الإعلام الدولي يفضح تناقضات أردوغان: يريد السلام مع الكرد ويقمعهم في نفس الوقت
تثير تناقضات الرئيس التركي أردوغان حفيظة كثير من وسائل الإعلام الدولية، خاصة تعامله مع الكرد.
تثير تناقضات الرئيس التركي أردوغان حفيظة كثير من وسائل الإعلام الدولية، خاصة تعامله مع الكرد.
سلط الإعلام الدولي خلال الأيام الماضية الضوء على ما يدور من مباحثات بين النظام التركي والمفكر عبدالله أوجلان الأسير في سجن إمرالي، وما قد يتمخض عن ذلك من عملية للسلام، يعول عليها أن تقضي على عقود من الصراع، وتمهد لتعايش بين الشعبين التركي والكردي.
إلا أن تقارير إعلامية غربية عدة وضعت علامات استفهام بشأن ممارسات الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، التي تتسم بقدر كبير من التناقض في التعاطي مع الكرد داخل البلاد وخارجياً، في الوقت الذي يفترض أن يكون فيه أكثر هدوءاً؛ من أجل نجاح تلك التحركات التي تشكل اختراقاً كبيراً.
القمع يتواصل
وفي هذا السياق، ذكر تقرير لوكالة أنباء أسوشيتد برس الأمريكية أن النظام التركي يسعى إلى التقارب مع الكرد؛ رغبة منه في الحصول على دعمهم داخل البرلمان من أجل إجراء تعديل دستوري يتيح له الترشح لولاية رئاسية جديدة، وهو الذي أعلن في السابق أن ولايته الحالية هي الأخيرة.
ويكشف التقرير فيما يبدو أن نوايا النظام التركي نحو السلام ليست خالصة من أجل التعايش، وإنما من أجل مكاسب سياسية، حيث يلفت إلى أنه بينما رغبته وهدفه تعديل الدستور، فإنه يواصل حملته القمعية بحق المعارضين والناشطين والصحفيين الكرد في البلاد دون توقف.
وذكر التقرير كذلك أن تحركات النظام التركي بشأن السلام مع الكرد، تأتي في وقت يواصل أيضاً حملته على مناطق الكرد في إقليم شمال وشرق سوريا، كما أنه يواصل استهداف قوات سوريا الديمقراطية "قسد"، التي لعبت دوراً محورياً في هزيمة تنظيم "داعش" الإرهابي.
ارتباك وعدم وضوح
حول تلك التناقضات، يقول مصطفى صلاح الباحث المتخصص في الشأن التركي، لوكالة فرات للأنباء (ANF)، إن الاتجاهات فيما يتعلق بإدارة تركيا لملف الكرد تتداخل بين محددات التسوية الداخلية لهذه القضية، والاتجاهات العسكرية في مواجهتهم داخل سوريا.
ويضيف "صلاح" أن هذا التداخل أفرز حالة من الارتباك وعدم الوضوح فيما يتعلق بوجود استراتيجية تركية واضحة المعالم، للتعامل على مختلف المستويات مع القضية الكردية داخلياً وخارجياً، وهذا الأمر يعود إلى أنقرة بالأساس التي لم تسع إلى تسوية هذه القضية داخلياً، قبل أن تتجه لتصعيدها داخل الأراضي السورية.
ويقول الباحث السياسي المصري إنه على الرغم من وجود مبادرة لتسوية القضية الكردية والتي طرحها زعيم الحركة القومية دولت بهجلي؛ إلا أن الممارسات العملية التركية سواء في الداخل أو الخارج جاءت في أقصى اليسار بعيداً عن أهدافها، ما يفرز تحديات حول إمكانية تنفيذ المبادرة.
وأشار "صلاح" أيضاً إلى أن مبادرة زعيم حزب الحركة القومية لم تتضمن أي خطوات ملموسة أو استراتيجية واضحة للتنفيذ بعد، بل جاءت خاضعة بالأساس لرؤية النظام التركي، بعيداً عن المناقشات الاجتماعية والسياسية التي هي بالأساس صلب الموضوع ومحوره وبالتالي فإن المبادرة لا تتعدى كونها إعلاناً ترويجياً لم يتم ترجمته على أرض الواقع، وفق رأيه.
التبار المتطرف
صحيفة إندبندنت البريطانية بدورها تحدثت عن إشكالية أخرى لدى النظام التركي وحليفه زعيم حزب الحركة القومية، إذ قالت إن جناحاً كبيراً من التيار القومي التركي المتطرف يعترض على المصالحة مع حزب العمال الكردستاني، وعلى الرغم من أن بهجلي داعم للمصالحة. ويقول مراقبون إن تحركات أردوغان المتناقضة تجاه التعاطي مع القضية الكردية، وعدم تماسك المعسكر الموالي له يهدد أي عملية مرتقبة للسلام.
يقول السياسي الكردي سليمان جعفر، في اتصال لوكالة فرات للأنباء (ANF)، إن كل الدول ودول الاحتلال التي كانت تقمع الحركات التي تثور في وجهها في نهاية المطاف تضطر إلى الجلوس مع تلك التحركات للوصول إلى السلام، وهنا تركيا ليست استثناء كدولة محتلة، لكنها استثناء في التهرب من أي مساع نحو السلام.
وأوضح أنه باستعراض خطوات السلام التي خطاها حزب العمال الكردستاني، مقابل التعنت التركي ندرك مدى الغطرسة والعنجهية التي يحملها القادة الأتراك، مؤكداً أن كل مبادرة للسلام بين حزب العمال الكردستاني والدولة التركية يبدأ بها الحزب ليس عن ضعف، ولكن لحقن الدماء، لا سيما وأن كل مقاتل من مقاتليه عندما يلتحق بصفوف الحزب يضع الشهادة نصب عينيه لكي يحقق الحرية والكرامة لشعبه.
ويلفت السياسي الكردي إلى أن هناك مبادرات عديدة قام بها الزعيم عبد الله أوجلان لوقف إطلاق النار من جانب واحد منذ عام 1993 للوصول إلى السلام، يقابلها خداع أو عدم التزام الدولة التركية بها، موضحاً أنه مع تفاقم الأزمات الخارجية والداخلية لتركيا، وصل رأس الدولة العميقة دولت بهجلي إلى قناعة أن مفتاح حل تلك الأزمات بيد أوجلان؛ فبادر بدعوته للحوار، الأمر الذي كانت يرفضه سابقاً.
ويشير سليمان جعفر كذلك إلى أن ما يجري من لقاءات وحوارات في إمرالي وأنقرة سينعكس على كامل الجغرافيا السورية سلباً أو إيجاباً؛ فالفصائل المرتبطة بتركيا ستلتزم بما تقرره أنقرة، وقد تخرج من عفرين وتعود إلى مناطقها التي جاءت منها، ويعود مهجرو عفرين إلى ديارهم التي هجروا منها، مضيفاً: "بالرغم أننا لا نثق بالوعود التركية؛ فليس لدينا مانخسره، ونأمل أن تثمر المفاوضات الحالية إلى إلقاء السلاح وإحلال السلام".