قال د.أحمد سيد أحمد خبير العلاقات الدولية والشؤون الأمريكية بمركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية إنه لا تزال في مسألة أفغانستان حالة من الضبابية والغموض حول المستقبل الأفغاني بعد سيطرة حركة طالبان.
وأوضح في مقابلة خاصة مع وكالة فرات للأنباء ANF أن التركيز والأولوية من جانب الدول الغربية وأمريكا بالتحديد ومعها حلفائها الأوروبيين على إخراج وإجلاء الرعايا الأمريكيين والرعايا الأفغان، الذين تعاونوا مع القوات الأمريكية وقوات حلف الناتو، دون النظر –الآن- إلى الترتيبات السياسية في أفغانستان أو أي تفاهمات مستقبلية.
وأضاف "أعتقد أن الصورة ستظهر بعد ذلك خاصة أن اجتماع مجموعة الدول الصناعية السبع لم يتفق حقيقة حول تمديد إجلاء أو بقاء القوات الأجنبية (الأمريكية) في أفغانستان أو فيما يتعلق بفرض عقوبات على طالبان كما دعت كندا. ولكن الآن الموقف العام هو أن طالبان تحاول السيطرة تدريجيًا. هي سيطرت أمنيًا، الآن هناك تحديات متعلقة بكيفية شكل الحكم بعد أن أعلنت إمارة اسلامية ثم أعلنوا تشكيل مجلس حكم من 12 شخصية، يحاولون استقطاب بعض العناصر الأخرى من غير طالبان لكن في حقيقة الواقع أن طالبان بتعيين عدد من الوزراء السياديين في الدفاع في الشرطة أو الداخلية في المالية وغيرها من عناصر طالبانية بما يعني أن طالبان سوف تسيطر على المشهد الأفغاني السياسي".
ولفت إلى أنه رغم ذلك إلا أن العالم لا يهمه كثيرا ولا يلتفت كثيرًا ويركز على التفاعلات السياسية الأفغانية بقدر ما يركز على عملية الإجلاء ثم بعد ذلك يأتي النظر في التزامات وسياسات وسلوكيات حركة طالبات فيما يتعلق بقضايا محددة خاصة فيما يتعلق إيواء طالبان للجماعات الإرهابية أو أن تكون أفغانستان مصدرًا للأعمال الإرهابية في العالم.
وقال د.أحمد سيد: "إن طالبان تعهدت بألا تكون أفغانستان نقطة للانطلاق أو إيذاء الدول المجاورة أو الانطلاق لأعمال إرهابية ضد الخارج وخاصة أمريكا. الأمر الثاني أنهم يركزون على فكرة أن تسمح طالبان بخروج المتعاونين الأفغان. والمهم أيضًا ألا تتحول أفغانستان إلى دولة فاشلة بما يمكن أن تمثل خطرًا على الدول الأخرى خاصة الأوروبية بموجة جديدة من من اللاجئين الأفغان كما حدث في عام 2015 عندما تدفقت أيضًا موجات من سوريا ومن دول في الشرق الأوسط".
وتابع: لذلك فإن البوصلة تتجه الآن إلى ربما الاعتراف بساسة الأمر الواقع بطالبان كحركة مسيطرة أمنيًا وسياسيًا على أفغانستان، مع الترقب لسياسات الحركة ومدى التزامها بتعهداتها تجاه المجتمع الدولي.
وحول تأثير الوضع الأفغاني على الجوار الأفغاني، ثم دول الشرق الأوسط خاصة سوريا التي شهدت انسحاب للعناصر الأفغانية المقاتلة فيها تحت سيطرة إيران، قال: "في الواقع أن هذه التطورات الديراماتيكية في أفغانستان وسيطرة حلقة طالبان، التي أعلنت عن نيتها إقامة إمارة إسلامية في البلاد، وتكرار تجربة الحكم الطالباني من بين 1995 وحتى 2001 قبل الغزو الأمريكي. هذا الوضع بدا لديه تداعيات وارتدادات على الدول الجوار الأفغاني خاصة فيما يتعلق بالصين فيما يتعلق بروسيا ودول وسط آسيا (تركماستان، أوزباكستان، طاجيكستان)، ثم أيضا إيران".
