مازال الفلسطينيون يتذكرون كلمة قالوها منذ أن جاء غريب ودخل أرضهم وبدأ بهدم منازلهم وشن الهجمات عليهم، وبدأت الشابة الفلسطينية بالنزول إلى الساحة من جديد كما أعوام الثمانينات من القرن الماضي لتقود ثورة الشباب الذين خرجوا ليحموا مقدساتهم ووجودهم.
مدن وقرى فلسطين تشهد منذ بداية تشرين الأول/أكتوبر الجاري حراكاً شعبياً بوجه القوات الإسرائيلية ويطلق عليها تسميات مختلفة فمنهم من يقول إنها “انتفاضة” ولكن الكثيرين فضلوا تسميتها بـ “الهبة الفلسطينية” لأن الذين تحركوا وخرجوا للشوارع هبوا دفعة واحدة دون أن يعيروا الانتباه للقادة السياسيين الذين انحصر دورهم بالتصريحات والبيانات المستنكرة لما يجري.
وعندما تسأل الشبان الموجودين في الشوارع عما يجري، جميعهم يقول “فلسطين بحاجة لكم سواء كنت أحياء أو أموات، عليكم أن تثوروا، أن تندفعوا إلى الشوارع والحواجز، أن تصرخوا بأصواتكم المضطهدة وعليكم أن تسمعوها للعالم أجمع، فمن لم يسمعكم اليوم سيسمعكم غداً أو بعد غد، وطنكم بحاجة لكم”.
هذا هو مشهد الشبان الذين خرجوا إلى الشوارع، الكل يقول إنهم صمتوا دهراً على الممارسات الإسرائيلية بحقهم وبحق مقدساتهم وسط انشغال القيادات الفلسطينية بالمنافع الشخصية واستخدام الوطن والقضية للوصول إلى ذلك، واكتفاء القادة العرب ومن يدعون أنهم مسلمين بالنظر إلى ما يجري في فلسطين واتخاذ موقف المشاهد.
والكل بات يعلم أن إسرائيل هي من بدأت هذه المرة كما المرات السابقة، فهي من اقتحمت الأقصى وبدأت بشن الهجمات على الشبان والفتيات في مداخل الأقصى وهي من أصدرت الأحكام بحق الشبان الذين يلقون الحجارة ليدافعوا عن مقدساتهم الموجودة في أرضهم التي ولدوا عليها وفيها يدفنون.
الممارسات الإسرائيلية هذه أفقدت الشبان الفلسطينيين القدرة على التفكير ما دفعهم بالخروج إلى الشوارع مندفعين حاملين الحجارة باحثين عن كرامتهم، أرضهم ومقدساتهم وبات الفلسطينيون يفكرون كيف يحمون الأقصى وإلى جانب ذلك كيف يحافظون على أرواحهم لأن فلسطين هي بحاجة لهم كي يدافعوا عنها .
حراك جماهيري يرفض تدخل القيادات
استمرار المواجهات العنيفة بين الفلسطينيين والقوات الإسرائيلية في كافة المدن والقرى الفلسطينية، خلقت نفوراً شعبياً لدى الفلسطينيين تجاه الإسرائيليين ودفعتهم لحمل سلاحهم الذي طالما اشتهروا به “الحجارة” للدفاع عن المقدسات، ولكن بعضهم لجأ إلى طريقة جديدة ألا وهي استعمال السكين الأمر الذي خلق الرعب في نفوس الإسرائيليين.
وليس هذا كل شيء بل رفض الشباب الفلسطيني بأن تتبنى أي قيادة سياسية أو حزبية الأوضاع التي تجري على الساحة، بل فضلوا خوض ما يطلقون هم عليها اسم “الانتفاضة” بشكل جماعي تحت سقف “حماية القدس واجب وطني” وابتعدوا عن الشعارات التي يرددها المسؤولين والتي وصوفها بالكاذبة والخادمة للمصالح الشخصية فقط.
