في العالم ترسخ عندهم قيم الوسطية والتعايش وذلك عن طريق بناء شراكات علمية تدعم المنهج الوسطي وتحارب التطرف والإرهاب.

من ناحيته، أكد الدكتور عباس شومان أمين عام هيئة كبار العلماء بالأزهر الشريف، أن الفتوى صناعة ثقيلة لا يجيدها إلا الراسخون في العلم، ومن يسعى إليها دون علم فمثله كمن ذبح نفسه دون سكين. 
وشدد عضو هيئة كبار العلماء - في كلمته بالجلسة النقاشية الأولى بمؤتمر الإفتاء العالمي - على أن من واجبات المفتي، أن تكون الفتوى التي يصدرها مجردة وعامة غير مرتبطة بمنصب أو مسؤول أو غني أو فقير، لافتا إلى أن التفرقة بين الناس في الفتوى لا تعني سوى أنه خان الله ورسوله.

وقال شومان، إن مهمة المفتين ثقيلة، لا سيما في عالمنا المعاصر في ظل وجود الكثير من المتطفلين على ساحة الإفتاء خاصة من هؤلاء الذين لا يستطيعون التفرقة بين العلوم الشرعية وفروعها المختلفة.

بدوره، قال الدكتور علي جمعة عضو هيئة كبار العلماء بالأزهر الشريف: "إن عصرنا الذي نعيش فيه، نحتاج لمثل هذا التجديد حتى نعيش الواقع الذي حولنا، ونحقق مقاصد الشرع الشريف، من غير خروج عن هويتنا، ومن غير تخلف عن مواكبة عصرنا، والتفاعل معه، والتأثير فيه، وهي مسألة شديدة التعقيد شديدة التركيب شديدة الصعوبة".

وأضاف الدكتور علي جمعة - في كلمته بالجلسة النقاشية الأولى بمؤتمر الإفتاء العالمي حول (الأصول المنهجية للفتوى) - أن كثيرا من العلماء الكبار استشعروا أن علوم الشريعة بدأت في التراجع عن مواكبة العصر، مشيرا إلى أن كل تجديد وإبداع لا بد فيه من شطط، وهذا هو نصيب الرواد، دائما يقعون في بعض الشطط، ودائما توجه إليهم أسهم النقد والتجريح، ولكنهم يأخذون ثواب تحريك المياه الراكدة، وإثارة حفيظة العلماء على إعمال العقل والاجتهاد، للرد ولمواجهة الفكرة بالفكرة، والإبداع الموازي، ثم يقبلون بعض التجديد ويرفضون بعضه، فتتحرك الأمة نحو آفاق فكرية جديدة عما كانت جامدة عليه، وهذا أمر محمود شرعا وغير مذموم، فإن النظر يزيد الإيمان، ولا يضره.

وتابع أن تجديد الإفتاء يتطلب من المفتي أن يكون مدركا للنص الشرعي سواء من الكتاب والسنة أو اجتهاد الفقهاء وتطبيقهم للنصوص الشرعية وارتباطها بالواقع وعدم الخلط بين الثابت والمتغير، لافتا إلى أن الأمة في حاجة لتدريس الإفتاء من خلال مداركه الثلاث "إدراك النص، وإدراك الواقع، والوصل بينهما"، مشيدا في الوقت ذاته بدور الأزهر الشريف في تجديد الخطاب الديني خلال المئة عام الماضية.
وأوضح جمعة أن التجديد يكون بخدمة التراث بقصد فهمه، واستيعابه، وتيسيره للدارسين، وكذلك فإن تحرير المصطلح ومعالجته من الأهمية في حركة التجديد حيث إنه يجمع أحكام العلم، ويحدد حقائق مسائله، فيخرج ما يلتبس منها، ويبين الواقع المراد نقله إلى ذهن السامع، ثم الاعتناء بشرح المصطلح بدقة حتى يصح معياراً صحيحا للفهم، وقادرا على نقل الصورة الصحيحة.

وأكد الأمين العام لمجمع الفقه الإسلامي الدولي بجدة عبدالسلام العبادي، أهمية الاجتهاد الجماعي في مجال الفتوى وذلك من أجل الوصول إلى ما من شأنه مصلحة الناس والتيسير عليهم في أمور معيشتهم في شتى مناحي الحياة.

وقال العبادي - في كلمته التي ألقاها خلال الجلسة العلمية الأولى بمؤتمر الأمانة العامة لدور وهيئات الإفتاء في العالم : "إن هناك ضرورة ملحة للعمل الجماعي بين الفقهاء من أجل إصدار تشريعات تتواكب مع تطورات العصر بما يتوافق مع الأحكام الشرعية ، وبيان الحقيقة والحكم الشرعي في كافة ما يستجد من شؤون الحياة".

وأشار إلى أهمية البحث الفكري من الفقهاء والعلماء والمؤسسات الدينية المناط بها البحث والتشارك في ذلك فيما بينهم لإيجاد حلول للقضايا التي تشغل المجتمعات..منوها بالدور الكبير الذي تلعبه دور الإفتاء ومجمع البحوث الإسلامية نظرا لكونه يجمع العديد من العلماء المتخصصين في بحث القضايا الطبية والاجتماعية والاقتصادية المعاصرة والحكم فيها بعد البحث العلمي في ما يخص القضايا التي تشغل الناس.

وأشار إلى ضرورة التجديد في الفتاوى من أجل مواكبة العصر والمستجدات في فهم مقاصد الشريعة الصحيحة والعمل بها، مع الالتزام الكامل بنصوص الشريعة..مشددا على ضرورة قيام مجمع البحوث الإسلامية ببحث النظريات الاجتماعية التي تؤثر على الناس وحياتهم فضلا عن دراسة جميع الفتاوى التي تم بثها وبحثها من خلال مجمع البحوث.