وأردف: "لكل دولة من هذه الدول حسابات؛ ففيما يتعلق بروسيا والصين تحديدًا، روسيا تحاول ان تقيم يعني علاقات مع طلبان وفق الأمر الواقع، وهي تحاول أن توظف وتستغل حركة طالبان لضمها إلى المعسكر الذي تقوده روسيا، وأيضا الصين في مواجهة أمريكا ولذلك بدى الخطاب الروسي يتقبل الأمر الواقع، ويدعو إلى عدم التسرع بفرض عقوبات على طالبان، يدعو إلى الاعتراف –ربما- بطالبان. وأيضا الصين لديها تخاوف من أن تكون أفغانستان منطلقًا لتأجيج الأوضاع في إقليم شينج يان الذي يضم أقلية الإيجور المسلمة في الصين، والخوف من أن تنتقل العناصر الإرهابية من أفغانستان إلى الإيجور أو يحدث هناك تلاقي خاصة أن هناك عناصر من الإيغور قاتلت بالفعل في دول مثل سوريا، وبالتالي الصين تحاول أن تقيم علاقات جيدة وقوية مع طالبان لضمان عدم وجود أي تأثيرات سلبية على الإيجور في الصين. وأيضا لاعتبارات اقتصادية خاصة بمشروع الطريق والحرير، الذي تقيمه الصين وتسعى لتحقيق استثمارات ضخمة في أفغانستان، أيضا طالبان تحتاج لهذه الاستثمارات خاصة أن أفغانستان غنية بمادة الليثيوم وهي متخصصة في صناعة البطاريات وهي مهمة في السيارات وغيرها، وبالتالي في هناك مواد طبيعية في أفغانستان سوف تسعى الصين إلى التكالب عليها وبالتالي هذا يدفعها إلى أن تتعامل بمنطق الأمر الواقع مع طالبان دون النظر أو بغض النظر عن اعتبارات حقوق الإنسان أو الديمقراطية أو الحرية أو غيرها من الأمور التي يركز عليها الغرب".
واستطرد: "فيما يتعلق بباكستان، فإن باكستان أيضًا لديها علاقات قوية مع طالبان والحركة نشأت أساسا في باكستان، وباكستان تريد أن تقول إنها لديها اليد الطولى والقوة والتحكم والنفوذ في تفاعلات المعادلة الأفغانية خاصة أن باكستان تريد أن تستقطب طالبان، وتريد أن تقول للعالم إنها المفتاح والمدخل لطالبان خاصة في جانب الضغط على الجانب الأمريكي من جانب باكستان خاصة بعدما غضبت باكستان من تقارب أمريكا مع عدو باكستان اللدود الهند، وبالتالي هنا باكستان تحاول أن توظف الورق الأفغانية وإقامة علاقات مع طالبان في المناورة مع الولايات المتحدة الأمريكية".
وتابع: "يبقى هناك أيضًا العنصر المهم وهو إيران، والتي حتى الآن هناك علاقة رمادية بينها وبين طالبان، فرغم أن إيران ساعدت طالبان في الفترة الأخيرة وزودتها بالأسلحة ضد القوات الأمريكية في إطار المناورة والحرب بالوكالة مع أمريكا، لكن هناك تاريخ دموي بينهما، ففي عام 1998 هاجمت طالبان القنصلية الإيرانية في مزار شريف وقتلت عدد من الدبلوماسيين الإيرانيين كما أن إيران ساعدت أيضًا على إسقاط طالبان في 2001 وتعاملت مع أمريكا وتواطأت معها ضد صلبان".
وأضاف "هناك أيضا الشيعة الهزارا في أفغانستان وهم أقلية شيعية تدعمهم إيران بل وجندت أيضًا منهم عدد كبير تحت لواء فاطميون وقام بنقله إلى سوريا للقتال إلى جانب قوات النظام السوري ضد الفصائل السورية وهذا كان جزء من التمدد الإيراني في المنطقة خاصة في سوريا، هناك عديد من الفصائل ومنها فاطميون، وهناك أكثر من مليون مهاجر ولاجئ من أفغانستان يقيمون في إيران ومنها الشيعة الهزارا وبالتالي قامت إيران بتوظيفهم. وبالتالي ربما تمثل هذه المسألة نقطة توتر مع طالبان، التي سيدفع صعودها إلى الضغط على إيران لسحب وإكمال سحب هذه القوات أو الميليشيات ومنهم فاطميون من سويا وإعادتهم مرة أخرى إلى افغانستان وبالتالي سنشهد ربما تأثيرات أيضا على المشهد السوري فيما يتعلق القوات الإيرانية وفيما يتعلق بحلفاء إيران وميليشيات إيران في سوريا وربما انكماشها خاصة أن هناك عامل مهم وهو أن طالبان هي ذات مذهب سني بينما إيران شيعية وبالتالي يعني عدم التلاقي الأيديولوجي والطائفي لكن ربما تدفع المصالح إلى التعاون الوقتي في مقابل سياسة البراجماتية التي تتبعها حركة طالبان".