ولهذا خرج الآلاف من المواطنين وبدأوا بمواجهة القوات الإسرائيلية رغم إدراكهم مقدار الخطر الذي يهدد حياتهم، وكل من خرج إلى الشوارع يقول “إن لم نخرج نحن للدفاع عن فلسطين فلن يتحرك أحد من الأحزاب والقيادات الفلسطينية لأنهم فقط يجيدون التصريحات والخطابات المتلفزة ويسيرون وما يتماشى مع مصالحهم الشخصية”.
مشاركة الفتاة الفلسطينية يعيد ذكريات الثمانينات
ما يميز هذه “الهبة” هو عودة الفتاة الفلسطينية ومشاركتها للشاب هموم الوطن والوقوف معاً في المقدمة جنباً إلى جنب، ومثلت مشاركة طالبات الجامعات والمدارس في التظاهرات والمواجهات على مداخل المدن نمطاً جديداً لم يشهده الشارع الفلسطيني إلا في الثمانينات من القرن الماضي عندما كانت الفتاة تشارك الشاب في الانتفاضة.
ومشاركة الشابة الفلسطينية في هذه المواجهات أعادت نقاشاً تجاوزه الزمن حول ضرورتها وأهميتها وأشكال مشاركتها، وأثبتت الشابة بهذه المشاركة أنها قادرة على النضال جنباً إلى جنب مع الشاب، وطورت طرق مشاركتها بالنضال والخروج إلى الشوارع وبدأت تقدم وترتب العمل وتقود الشعب في المقدمة خالقةً بذلك الحماس وأملاً بأن الحرية باتت قريبة.
وأثارت هذه المشاركة الملفتة للشابات في المواجهات، اهتمام الإسرائيليين وجعلهم يدركون جيداً حجم الغضب الذي وصل إليه الفلسطينيون تجاه ممارسات الحكومة الإسرائيلية، خصوصاً وأن مشاركة المرأة الشابة لم تقتصر على الخروج في التظاهرات بل وصلت إلى مستوى قيامهن بعمليات طعن فردية.
سكون القيادات الفلسطينية والحزبية
خلال هذه المواجهات وجهت القوات الإسرائيلية برصاص أسلحتها نحو الشبان، الشابات والأطفال وقتلتهم بحجة أنهم أقدموا على طعن إسرائيليين دون أن تسأل عن سبب إقدام هؤلاء على عمليات الطعن، ولكن ما يزعج الشباب المنتفض هو أن القيادات الفلسطينية المعروفة بقوة تصريحاتها وخطابتها السياسية والعسكرية واستنكارها لأفعال الحكومة الإسرائيلية لم تصدر حتى الآن أي بيان أو قرار صارم ينصر هؤلاء الفتية والفتيات الذين تم قتلهم من قبل الجيش الإسرائيلي.
ويصف الشارع الفلسطيني حال القيادات والفصائل الفلسطينية بأنهم “أشخاص يشاهدون ما يجري عبر شاشات التلفاز فقط”، رافضين أن تأتي أي جهة حكومية أو حزبية وأن تتبنى الموقف الفلسطيني، قائلين “نرفض تدخلكم، فقط اتركوا لنا الساحة والموقف كي نعلمكم ماذا يستطيع الشعب أن يفعل عندما ينتفض بوجه من يدنس مقدساته”.
بينما يجد أخرون بأن القيادات الفلسطينية لن تتحرك أبداً إلا إذا تحول الأمر عليهم وبدأت إسرائيل باستهدافهم وذلك لأن دماء المواطنين لا تعني لهم الكثير، ولذلك فإن الشباب المنتفض في الشوارع يؤكد أنهم سيتابعون ما بدأوه ولن يتراجعوا بتاتاً إلا بحلول ترضيهم وترضي القدس.
الأدباء هم من يقودون الهبة الفلسطينية
ويشير غالبية الفلسطينيين بأن جميع الساسة يخافون على شعبيتهم التي أمضوا حياتهم لتكوينها من أجل خدمة مصلحتهم الشخصية، أما المثقفون والمفكرون فهم من يحرسون روح الأمة بفكرهم وعملهم وعقلهم، حيث انطلق العديد من المثقفين والمفكرين إلى الشوارع لوضع المخططات والأفكار في كيفية مواجهة القوات الإسرائيلية بحجارتهم التي هي السلاح الوحيد الذي يمتلكه الشعب الفلسطيني للدفاع عن بلاده.