وفيما يتعلق بتركيا والدور الذي تقوم به الآن في ظل صود طالبان قال: "تركيا تحاول أن تقود العالم الإسلامي، كما أنها تسعى إلى توسيع نفوذها وسيطرتها وتمدها في جمهوريات آسيا الوسطى، مثل: تركمستان، أوزباكستان، طاجيكستان، وبالطبع أفغانستان وهناك علاقات يعني براجماتية بين تركيا وطالبان، فتركيا كعادتها تحاول أن تلعب بين المتناقضات، فنجدها تقيم علاقات مع طالبان وفي نفس الوقت تكون أحد أدوات حلف الناتو ومحاولة إقناعه بأن تركيا يمكن أن تلعب دورًا في أفغانستان في المستقبل في ظل طالبان، خاصة فيما يتعلق بتأمين مطار كابول الدولي، لا بل وبالفعل هناك قوات تركية موجودة فأكثر من 500 عنصر يقومون بتأمين المطار وطالبان اعتبرت أن هؤلاء هم جزء من الاحتلال وبالتالي قد يجلون مع القوات الأمريكية إلا إذا حصلت تفاهمات بين تركيا وطالبان في إطار أن يكون هذا بطلب من طالبان وليس كمهمة لحلف الناتو".
وأكد أن "تركيا تحاول أن تلعب على المتناقضات هي تحاول دائما كما دعمت أوزباكستان في مواجهة أرمينيا، والآن فإنها أيضا تحاول أن توظف حركة طالبان في توسيع نفوذها خصوصا بعد ما تمددت في العراق وفي سوريا ضد الكرد أيضا في الشمال، وبالتالي كل هذا يعكس أن تركيا حاول اللعب على الانتهازية، تحاول استغلال طالبان وتجنيد عناصر مسلحة كورقة في للقتال في سوريا وفي العراق كما حدث من قبل عندما قامت تركيا بنقل عناصر من سوريا، عناصر مجاهدة وعناصر جهادية من تنظيم جبهة النصرة وغيرها وتنظيم داعش ونقلهم إلى سوريا وإلى مناطق مختلفة كما حدث في أوزبكستان وبالتالي كل هذا يعني أن تركيا تحاول اللعب على المتناقضات، وتحاول أن تُفهم الغرب أنها قادرة على التعاطي مع طالبان".
وأردف: "بالمقابل أنا في اعتقادي أن تركيا تواجه تحديات كثيرة أولها؛ أن طالبان لن تقبل باستمرار أو وجود عسكري تركي في أفغانستان. الأمر الثاني: أن طالبان ستكون منفتحة على كل القوى الأطراف بحيث أنها على الأقل في المرحلة الأولى لا تبدو أنها حليف أو تابع لطرف ضد الطرف الآخر، فستحاول طالبان أن تنأى بنفسها أيضا عن صراعات في العراق في سوريا، وأيضا عن انخراطات واشتباكات تورط تركيا في العديد من الصراعات في منطقة الشرق الأوسط، في سوريا، في العراق وبالتالي هنا يعني يمثل تحديا كبيرا لنا التوجهات والسياسة التركية".
وفيما يتعلق بقطر وعلاقتها تركيا وطالبان وإذا ما كان يمكن للأطراف الثلاثة الالتقاء في السياق، قال: "في اعتقادي أننا نعرف التحالف التقليدي ما بين قطر وتركيا وهذا المحور كان منخرطا في أي من الصراعات في الأزمات في سوريا وفي ليبيا (...) قطر لديها حسابات تحاول أن تظهر بأنها قادرة على لعب دور الوسطات والتعامل مع جماعات الإسلام السياسي ومنها بالطبع جماعة طالبان، وإقناع الغرب لديها القدرة والنفوذ على ترويض هذه الحركة. لكن في اعتقادي أن هناك متغيرات جديدة في المنطقة في ظل التصالح العربي مع قطر وخاصة من جانب المملكة العربية السعودية ومصر وبقية دول الرباعي العربي مع قطر، وبالتالي الاستقطاب الذي كنا نراه في السابق ما بين المحور التركي- القطري أو تقارب قطر مع إيران او غيرها من المحاور هذا تراجع بشكل كبير،وأصبح هناك الآن تقارب حتى في السياسات، وهي صحيح لم تصل إلى حد التطابق لكن على الأقل هناك توافقات بين قطر والمملكة العربية السعودية وهذا يمكن أن يُحجّم بشكل كبير من النفوذ التركي وأيضا يكسر هذا المثلث".
واستطرد: "الأمر الثاني أن المملكة العربية السعودية لها علاقات قوية مع طالبان وهي بالفعل كانت من الدول التي اعترفت بها في المرة الأولى، وأيضًا استضافت عدد من مؤتمرات المصالحة بين حركة طالبان والحكومة الافغانية في مكة المكرمة. وبالتالي هناك أطراف عديدة تحاول أن تدخل في هذا السياق، لكن المنهج أو الأهداف التركية ربما تختلف أيضا عن الأهداف القطرية، فتركيا لديها مشروع توسعي، لديها مشروع استخدام وتوظيف جماعات الإسلام السني في توسيع تمددها في مناطق مختلفة في الشرق الأوسط وفي وسط آسيا بينما قطر ليس لها مشروعات توسعية هي تحاول أن تُشعر الغرب لديها قدرة على الإمساك بمفاتيح اللعب أو مفاتيح التعامل مع الميليشيات وتنظيمات الاسلام السياسي كما في ليبيا، سوريا، أفغانستان وتقول إنها تستطيع أن تروض طالبان. أي أن قطر تحاول أن يكون لها دور بارز وفاعل لكن على الأقل ليس كان في السابق، ولكن في إطار التنسيق ربما الخليجي والتنسيق العربي.
وحول ما أعلنته الأمم المتحدة من تنفيذذ طالبان لعمليات إعدام رغم الظهور الإعلامي لقادة الحركة وحديثهم عن الحقوق والحريات ومدى أن يؤدي ذلك إلى أزمات، قال: "في الواقع طالبان رغم أنها تُحاول أن تبدو مختلفة عن طالبان 1996-2001 قبل سقوطها أمام الغزو الأمريكي، أما طالبان 2021 فهي وبعد نصائح المقربين يبدو أنها تحاول أن تظهر بمرونة تكتيكية عبر بعض التصريحات والتعهدات حول حق المرأة في العمل، حق المرأة في التعليم، حول عدم اإلزامها بارتداء البرقع ولكن على الأقل الحجاب يعني أمور كلها تبدو كصورة تجميلية وديكورية أمام الغرب لأهداف معينة حتى تقوم بالحشد أو نيل الاعتراف الدولي".
وأضاف "لكن طالبان تسعى لإبداء المرونة، ورغم التقارير التي رصدت إعدامات خارج القانون في كثير من المناطق الأفغانية، تقول طالبان إنها حالات فردية، وإنها لا تعلم عنها شيئا".
وحول المخاوف من عودة الإرهاب إلى أفغانستان وتأثيره على دول المنطقة، قال: " إن وصول أفغانستان سيكون تداعيات وارتدادات سلبية على الأرهاب لعدة زوايا؛ أولا: سوف تستغله الجماعات والتنظيمات الإرهابية المتشددة مثل داعش والقاعدة وغيرها من التنظيمات المنتشرة في دول منطقة الشرق الأوسط ودول العالم كمصدر إلهام. ونجاح النموذج الجهادي النموذج الطلباني في مواجهة وهزيمة، كما يعتقدون، أكبر قوة في العالم وهي أمريكا وبالتالي هذا يعطيهم دفعة معنوية للاستمرار والمضي قدما في الانقلاب على السلطة".
وتابع: "الزاوية الثانية: هي أنه رغم أن طالبان أعلنت أنها لن تكون مأوى للجماعات الإرهابية أو تشكل خطرًا، إلا أنها لا يزل في إطار على الأقل الجانب الظاهري المعلن، حتى لا تتصادم مع الغرب، لكن في اعتقادي أن طالبان ستتجه في علاقاتها مع هذه التنظيمات إلى العلاقات السرية، خاصة بتنظيمات مثل القاعدة وهم حلفاء قداى، وصحيح أن هناك اختلافات مابين داعش وطالبان لكن على الأقل حالة الفوضى التي ستتولد في أفغانستان، ربما تتحول إلى دولة ضعيفة تؤدي لظهور الحركات الإرهابية حتى لو لم تتحالف مع طالبان".
وعبر عن اعتقاده بأن جماعات الإرهاب في المنطقة سواء ليبيا أو غيرها من تلك التي لم يعد لها حاضنة آمنه في دول المنطقة قد تستغل الوضع الأفغاني وتنتقل إليه وتعيد ترتيب صفوفها ثم تنتظر الفرص المواتية لتعود بالانقضاض على دول المنطقة مرة أخرى، وربما يدفع ذلك بجولات أخرى من الإرهاب في منطقة الشرق الأوسط.